مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

الثوره السورية وانعکاساتها علی الذهنية العربية

د. شهاب الدين عباس ابشر/ السودان /

شهاب الدين عباس
شهاب الدين عباس

 

ترتبط مراحل تطور تاريخ الأمة العربية, بتطور الوعي المجتمعي الذي كان قائماً على الانقياد والتبعية منذ عصورطويلة. فمثلاً في مرحلة البداوة, كانت الطبيعة هي التي تكيّف السلوك المجتمعي و تقوده, وكذلك تكيّف عاداتهم وتقاليدهم وحركتهم وحروبهم وسلمهم.

ثم انتقلت المجتمعات العربية في مرحلة لاحقة و خاصة بعد تطور المجتمعات الأخرى من حولها, لتشكل تكتلات إقطاعية, فانتقلت تبعيتها من الطبيعة في مرحلة البداوة إلى تبعية مطلقة للإقطاعي المتمثل في زعيم القبيلة أو شيخها. وهنا بدأت تتشكل روح الجماعة المستسلمة للولاء للشيخ أو الزعيم الإقطاعي, وهو المسيطرعلى عقليتها ووعيها تماماً بشكل انقيادي وتبعية كاملة.

بقيت هذه التبعية راسخة في وجدان المجتمعات العربية, حتى بعد تشكّل الدولة الحديثة وتدفق البترول من بلدانها وتطور اقتصادها, إلا أن تأثير التطور الاقتصادي في المجتمعات العربية لم يشكل وعياً ثورياً لدى جماهيرها, والسبب في ذلك يعود إلى كون رأس الدولة في تلك البلدان كان إقطاعياً بالشكل الملكي, أو كان دكتاتوراً على شكل أنظمة شمولية, تقهر شعوبها وتجعل من المجتمع مجموعة استهلاكية لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم, وفي صراع دائم من أجل البقاء.

لقد تمكنت تلك الأنظمة العربية من تفتيت وتشتيت مجتمعاتها, وتحويل عقلية الفرد لتجعلها أنانية متمحورة في ذاتها على طريقة المفهوم المصري (نفسي ومن بعدي الطوفان). فهذه (الأنا) كانت السبب الأساسي في إقصاء الروح الجماعية ومنع تشكلها, وفي الوقت نفسه لم تتشكل لدى تلك الشعوب, أي روح ثورية لأنها تفتقد للروح الجماعية كما أسلفنا.

انتقلت هذه النفسية ذات الصفة التبعية للأمة العربية من الفرد بوصفه الخلية الرئيسية في المجتمع, لتشمل المجتمع بأكمله وصولاً إلى الأنظمة نفسها التي ارتمت في أحضان التبعية للدول الكبرى المرتهنة لإرادة تلك الدول, فأصبحنا أمام سلسلة من التبعيات, مما تسبب في سلب سيادة دولهم ومقدراتهم, وسمحت بتدخل تلك الدول الكبرى في شؤون الدول العربية, الأمر الذي أدى إلى إضعافها, وجعل الأطماع فيها تزداد يوماً بعد يوم حتى وصل الأمر بالدول الكبرى إلى وضع خارطة تقسيم الدول العربية لمجموعة كانتونات صغيرة, قائمة على أساس طائفي أوعرقي تتناحر فيما بينها.

فكان الربيع العربي هو أحد أدوات التقسيم وليس التغيير بالمفهوم الثوري.

و في هذا السياق لابدّ من الإشارة إلى أن مفهوم الثورة, لا يقوم على أساس ديني أوعرقي أو خلافة داخل مجتمع ما, فالثورة في ذلك الإطار يمكن تسميتها حراكاً بالنسبة للمطالب الطائفية أوالعرقية, ضد الأنظمة الحاكمة لتحقيق مطالب محددة لصالح تلك المجموعة. أما الثورة بمعناها المعروف فهي تغيير كامل لصالح المجتمع الكلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

و بالعودة إلى الربيع العربي في سوريا, فإن  لديه أهدافاً عديدة منها البعد الاستراتيجي, وهذا هو الأهم بالنسبة للغرب وإسرائيل بالإضافة إلى تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد, عن طريق تقسيم سوريا على أساس مذهبي كما حصل في حلب وغيرها من المدن السورية, حين كانت المجموعات الإرهابية تقسّم منطقة أو مدينة ما في سوريا, بحائط أوأي فاصل آخر لتكون دولته فيها. فمثلاً في حلب كان لدى جبهة النصرة مساحة مفصولة بجدار وفي الطرف الآخر داعش, وهكذا بقية المجموعات الإرهابية وهكذا دواليك كان سيكون مصير كل سوريا. لكن الوضع بالنسبة للكرد كان مختلفاً كثيراً, فبالإضافة إلى كونهم لم يطرحوا مشروعاً انفصالياً و لم يدعوا إلى تقسيم سوريا, كانوا يصطدمون بمعوقات كثيرة على عكس المجموعات الأولى الإرهابية التي دُعمت من السعودية وقطر والإمارات والبحرين وأمريكا والاتحاد الأوربي. فالدول العربية انجرفت لهذه الحرب من باب التبعية العمياء للإمبريالية الغربية التي تعمل لأهدافها التي ذكرناها.

والسؤال المطروح بعد كل هذا, هل كان  للربيع العربي أي انعكاسات في عقلية و ذهنية الشباب العربي?

نعم, إيجابياً أصبح هناك حسّ وطني ووعي سياسي لدى الشباب, وأفرز قناعاتٍ بأن لدى الشباب العربي قدرةً على التغيير والنضال نحو الأفضل, وهنا تحولت (الأنا) أوالذاتية لرؤية وتفكير كبيرين وبشكل أعمق لهموم الوطن ومصالحه.

وما كانت الثورات الوطنية الحقيقية في السودان والجزائر, إلا عبارة عن نهضة للوعي الثوري لدى الشباب العربي والمطالبة بالتغيير لوطن ديمقراطي يعترف بالآخر, ويهدف إلى تحقيق الحرية والسلام والعدالة المجتمعية.

 

مرة أخرى الثورة السورية أكدت للشباب العربي, أن الانتماء الوطني مهمّ و يمثل أحد أهمّ ركائز التطور والتنمية المستدامة, وأما الأجندات الخارجية فإنها تدمّر الوطن وتضيّع مكتسباته وتشوّه جغرافيته وبنيته المجتمعية, وأن التغيير لابد أن يكون عبر الحوار والمنطق, وأن حمل السلاح والانتماء  للإرهاب الطائفي  مدمّر للوطن ويجعله مفتوحاً أمام كل الأطماع الدولية, ويفقد فيه المواطن هويته عندما يصبح لاجئاً في بلاد أخرى. هكذا أصبحت الدروس والعِبَر من الثورة السورية لدى الشباب.

فالشباب العربي الذي لم يجد حظه و فرصته في أروقة السياسة, دفعت به طموحاته المكبوتة أن يلجأ للمجموعات الإرهابية أو التطرف الفكري أو السلوك غير المتّزن اجتماعياً, ولكنه استطاع أن يتغلب على نفسه ويتمرّد على كل ذلك وأن يخرج ليعبّرعن مطالبه العادلة في ثوراته أو حراكه أوانتفاضته, في بقع كثيرة من العالم العربي. وقد وجد في التكنولوجيا الحديثة وسيلة للتواصل بينهم في الحوار والنقد وتقبّل الآخر وتبادل وجهات النظر.

 

لقد انحصرت الثورة السورية كمفهوم للتغيير, فقط في مناطق الكرد, لأنها شملت كل مكونات تلك المناطق من المجتمع المدني والمنظمات وكافة الكيانات, وكانت ثورة ناجحة حيث خلقتْ أرضيةً لتلاحم جميع مكونات تلك المناطق في المطالبة بحقوقهم, وشكلوا قوة عسكرية لحماية مناطقهم من الإرهاب حتى انتصروا عليه.

و على العكس من ذلك, وجدنا المناطق الأخرى في سوريا حيث تجمّع الإرهاب من كل أنحاء العالم, لضرب وتدمير الدولة السورية في سيادتها وبنيتها التحتية واقتصادها, وتفكيك مجتمعها على أساس مذهبي, وهي تحمل أجندات خارجية غربية وصهيونية. إلا أن التفاف الشباب السوري حول قواته المسلحة وتمكنه من دحر الإرهاب بعد التأكد من أن التغيير يأتي من الداخل, حينها تغير الشباب السوري في وعيه وكسر حاجز الخوف والصمت والانكفاء حول ذاته, وتحول لإنسان فاعل وناشط و صاحب دور في هذه المرحلة وأيضاً في مرحلة ما بعد صياغة الدستور السوري الجديد, ليلعب دوراً مهماً في صياغة وبناء سوريا ديمقراطية متعددة الأفكار والرؤى والأحزاب.

أخيراً يمكن القول إن شباب الأمة العربية في ظل الحراك السوري الذي امتدّ ليشمل عقول كافة هؤلاء الشباب, وشكّل عندهم أمل التغيير والنظرة المتفائلة لمستقبل أفضل لشعوبهم وبلدانهم, قد كسر حاجز الصمت والخوف و النفسية المهزومة والتبعية للسلطة الحاكمة رفضاً للواقع وأملاً في التغيير.

 

كاتب

التعليقات مغلقة.