مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

أهمّ الصراعات الأثنيّة في الشرق الأوسط

عواس علي

عواس علي
عواس علي

ظهرت دراسات وأبحاث وكتب عديدة يدور فحواها حول تحاليل عن أسباب الصراع في الشرق الأوسط،

فالبعض يُرجِع سبب الصراع إلى الخيانات الشخصية المتمثلة في الحكومات، والبعض يعود بها إلى التدخلات

الغربية، والبعض يرى فيها التخلي عن السيف والرمح والابتعاد عن الدين، والبعض قال فيها عن الانقسامات

الخاطئة في الدين والقومية، فالعلويون هم نصيرية يجب أن يعودوا إلى رشدهم أو يتخلوا لأصحاب الحقوق،

والكرد هم في الأصل أتراك لذلك وجب عليهم أن يعودوا إلى أصولهم التركية ويتخلوا عن لغتهم الكردية

ويتعلموا التركية، لكن كان لبعض الباحثين العرب رأي مغاير، فالكرد هم عرب، وكذلك الشيعة خرجوا عن

أصول الإسلام الصحيحة ويجب عليهم العودة، ولكن الشيعة يرون في السنة خروجهم عن خلافة الإسلام

ويتوجب عليهم الاعتراف بخلافة الإمام علي، صراع دامي بين شعوب ضاقت بها الأرض.

ربما يعود السبب الأساس للصراع في الشرق الأوسط إلى أهمّيّة موقع الشرق الأوسط فقد أسند معظم المحللين

والباحثين تلك الصراعات الدامية إلى الموقع الجيوسياسي للشرق الأوسط، ولكن في هذا المضمار بالتحديد قد

يتبادر لأذهاننا سؤال: هل فعلاً سبب الصراع هو موقع الشرق الأوسط المهم وامتيازه بالثروات؟ إذ هنالك

مناطق ذات أهمّيّة تفوق الشرق الأوسط في أهمّيتها ولا نجد صراعاً فيها يماثل الصراع في الشرق الأوسط،

ربما نجانب الصواب إن قلنا إنّ كل ما قيل وأسند اليه الصراع من أسباب وتحاليل جلّها صاغها وأبدعها

الأوسطين بالاستناد إلى مبررات قالها باحثون غربيون، أو إسناد تلك الصراعات إلى أعداء الشرق الأوسط

والطامعين في ثرواته، وربما تعود الحقيقة إلى التخلّف الذي يسيطر على الدول التي يضمّها الشرق الأوسط،

فإن تمعّنا في عدد الدول التي يضمّها الشرق الأوسط الثمانية عشر دولة والتي تحتل الدول العربية النصيب

الأكبر منها بتعدادها الثلاث عشر دولة، نجد أن جميع الدول التي يضمّها الشرق الأوسط تكاد تتشابه في بنيتها

الديموغرافية والأثنيّة ذات تركيبة عشائرية قبلية وفي بعضها أسرية، ما زالت تبحث عن الجاه والوجاهة

وتتصارع على السلطة وتتوق إلى الاكتناز بسبب فقدانها الاستقرار الاجتماعي والسياسي يضاف إلى ذلك

الصراع القومي والديني الدائم بسبب التعصّب القومي والديني لتلك الحكومات التي تحكم الشرق الأوسط

والتي تمثل قومية معينة او طائفة أو فئة دينية ترفض الاعتراف بغيرها من القوميات أو الديانات، ولا تكتفي

بذلك بل تحاول أن تفرض قوميتها أو ديانتها على غيرها من القوميات أو الديانات وتحاول صهر تلك

التنوعات ضمن خاصيتها القومية أو الدينية ما يولد ردة فعل لدى تلك القوميات أو الفئات وهو عبارة عن

صراع وجودي يخلق فجوة مهلهلة في تلك الدول يسهل استغلالها من الطامعين أو المعادين.

نظرة عامة على الشرق الأوسط إبان الحرب الباردة:

وفيما تطور الدين الإسلام في بعض جوانبه الاجتماعية والسياسية نجده حُرِّف وأصبح في خدمة القومية أو

القبلية سواء القومية العربية أو ألفارسية أو العثمانية ناهيك عن القوميات الأخرى التي حكمت باسم الإسلام

وسخّرته لخدمة أغراض قومية أو قبلية.

ونستطيع أن نقول إنّ الشرق الأوسط برُمّته أضحى يدين بالدين الإسلامي، والضعف الذي حدث في الدين

الإسلامي جعل الخلخلة تلحق جميع الدول التي كانت تدين بالإسلام وخاصة في عهد سقوط الدول العظمة في

أوربا في الحقبة الأولى كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية لمع نجم كلٍّ من الولايات

المتحدة الأمريكية والاتّحاد السوفيتي، وبدأت الحرب الباردة بين الدولتين الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية

واتجهت أنظار الدولتين إلى الشرق الأوسط الذي خرج من الحرب العالمية الثانية منقسماً إلى دويلات مهلهلة

ورثت من الإمبراطورية العثمانية التخلف والتعصب، يقول الدكتور ممدوح محمود منصور في كتابه الصراع

الأمريكي ـ السوفيتي في الشرق الأوسط ” لم تبرز أهمّيّة منطقة الشرق الأوسط في التخطيط الاستراتيجي

والسياسي الأمريكي إلّا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين بدأت الولايات المتحدة تضطلع بممارسة

مسؤوليتها كدولة قطبية ذات مصالح كونية، وحين أخذت الحرب الباردة بين قطبي النسق الدولي تنتقل إلى

منطقة الشرق الأوسط”.

الحقيقة كان نصيب الاتّحاد السوفيتي من تلك الدول كحلفاء قليلاً وكان النصيب الأكبر للولايات المتحدة

الأمريكية التي استطاعت أن تكسب دول الخليج العربي إلى جانبها تحت ستار أن الاشتراكية تعادي الدين

والسلطة ألفردية الممثلة بالملوك والأمراء، حتى أنّ نشاط الأحزاب الشيوعيّة في دول الخليج العربي قارب

الصفر، ولم يكسب الاتحاد السوفيتي من الشرق الأوسط إلّا بعض الدول التي اتّخذت من النهج الاشتراكي

نظاماً لها، كسوريا بقيادة حزب البعث ومصر بقيادة حزب الوحدويين الاشتراكين العرب واليمن، وإلى جانبهم

تمّ فتح الساحة للأحزاب الشيوعية للعمل ضمن شروط تم فرضها على الاتحاد السوفيتي.

إنّ الولايات المتحدة التي راحت تراعي مصالح حلفائها، وتحاول أن تجعل من القانون الدولي سواء القانون

الإنساني أو القانون الدولي خادماً لحلفائها، لكنّها وجدت نفسها امام أزمة قناة السويس، والعدوان ألفرنسي

البريطاني على مصر في مأزق لا تحسد عليه فهي قبل فترة أدانت العدوان السوفيتي على المجر، وهي الآن

أمام عدوان لحلفائها على دولة لا تقل عن المجر، لذلك قال أيزنهاور مقولته الشهيرة ” يجب إيجاد قانون دولي

يطبق على الجميع على أعدائنا وحلفائنا”

وفي ذات الوقت تم تفعيل مبدأ أيزنهاور لمواجهة الامتداد السوفيتي في الشرق الأوسط حين وجدت الولايات

المتحدة نفسها في مأزق العدوان الثلاثي على مصر، فصرّح الرئيس الأمريكي بخطابه أمام الكونغرس

الأمريكي ” يحقّ لأيّ دولة أن تطلب الإمداد والقوة العسكرية من الولايات المتحدة إبّان أيّ عدوان عليها”

وبذلك حاولت استقطاب مصر بقيادة جمال عبد الناصر الذي تحوّل إلى زعيم عربي، وبذلك قوّضت موقف

الاتّحاد السوفيتي تجاه مصر، ونجد أنّ موقف الولايات المتحدة لم يتغيّر تجاه إسرائيل، لكنّها شنّت حملة إدانة

دولية فارغة المضمون لتبرير موقفها من العدوان الثلاثي، وفي ذات الوقت استطاعت أن تحافظ على علاقاتها

مع دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية.

أما في الجهة الشرقية من الشرق الأوسط حيث بلاد فارس كان يحكمها رضا شاه الذي لم يكُنّ الودّ للولايات

المتحدة، وحلفائها عبر تقديم الدعم لألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. ففي عام 1941 قامت الولايات

المتحدة بتقديم الدعم لمحمد رضا بهلوي ليقوم بانقلاب على والده رضا، ومكّنته في الحكم، وهو الذي لُقّب

بشرطي الخليج، وكذلك لعبت في إجراء انقلاب عسكري لصالح محمد رضا شاه على محمد مصدق الذي

تولى رئاسة الحكومة بالانتخاب في إيران عبر ما يدعى بالثورة البيضاء، فحدث الانقلاب بقيادة وإشراف

الاستخبارات الأمريكية والبريطانية عام 1953، وتمّ توطيد أركان حكم الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي،

وأضحت إيران تحكم بشكل غير مباشر من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي مكنت قواعدها العسكرية في

إيران على الحدود الشمالية في مواجهة الاتحاد السوفيتي.

أمّا من الجهة الشمالية للشرق الأوسط حيث تعتبر تركيا دولة استراتيجية في العالم عبر تحكمها بمضيق البحر

الابيض المتوسط المُفضي إلى شرق القارة الأوربية، بالإضافة إلى وقوعها على الحدود الجنوبية للاتحاد

السوفيتي القطب المناحر للولايات المتحدّة، وحلفائها استطاعت الولايات المتحدة من استجرار تركيا إلى حلقة

حلفائها عبر بناء علاقات وقواعد أمريكية في تركيا بقيادة كمال أتاتورك الذي اصبح الحليف الثاني للولايات

المتحدة بعد شاه إيران البهلوي، ولم ينل الاتحاد السوفيتي من الشرق المتوسط إلا بعض دويلات ضعيفة لم

يقدم لها الاتحاد السوفيتي غير الشعارات، ولو تمهنا في العلاقات الدولية لقطبي العالم الممثلان في الاتحاد

السوفيتي والولايات المتحدة نجد أنّ الاتحاد السوفيتي لم يقدم لحلفائه بالقدر الذي قدمته الولايات المتحدة

الأمريكية من قوى عسكرية واقتصادية، ومازالت تلك النظرة طاغية على العلاقات الدولية للدولتين ـ الولايات

المتحدة وروسيا “وريثة الاتحاد السوفيتي” بالمصداقية التي تتمتع بها علاقات الولايات المتحدة أكثر من

المصداقية التي تتمتع بها روسيا على الرغم من أنّ العلاقات الدولية لدولتين سيان فكلاهما يقوم على

المصلحة.

التركيبة الديموغرافية للشرق الأوسط

في الحقيقة يحتوي الشرق الأوسط على فسيفساء متنوعة من القوميات والديانات في تعدادها الكثير والقليل،

والمتمعن في الصراع القومي والديني في الشرق الأوسط يجده بلغ أوجه في عهد ظهور الإسلام الذي رفع

شعار ” الدين عند الله هو الإسلام” واتخذ من هذا الشعار استراتيجية للحروب التي توجب عليه القيام بها ضد

العالم كله تحت مسمى الجهاد في سبيل الله، واتخذ لها مسمى فتوحات، وكأن به يريد فتح أبواب أو مدن مغلقة

في وجه الله.

التركيبة القومية لشرق الأوسط

تأتي القومية العربية في تشكيلة الشرق الأوسط في المرتبة الأولى وتليها القومية ألفارسية ثم القومية التركية

والكردية واليهودية فالأرمنية فالشركسية، على الرغم من وجود اختلاف على اعتبار اليهودية ديناً أو قومية،

ولكن إن بحثنا في مسمى اليهودية نجدها ذات تركيبة لغوية خاصة بغضّ النظر عن الجانب الديني فهناك

عرب وكرد وشركس وفرس يدينون بالديانة اليهودية، ولا يهمنا الجانب القومي من إسرائيل بالقدر الديني أو

السياسي.

التركيبة الدينية للشرق الأوسط

في الحقيقة يصعب حصر التركيبة الدينية لشعوب الشرق الأوسط نجد هناك ديانات متفرقة وقديمة منها من

يتوغل إلى بداية ظهور الاديان على وجه البسيطة، وما زالت هناك طوائف تؤمن وتتبع تلك الديانات كالديانة

الزردشتية والصابئة والمندية واليزيدية، ناهيك عن الطوائف والمذاهب التي نبعت من رحم الإسلام كالمذهب

السني والمذهب الشيعي الذي ينقسم بدوره إلى عدد من المذاهب العلويين والبارسيين والاسماعيلية والاثني

عشريين والزيدية.

سنتطرق بشكل عام إلى أهمّ الصراعات في الشرق الأوسط، إذ أن هناك بعض الكتاب يقومون بدراسة

تفصيلية لكل جانب من جوانب الصراع في الشرق الأوسط سواء الصراع القومي أو الديني بشكل مفصل،

لذلك سنكتفي بألقاء نظرة عامة على أهمّ الصراعات في الشرق الأوسط منها الصراع:

1 ـ القومي

2ـ الصراع الديني

3 ـ الصراع السياسي

الصراع القومي في الشرق الأوسط

الحقيقة المرة نجدها في تاريخ الشرق الأوسط مطموسة ويبدو أن طمسها تم عنوة، فهناك شعوب عدة تمّت

إبادتها ومحو بلادها من خارطة الشرق الأوسط’ كالشعب الاشوري والكلداني والأرمني …إلخ

غالبا لم يسلم شعب من شعوب الشرق الأوسط من محاولة الإبادة وطمس الهوية، فممارسات الإمبراطورية

العثمانية على مرّ عدة قرون كانت تمارس وتحاول محو ثقافة الشعوب التي تقع تحت سيطرتها، وربما كان

أسوأ تلك الممارسات ما تمّت ممارسته بحق الشعب الأرمني تارة بحجة الكفر وعدم الدخول في الإسلام،

وتارّة بحجة أنّ الأرمن شعب كافر يقدّم العون للكفار من الروس، وقد مارس السلطان عبد الحميد العثماني

أبشع أنواع الإبادة والتشريد بحق الشعب الأرمني، حتى أنّه لم يُبقِ على أرمنيّ وأحد ضمن الأراضي التركيّة،

وجاء بعده كمال أتاتورك الذي سنّ قانوناً خاصّاً بالأرمن ومنع دخولهم في الأراضي التركيّة، تولّى من بعده

أحفاده في العمل على ذات القانون، ورأيت بأمّ عيني عام 1991 أشخاصاً أرمن في سورية يقومون بتغيير

كنيتهم ليتسنّى لهم الدخول إلى الأراضي التركية، فأغلب الكنايات الأرمنية تنتهي بياء وألف ونون كما هو ـ

دمرجيان أو كشكشيان أو سركسيان ـ حدث وأراد أحد الاشخاص من قبيلة شمر في التسعينيات من القرن

الماضي بالقيام بزيارة لتركيا وكانت كنيته عليان فمنعته السلطات التركيّة من دخول الأراضي التركيّة بحجّة

أنه من أصول أرمنيّة.

إن أهمّ صراع قومي ظهر في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وفي عهد تبلور الدولة القومية هو

الصراع الكردي مع دول قومية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر الصراع بداية مع تشكل الدولة

القومية في الشرق الأوسط وانقسام كردستان ـ بلاد الكرد ـ بين دول عدة في الشرق الأوسط بين إيران التي

كانت تسيطر على جزء من كردستان بموجب اتفاق بين الإمبراطورية الصفوية والعثمانية في اتفاقية قصر

شيرين عام 1939 وبموجب هذه المعادة تم ترسيم الحدود بين الدولتين التركية والإيرانية وتم اقتطاع جزء من

كردستان لتصبح تحت سيطرة الإمبراطورية الصفوية، على يد كمال أتاتورك علماً أنّ الصراع الكرديّ ذو

جذور عميقة في تاريخ الصراع القومي في الشرق الأوسط، لكنّه كان صراعاً ناعماً في عهد الإمبراطورية

العثمانية التي منحت الكرد بعض الحقوق في تشكيل إمارات متفرّقة تقع ضمن سلطة الإمبراطورية العثمانية

في العراق وتركيا، وكانت تستفيد من ذلك في الصراع مع الإمبراطورية الصفوية على حدودها الشرقية.

لكن الصراع الكردي تأجّج في عهد الدولة القومية التي بناها أتاتورك، وخاصة بعد خذلان الكرد من الوعود

في منحهم حقوقهم القومية كما خذلتهم الدول الأوربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، فقد وعدت الدول

الأوربية الكرد بتشكيل دولة قومية لهم بموجب مؤتمر الصلح عام 1918 الذي انعقد لتقسيم تركة

الإمبراطورية العثمانية وخسارتها في الحرب مع حليفتها ألمانيا، غير أنّ الدول الأوربية المنتصرة في الحرب

العالمية الأولى تملّصت من وعودها للوفد الكردي المشارك في المؤتمر وخاصة بريطانيا التي كانت تحضّ

الكرد على طلب الاستقلال عن الدولة التركية، وقد تعهد كمال أتاتورك لاحقاً عام 1920 في اتفاقية لوزان

الذي طلب من الوفد الكردي التحدّث في المؤتمر، لكن الوفد الكردي كانت مطالبه بموجب وعود أتاتورك

ورئيس الوفد عصمت إينينو فكانت كلمة الوفد الكردي حادة وطالب رئيس الوفد الكردي حسين عوني بأن هذه

البلاد للكرد والترك ومن حقهم وحدهم أن يحددوا مصيرها وأن الكرد لا يريدون الانفصال عن الدولة التركية،

بعدها اضطرت الوفود المؤتمرة عن شطب مطالب الكرد وعدم ذكرهم في أي بند يخصهم، لكن كمال أتاتورك

الذي ضمن دعم الغرب له والوقوف بجانبه قام بتأسيس الدولة التركية القومية 1923 فاتجهت أنظاره إلى

الكرد، وتملّص من وعوده لهم، في ذلك كانت ردت افعال الكرد ضد تركيا الكمالية في محاولة الانتفاضة في

وجه تركيا الكمالية، فكانت البداية بقيام ثورة دينية حاول قادتها توسيع ساحتها لتشمل أجزاء من كردستان في

سوريا، فكانت أبواب إيران الشاه شانية مغلقة تماماً في وجه الكرد وكذلك الكرد في الجزء الذي تم ّضمه إلى

العراق تحت سيطرة بريطانية التي حصلت على حصتها من اتفاقية سايكس بيكو، حاول الكرد في ذلك الجزء

الذي تحتله بريطانية مع العراق المشاركة في مؤتمر الصلح عام 1918 أراد محمود البرزنجي إرسال وفد

للمؤتمر لتمثيل الكرد، لكنّ السلطات البريطانية المستعمرة منعت الوفد من السفر والالتحاق بالمؤتمر، فحاول

الكرد بقيادة الشيخ سعيد بيران الانتفاضة في وجه الدولة التركية التي انقلبت عليهم بقيادة كمال أتاتورك، لكنها

كانت انتفاضة دينية لم تستقطب كل ألفئات والعشائر الكردية، وعلى إثرها قام أتاتورك بإصدار قانون تونجلي

الذي حاول بموجبه تهجير الكرد العلويين من ديرسم المكان العصيّ على القوات التركية، والعمل على

توطينهم في أراضٍ سهلة تسهل السيطرة عليهم، على إثرها اندلعت ثورة ديرسم التي راح ضحيتها ما يقارب

40 ألف كردي على يد القوات التركية وتم تهجير آلاف العائلات وحرق القرى واستباحة الاعراض.

الحقيقة كان فشل ثورة ديرسم له اثاره السلبية على الشعب الكردي من خلال ما رآه من مذابح ومجازر حتى

أن القيادات التركية صرحت على إثرها بأنها طمرت الشعب الكردي في ديرسم و صبت فوقه الإسمنت

المسلّح وهي ضامنة عدم ظهوره مرّة أخرى، ممّا جعل الشعب الكردي يائساً من أي محاولة للنهوض في وجه

الدولة التركيّة، استمر الحال على ما هو عليه حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي حين دبت بين المجتمع

التركي الأفكار اليسارية وخاصة بين الطلبة في الجامعات فتأثر بها الطلبة الكرد القادمون من الشرق حيث

الفقر والجهل المتفشي بين المجتمع الكردي، وكان ذلك بدراية ومعرفة من الحكومة التركيّة التي راحت تنعت

الكرد باسم اتراك الجبال، في تلك الفترة ظهرت مجموعة من الطلبة الكرد فأسسوا حزب العمال الكردستانيّ

الذي تزامنت ولادته مع الانقلابات العسكرية في تركيا، فكانت بداية صراع ثوري تبناه حزب العمال

الكردستانيّ، والحقيقة أنّ هذا الصراع أنهك الدولة التركية من الناحية الأمنية والاقتصادية وخلق شرخاً بين

المجتمع التركي والكردي، وجعل الدولة التركية في حالة رديئة اقتصاديّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً، واستمر الصراع

حتى عام 2010 حين قامت الحكومة التركية بقيادة الرئيس أردوغان بطرح عملية السلام بين الحكومة

التركيّة وحزب العمال الكردستانيّ، وكان انعكاس تلك العملية على العملية الأمنية والاقتصادية واضحاً وجليّاً،

لكن سرعان ما عاد الصراع في نهاية عام 2015 بين الحكومة التركيّة وحزب العمال الكردستانيّ، فقد بلغت

مصاريف الدولة التركيّة على ذلك الصراع ما يقارب 450 مليار دولار ومقتل أكثر من 40 ألفا.

ولابد من معرفة التجليات لذلك الصراع القومي بين الكرد والترك، فهو من ناحية يخلق مجتمع مهلهل ضمن

الدولة الواحدة ما يجعل المجتمع يفقد الأمان والاستقرار وبالتالي ينعكس ذلك بالدرجة الأولى على عملية

الإنتاج في الدولة والتصنيع وكذلك على عملية الاستيراد والتصدير والاستثمار، فمن المعلوم أنّ الشركات

الاستثمارية لا تقامر برؤوس أموالها في أماكن فيها نزاع، حتى أنّ التجار المحليين يقومون بإيداع أموالهم

خارج البنوك الوطنية، ما يضعف القيمة النقدية للعملة الوطنية، ناهيك عن السياحة التي تعتبر مورد للعملات

الصعبة بدون مقابل فهي تقل وتكاد تنعدم في أي دولة تشهد صراعاً عسكريّاً أو اجتماعيّاً.

ومن المعروف أنّ المواطن لو خير بين الحرية والأمان فسيختار الأمان مقابل الحرية فالمجتمع الذي يفتقد

الأمن لا يمكن أن نجد فيه حرية.

بالإضافة إلى تأثير ذلك على العلاقات الدولية بشكل مباشر، فعظم الدول التي تتحفظ على انضمام تركيا إلى

الاتحاد الأوربي تتخذ من قضية الكرد في تركيا وتعاملها ألفج والعنصري مع تلك القضية اسبابا من عدم

الموافقة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي.

كذلك معظم الدول تتعامل مع تركيا على حقيقتها التي تتظاهر بمظهر الديمقراطية وفي باطنها هي دولة

عنصرية وبالتالي تتجنب العلاقات التجارية معها.

كذلك الشرح الذي يحدث من جراء الصراع الكردي التركي يخلق مجتمع متشرذم وغير متماسك ما يسهل

عملية التدخل الدولي المباشر أو غير المباشر في الشؤون الداخلية للدولة عبر الوقوف إلى جانب قومية على

حساب القومية الأخرى.

كل تلك الاسباب تكمن في الصراع القومي ويمكن أن يقاس على جميع الدول التي تشهد صراعاً قوميّاً.

الصراع الديني

إنّ المتمعّن في الصراع الديني في الشرق الأوسط يكاد يرى في هذا الصراع صراعاً هزليّاً، فهو ينحصر

غالباً في المذاهب المنشطرة عن الإسلام وخاصة المذهب الشيعي والسني، فالشيعة يقولون بأن السنة هم

خارجون عن الشريعة الإسلامية، وبالتالي الشيعة هم الأصل، لكن السنّة يرون العكس تماما فهم على قناعة

تامة بأن الشيعة هم من خرج عن الملة وانشطر عن الشريعة الإسلامية، وحقيقة الصراع تعود إلى الصراع

بين الشيعة والسنّة حول أمر الخلافة من بعد وفاة الرسول الكريم (ص) فالشيعة يرون في أحقّيّة الخلافة من

بعد الرسول للإمام علي كرم الله وجهه، وأنّ الخلافة تم نزعها عنوة من الإمام علي بمؤامرة من قبل أمير

المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي بكر، والبقية في مؤامرة تدعى بيعة السقيفة، والحقيقة أن الصراع الشيعي

السني لا زال يُغزل على أساس تلك الخلافة، والخلاف مستمر حتى يومنا هذا، فالشيعة يطالبون بعودة الخلافة

إلى آل البيت الذين هم من سلالة الرسول الكريم من بناته، لكنّ السنة يرون في خلافة الرسول المتسلسلة من

الخلفاء الراشدين صحة لا لبس فيها، والباحث في هذا الخلاف يجد فيه استحالة الحل كونه خلاف على معضلة

ماضية لا يمكن العودة إليها، وإيجاد الحل لها.

إنّ المتمعن في هذا الأمر يرى العجائب والغراب في تشعّبات هذا الصراع، فكانت بدايته محصورة بين

القومية العربية، وسرعان ما تحول إلى صراع ديني سياسي بين القومية العربية والفارسية التي يدين السواد

الأعظم من تلك القومية بالمذهب الشيعي الذي أجبر الشعب الفارسي في الدخول فيه بحد السيف على يد

إسماعيل الصفوي، وبعدها بزغت من هذا المذهب مذاهب عدة فتحولت الدولة الإيرانية إلى نبراس للمذهب

الشيعي، فتحول الصراع المذهبي إلى صراع قومي’ فنجد الدولة الإيرانية تقاتل وتحارب وتتنازع مع جميع

الدول العربية المحيطة بها تحت ذريعة المذهب الشيعي وترى في ذلك الصراع صراعاً جهاديّاً باسم الإسلام

وإمام الإسلام المغدور به، وراحت الدولة الإيرانية تحاول لمّ شمل الشيعة في الدول المتفرقة على اساس

سياسي كما حصل في لبنان وحزب الله والسودان والعراق وتشكيل خلايا سرية في بقية الدول كما في المملكة

العربية السعودية والإمارات العربية والبحرين وقطر، فتحول الصراع من صراع ديني مذهبي إلى صراع

سياسي فتح الأبواب للتدخلات الخارجية أمام الدول الطامعة في عدم إيجاد الاستقرار والأمان في الشرق

الأوسط في الإبقاء على ذلك الصراع وتنشيطه في كل مرة، فالصراع في العراق كانت بدايته صراعاً بين

الشيعة والسنة، فصدام حسين الذي يمثل السنة كان بعبعاً يقف في وجه الشيعة ويحاربهم على الملأ، وهم

بدورهم كانوا موالين لإيران التي يرون فيها شعلة للمذهب الشيعي، وراحت إيران تنظم وتحرض الشيعة في

بلد لا تجد فيه الموالاة السياسية لنظامها السياسي الذي ترى في خلافة الدولة الإسلامية التي يجب أن تقتاد بها

بقية الدول المسلمة، ما خلق في تلك الدول صراعات مذهبية سياسية أدّت إلى عدم الاستقرار وانعدام الأمان،

وحقيقة الصراع هو عبارة عن صراع جيوسياسي يخفي أطماع سيادة دولية على بقية الدول، فتحوّلت ورقة

الخلاف الشيعي السني في الشرق الأوسط إلى صراع سياسي بين المملكة العربية السعودية الداعمة للمذهب

السنّي وإيران الداعمة للمذهب الشيعي، فتحوّل الصراع من صراع إقليمي إلى صراع دولي، لكل صراع

قطبه الداعم من الدول العظمى فنجد دولاً أضحت ساحة صراع مذهبي كما هو عليه العراق وسورية،

فالصراع في سورية ينتهج شقين الشق الأول هو الصراع الأساسي الذي يتمحور حول الصراع العلوي السني

الذي سمح لبعض الدول الإقليمية بالتدخل، والاستفادة من هذا الصراع لتحقيق مصالح بعض الدول الإقليمية،

فتركيا التي تجد في نفسها الوريث الشرعي للخلافة الإسلامية وقفت مع السنة ضد العلويين الممثلين في النظام

الحاكم في سورية ونجد إيران وقفت مع العلوين في سورية ضد الأحداث السورية التي بدأت على شكل

مطالب سياسية شعبية، لكنها سرعان ما خرجت من مسارها الحقيقي وتحولت إلى صراع ديني مذهبي

تتلاعب به رياح المصالح الدولية والاقليمية، والغريب في الأمر أنّ هذا الصراع يحاول أن يطمر حقيقته تحت

ذرائع متعددة منها ذريعة الصراع الكردي العربي في سورية، وحقيقة الأمر لا يوجد صراع عربي كردي في

سورية بالمعنى الحقيقي، فمطالب الكرد في سورية لم تتعدَ المطالب السياسية ولم تطالب بتشكيل دولة كردية،

فنجد العزف على هذا الوتر مستمراً، من قبل أطراف دولية عدة لتحويل الصراع من صراع مذهبي ديني إلى

صراع قومي يُسهّل الطريق أمام دول ذات أطماع استعمارية في سورية، وكذلك العراق، فإيران وجدت لها

ساحة خالية وواسعة لتنشيط الصراع السني الشيعي في العراق، ووجدت في العراق بوابةً للعبور إلى دول

الجوار، وتنشيط ذلك الصراع كما في لبنان التي تحكم بشكل فعليّ من قبل المذهب الشيعي المتمثل في حزب

الله الذي يداري المصالح الإيرانية بشكل علني أكثر من المصالح اللبنانية، فتشكلت لدينا فئة في داخل بلدان

الشرق الأوسط هي فئة ذات طابع مذهبي بعيدة كل البعد عن الوطنية، فالشيعة في لبنان ارتباطهم بإيران أكبر

من ارتباطهم بالإسلام وبالدولة اللبنانية وكذلك في العراق وبقية الدول التي تحتوي على الصرعات المذهبية،

والكل يعلم بأن الشعب الإيراني يموت جوعا بينما حكومة الشيعة تصرف مليارات الدولارات على صراعها

مع السنة في الدول الاقليمية لخلق مجتمع مهلهل ليس له ولاء لوطنه بل ولاؤه لمذهبه الشيعي والدول الرائدة

لذلك المذهب.

الحقيقة إنّ الصراع القومي أو السياسي يمكن إيجاد الحل له على المدى القريب، لكنّ الصراع الديني

والمذهبي، يصعب إيجاد الحلول له كونه يتعلق بوعي المجتمع وعقيدته خاصة في الظروف الدولية التي تبحث

عن أي ثغرة لتعبر منها إلى داخل تلك الدول وتؤجّج الصراع لتحقيق مصالح خاصة بدول على حساب دول

أخرى.

الصراع السياسي

ربما يعتبر أهمّ صراع سياسي في تاريخ الشرق الأوسط هو الصراع العربي الإسرائيلي، فقد شهد هذا

الصراع حروباً عديدة بين دول عربية وإسرائيل كانت الدول العربية الطرف الخاسر فيها.

وربما إن عدنا إلى التاريخ نجد أن اقتراحات عدة تم تقديمها لحل هذا النزاع لكن الأطراف الدولية لم تؤيد هذه

الحلول، وربما يأتي أحدهم ويقول لأن الشعب الفلسطيني دائما كان الخاسر في هذه الحلول، لكن الحقيقة غير

ذلك فالشعب الإسرائيلي ليس أفضل حالاً من الفلسطيني، فالحرب هي الحرب بالنسبة للمنتصر والخاسر.

فالفلسطيني يشعر بعدم الأمان كذلك الإسرائيليّ، فلابد من وضع حل جذري لتلك المعضلة، فالحل الذي قدم

عام 1947 من قبل الأمم المتحدة بموجب القرار 194 والذي يتضمن تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين

والإسرائيليين يقتضي منح الإسرائيليين مساحة تقارب 55 بالمئة من مساحة فلسطين لكن الهيئة العليا العربية

رفضت هذا الحل وبعدها جاء القرار رقم 242 عام 1967 والذي اقترح التقسيم أيضاً، لكن التطبيع المصري

عام 1982 وتلاه الأردني عام 1988 جعل المنظمات الفلسطينية في موقف ضعيف حيث عادت عام 1994،

وتمّ التفاوض على القرار رقم 242 القاضي بمنح الفلسطينيين مساحة تقارب على 22 بالمئة من مساحة

فلسطين، ودخلت ضمن المفاوضات السوريّة لاسترجاع الجولان مقابل السلام مع إسرائيل، ومن المؤسف أنّ

جميع الحكومات العربية دخلت في عقد سلام دائم مع إسرائيل، وتم الاعتراف بإسرائيل كدولة ولم يبق في

ساحة الصراع إلا الفلسطينيون وحدهم مع بقية دول لا حول ولا قوة لها، ونجد أنّ اتفاقية أوسلو لم تنجح حتّى؛

بسبب الصراع الذي تبنته حركة حماس الإسلامية التي تتبنى المقاومة والحركة المسلحة لتحرير فلسطين،

وهي حركة ذات أصول إسلامية تأسست بنهج الإخوان المسلمين، وتحوّلت إلى منظمة مدعومة من قبل دول

تبحث لها عن مصالح مع إسرائيل، كما هي عليه تركيا وإيران، فتركيا تقدم الدعم لحركة حماس حين تشعر

بضائقة من قبل الإسرائيليين، وكذلك إيران وجدت في حركة حماس ما يجعلها ورقة رابحة بيدها لمحاربة

إسرائيل، والحقيقة أنّ معظم الحكومات العربية وجدت في القضية ألفلسطينية شماعة تشجب عليها ما ترى

تحقيقه في الداخل ضد شعوبها، فجميع المعارضات العربية في جميع الدول العربية تهمتها التعامل مع

الصهيونية المتمثلة في إسرائيل.

ومهما طال الصراع أو قصر فلابُدّ أن نعلم بأن جميع الأطراف ستجتمع على طاولة واحدة سواء كان الصراع

قوميّاً أو سياسيّاً إلا أنّ الصراع الديني لا يفيد معه إلا الوعي المجتمعي، فالصراع السياسي على الأغلب هو

صراع سلطات بين دول وكذلك الصراع القومي هو صراع بين أحزاب وسلطات، ويمكن إيجاد الحلول لتلك

الصراعات بسهولة، لكنّ الصراع الديني يعتبر صراعاً عقائديّاً يصعب حله دون وعي شعبي ومجتمعي يعي

معنى العقيدة والدين والعبادة وكل تلك الصراعات في النهاية تتطلب إرادة دولية تتفق على وضع حد ملزم

لتلك الصراعات وربما الإرادة الدولية هي من لا تريد وضع الحلول والإبقاء على الصراع مستمراً لتحقيق

مصالح مادية، ففي النتيجة تعتبر الدول المحتوية على الصراع هي عبارة عن سوق استثمار وسوق تصريف

لتلك الدول العظمى.

تداعيات تلك الصراعات على الشرق الأوسط

تلك الصراعات لابد لها من تداعيات على الشرق الأوسط فالتقارب الحضاري والثقافي بين دول الشرق

الأوسط يجعلها مهيأة لعقد تحالفات قوية بينها لكن تلك الصراعات جعلتها دول متباعدة بين بعضها البعض

ومتصارعة، ويضاف على ذلك أنّ تلك الدول باتت تحتوي على مجتمع مهلهل، ومتفكك ذي بنية اجتماعية

متصارعة فيما بينها، بالإضافة إلى خلق مجتمع لا وطني ولاؤه لمذهبه أو قوميته قبل وطنه، ما يسهل دخول

دول الجوار إلى تلك الصراعات واستغلالها لتحقيق مصالح دولية ويضاف إلى كل ذلك إضعاف الدولة من

ناحية الإنتاج والتصنيع والانشغال بالصراعات وفقدان الأمان والاستقرار في تلك الدول وبالتالي تحويل تلك

الدول إلى سوق لتصريف السلاح والبضائع للدول المستفيدة.

كاتب

التعليقات مغلقة.