مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

المرأة في فكر عبد الله أوجالان

المرأة في فكر عبد الله أوجالان

روشن مسلم

يستعرض المفكر والمناضل “عبد الله أوجالان” في مرافعته الخامسة من ضمن (مانيفستو الحضارة الديمقراطية) المسمّاة (الـقـضـيـــة الـكـرديـــة وحل الأمة الديمقراطية “دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكَّي الإبادة الثقافية”) يستعرض عدداً من القضايا السياسية والاجتماعية، في الشرق الأوسط مُركزاً في ذلك على القضية الكردية.

يقول المفكر “عبد الله أوجالان” في مقدمة مرافعته: “علينا ألّا نستغرب أو نعجب من ممارسات الأنظمة الشوفينية القومية المتسلطة على رقاب الشعوب منذ أكثر من مئة عام تقريباً، التي تسند سياستها إلى التهجير والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي، على خلفية عنصرية، مُحاولةً إبادة شعب من أقدم شعوب منطقة ما بين النهرين، من خلال اتفاقيات ومعاهدات، بين الأنظمة الأوروبية الرأسمالية المستحدثة، لتدخل المنطقة في صراعات لا نهاية لها، لتعكس حجم الاحتقان المتراكم والمكبوت تاريخياً.”

“عبد الله أوجالان” المولد سنة 1949م، في قرية أمارا التابعة لمدينة رها (أورفا)؛ جنوب شرق تركيا، صاحب المرافعات الخامس الرائدة في اتحاد الأمم الديمقراطية، والتي قدمها إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبورغ- فرنسا، سعياً فيها لتسجيل آرائه على صفحات التاريخ، وكيف باتت قرارات الأنظمة الأوروبية الرأسمالية أمام إبادة ثقافية في عصر الحداثة.

خصص المفكر “عبد الله أوجالان” الفصل الأول من المجلد عن الإطار النظري للسلطة المهيمنة المركزية، والسلطة والإدارة الديمقراطية، والأمة الديمقراطية، والاشتراكية والرأسمالية.

عن المرأة 

اختصّ السيّد أوجالان المرأة في قسم خاص في كتابه بعنوان (الحياة الندّيّة الحرّة). حيث يقول: “نحن بصدد الكتابة عن الحياة الندّيّة الحرّة، ثمة حاجة مهمة؛ أوّل كل شيء وهو تعريف مصطلح الحياة الندّيّة الحرّة، لأنّه يتحدث عن كل امرأة أين ما كانت، عابرة للزمان والمكان، فهو يلامس عمق أعماق المرأة، ويجعل الحياة الحرة مع المرأة ضرورة اضطرارية. لكي نفهم أكثر كيفية العيش المشترك بين الرجل والمرأة، بعيداً عن التقييد والتبعية، واستلزام تطوير القيم البنيوية الجنسوية الاجتماعية في جميع مجالات الذهنية المؤسساتية، حيث توُطد فيها المساواة الاجتماعية.

وبناءً على هذه المعايير، وفيما يتعلق بالعلاقة الزوجية يعرض علينا المفكر “عبد الله أوجالان”، في الصفحة 64 من كتابه عن أساس عبودية المرأة، قائلاً: “فلدى قيام مؤسسة الزواج- المفروضة على المرأة في المجتمع الهرمي، ومجتمع المدينة بمنوال أحادي الجانب- بإنشاء حاكمية الرجل متعددة الجوانب، يكون بذلك قد رصفت أرضية مؤسسة عبودية وتبعية خاصةٍ بالمجتمع البشري، وربما لم يشهدها أي كان كائن حي آخر في الطبيعة”.

فهو بذلك يوضح لنا مجموعة من العوامل والأسباب المؤثرة في الواقع المعني بوضع عبودية المرأة المتأسسة على ذلك الاساس، والمجتمع العبودي الذي أهمل أهم عنصر في المجتمع وهو المرأة، وهذا يفسر برأي سبب فشل أي مشروع ديمقراطية ضدّ الدولة القومية التي تنبذ المساواة، والقيم الوجودية للفرد الساعي وراء الحرية الوطنية ببعدها الكامل التي تهدف إلى إقامة دولة متعددة الثقافات.

فانطلاقاً من هذه القيم يبدأ المفكر “عبد الله أوجالان” بدراسة وتحليل شخصية المرأة ضد العبودية والاستغلال والأنظمة القمعية المتسلطة، المرافقة لحياتها منذ آلاف السنين التي طعُمت حياتها ورسمت ملامحها، والذي برز فيه كهدر حقيق لقيمة المرأة، كهدر سلب منها إنسانيتها والاحترام الجديرة بها.

واقع مرير

وهنا يبرز المفكر “عبد الله أوجالان” رأيه في الصفحة 65 من كتابه، فيقول: “التركيز على ظاهرة المرأة، وإسناد أنشطة الحرية والمساواة إلى حقيقة المرأة لدى الشروع بتحليل القضايا الاجتماعية، ينبغي ان يكون أسلوباً بحثياً رئيساً من جهة، وأرضية للجهود العلمية والأخلاقية والجمالية المبدئية من جهة ثانية. ذلك أن أسلوب البحث الذي تغيب فيه حقيقة المرأة، وكفاح الحرية والمساواة الذي لا يتخذ من المرأة محور له، لن يقدرا على بلوغ الحقيقة، ولا على نيل الحرية وتوطيد المساواة”.

الحياة الندّيّة الحرّة من المحاور العصية على الشرح، لأنّ كلّ فكرة أو جملة فيها هي تجسيد حقيقي لواقع كل امرأة، وهي حل لكل امرأة مقهورة في هذا العالم، هي دارسة تحليلة للحياة التشاركيّة بين الرجل والمرأة، وفيها يعرض المفكر “عبد الله أوجالان” مجموعة من النظريات التي تعرف المرأة، وإمكانية ورود تعريف الرجل أيضا، والتي انتهت بنتيجة مفادها أنّها محال علينا صياغة تعريف صحيح للمرأة والحياة انطلاقاً من الرجل. وإلى أنّ الوجود الطبيعي للمرأة يتحلّى بمنزلة محوريّة أكثر.

 

عداء الحياة

كما يوضح لنا المفكر “عبد الله أوجالان” سبب هيمنة المجتمع الذكوري إلى الحط من شأن المرأة وتهميش دورها إلى أقصى الحدود، وإقصاء دور المرأة الاجتماعي إلى آخر درجة. هنا يبرز المفكر “عبد الله أوجالان” حقيقة أمر الرجل فيوضح ذلك في الصفحة 66 “يهجم الرجل بتعسف وجُور وبقوته المبيدة على الحياة متجسّدة في المرأة. وعداء الرجل للحياة وإفنائه إياها بوصفه مسيطراً اجتماعياً، إنّما هو على علاقة كثيبة مع الواقع الاجتماعي الذي عاشه”.

إن السيطرة التي تفرض أساساً وغالباً من خلال  المجتمع الذكوري المهيمن يمكننا أن نجد هذا النمط من العلاقة، في كل مفاصل سيطرة الدولة أي من أعلى قمة هرم إلى ادنها، من الحاكم المستبد الى أعوانه ووزراءه، ومن هؤلاء إلى أقل منهم رتبة، ومنهم إلى غالبية الشعب والمواطنين، وبين المواطنين من الرجل الأقوى الى الأضعف تجاه الإنسان العادي تجاه الإنسان الذي يراجع في مؤسسات دولة ما وصولاً إلى الإنسان البسيط الذي يتبع هذه السلسلة من العلاقات سوءاً من الرجل  إلى زوجته وأولاده، لتصبح اللغة السائدة هي لغة التسلط والعنف والعبودية.

وايماناً بحقيقة المرأة وتدفق دورها في الحياة يعرض علينا المفكر “عبد الله أوجالان” في الصفحة 66 تشبيه المرأة بالطاقة، فيقول: “بوسعنا اتّخاذ قرينة الطاقة- المادة أساساً، لدى تصييرنا هذا الحكم عالمياً. الطاقة أساسية أكثر نسبة إلى المادة. والمادّة بذاتها طاقة متحوّلة إلى بنية. أي أنّ المادّة هي شكل إخفاء الطاقة وإكسابها وجوداً ملموساً. بالتالي، فهي بخاصيتها هذه تحبس الطاقة في قفص، وتوقف تدفقها. لكل شكل مادي حصّة مختلفة من الطاقة. وبالأصل، فهذا الاختلاف في الطاقة هو الذي يحدد اختلاف وتباين الأشكال والبنى المادية. الطاقة الموجودة في شكل المرأة ومادتها تختلف عن تلك التي في مادة الرجل. ذلك أن الطاقة المنقولة إلى المرأة أكثر كماً ومختلفة نوعاً على حد سواء. وينبع هذا الاختلاف من شكل المرأة. عندما تتحول طاقة الرجل في الطبيعة الاجتماعية إلى أجهزة السلطة، فإنّها تتّخذ لنفسها الأشكال المادية الملموسة. والأشكال العصبية في الكون برمته، بوصفها طاقة متجمدة. لذا، فالتحول إلى رجل مسيطر في المجتمع، يعني التحول إلى تجسيد عيني للسلطة.

وفي هذه الحالة ما تكون الطاقة اكتسبت شكلا عينياً. وقليلة هي الطاقة غير المتحولة إلى شكل ملموس. حيث تحافظ طاقتها على حالتها المتدفقة. وتستمر في تدفقها كطاقة حياة، في حال لم تحبس في شكل الرجل وقفصه. والجمالية والشاعرية وطاقة المعنى الكامنة وغير المجمدة لدى المرأة، هي ذات صلة وثيقة مع هذه الحالة السائدة من الطاقة. ولأجل فهم هذه الحقيقة، يتوجب إدراك الحياة الحية بكل أعماقها.

أمّا من الناحية الفلسفية يعرض علينا المفكر “عبد الله أوجالان” باختصار، حقيقة المرأة بحيث يوصلنا إلى نتيجة يستوجب عقد أواصر الحياة القيمة مع المرأة بكل مميزاتها التي تعطيها قيمة الحسنة، وانطلاقاً من هذا الحكم فهو يستعرض في الصفحة 69 ما يلي: “ما من معان جادة في فلسفة الحياة المرتكزة إلى التكاثر عبر المرأة. لقد حملت المرأة الولود بمعاني خاصة في المجتمع الطبقي، انطلاقاً من ظواهر كالميراث والقوة. وهي معانٍ معنية بالقمع والاستغلال، وسلبية وعلى حساب المرأة. أي أنّ المرأة التي تنجب كثيراً هي التي تموت باكراً. من هنا، فالحياة نفيسة جداً مع المرأة التي لا تنجب أبداً، ما دام ثمة مشكلة كزيادة السكان عموماً بالنسبة للنوع البشري”.

بعد ذلك يقول المفكر “عبد الله أوجالان” ببحث مسهب بوضوح من خلال تعريف التطور الطبيعي للحياة ويبدأ بعدة أسئلة، عن غاية الحياة. لماذا نعيش؟ لماذا تواصل الحياة نفسها وتغذيها وتصونها؟

ثمّ يطرح جواباً بديهياً غير كافٍ، وذلك بقوله: إن المأكل والمأمن والتكاثر لأجل الحياة ليس جواباً كافياً. ثم يطرح سؤالاً آخر وهو: لماذا نتكاثر ونتغدى ونحمي أنفسنا؟ وعند الجواب: كيف نعيش؟

ولأجل الجواب شرح المفكر “عبد الله أوجالان”، كيفية العيش من خلال التطور الطبيعي للكون.

وقد بين ذلك في الصفحة 67 (فالتطور الطبيعي للكون، والذي يبلغ منزلة الانسان، إنما يبسط للعيان قوة معنى متنامية ومزدهرة دون انقطاع. وكأن الواقع الخفي أو الكموني المستتر في الكون، يروم إلى بلوغ نتيجة أقرب ما تكون إلى الانكشاف والتجلي والفهم المتبادل. الحاجة إلى الفهم المتبادل محرض ومحفز أساسي على التطور الطبيعي).

ثمّ وجد من الآن وصاعداً وجوب طرح سؤال آخر وهو يتعلق بالفهم المتبادل ذاته، فطرح السؤال التالي: ما هو الشي المراد فهمه وإفهامه؟ هنا استشهد بالآية القرآنية: “ومن آياته خلق السموات والأرض”، ثم وصل إلى نتيجة وهي أنّها جوابٌ غير كافٍ لسؤالنا، ثم عرض النتيجة في المعنى التالي: (الحاجة إلى التعريف بالذات لا تكفي تماماً لتعريف المعنى، لكن وكأنها تُفشي جزئياً بسرها في الحياة).

كذلك طرح المفكر “عبد الله أوجالان” تعريف الروح المطلقة من خلال نظرية هيغل للروح المطلقة للتعريف بذاته، أي الروح والعقل، أو الفكرة المطلقة، أو روح العالم.

ثمّ استعرض نتيجة التطابق بين غاية الحياة والمعنى، والتي أستعرضها في تساؤلاته الهامة التي ذكرها، إلى أن وصل إلى عدم إمكانية الردّ التام على الأسئلة مادام كنا بشراً.

وانتهى إلى تعريف المرأة وبرأيه ومن المنظور الفلسفي، إلى ضرورة عقد أواصر الحياة القيمةِ مع المرأة بكل إيجابياتها.

الحياة التشاركية 

يطرح المفكر “عبد الله أوجالان” بإيجاز ما يلزم تحقيقه بشأن المرأة، ببحث مسهب يوضح من خلالها الملامح النفسية والذهنية للحياة التشاركية بين الرجل والمرأة مثل (شروع المرأة بمشاركة الرجل في ممارسة الجنس، تتطور المرأة نمط حراكها قبل البدء بالزواج، استيعاب المرأة للهدف الرأسمالية الأساسي وهو تصيرها عبدةً عصريًة، إصرار المرأة على البقاء حر أو تحمل النتائج نمط عقدة النقص، ومشاعر الدونية والعجز الذي تعيشها والتي تسلبها القوة والقدرة، وتسلبها الثقة بنفسها.

وكذلك يتناول المفكر “عبد الله أوجالان” ما يلزم على الرجل فعله، ويحلل بشكل عجيب وواقعي عقلية الرجل المهيمن على المرأة، وتشابك الواعي مع اللا واعي وأثرهما على حياة المرأة، ويعيد توازن العلاقة بين الرجل والمرأة، وذلك من خلال مايلي: (علم الرجل بتعرض المرأة لشتى أنواع العبودية طيلة تاريخ المدينة المعمرة خمس آلاف من السنين، على الرجل المندرج في زواج الشراكة الإدراك أنه معرّض لتأثير العبودية بقدر المرأة على الأقل، على الرجل خوض الصراع مع النفس دوماً وبمنوال موفق تجاه تسليط الحداثة الرأسمالية لثقافة الجنسوية المغوية والمغرية، نضال الرجل الحر ضروري بقدر ضرورة نضال المرأة الحرة بأقل تقدير).

يبقى أن نشير في النهاية إلى موضوع مهم جداً ركز عليه المفكر “عبد الله أوجالان” وهي عدم تمكننا من عيشنا الحياة التي هدمتها الحداثة الرأسمالية، ولا مشاطرتها، إلا بحياة الشراكة الندّيّة الحرّة، وبشخصيتها الاشتراكية وكفاحها الاجتماعي.

فقدان الكرامة

فالمرأة في منظوري، تعيش في عالم فقدان الكرامة الإنسانية بمختلف مجالات الحياة، عالم تتحوّل فيه المرأة إلى مجرد شيء مجرد أداة أو وسيلة إلى مجرد عدد مهمش لا قيمة ذاتية له، وان وجدت تكون بخسة جداً، فهي بالنهاية تكون نتيجة لمجموعة قوى قمعية متسلطة، تمارس كل أنواع التسلط على الإنسان لثقافتهم المختلفة، ولممارستهم القمعية. وبذلك تتكون شبكة قمعية للسيطرة والرضوخ والتبعية، التي تفرض أساساً وغالباً العنف، ويمكن أن نلاحظ تلك العلاقة في كل مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية وعلى أعلى المستويات، مثلما الحال في سلطة الدولة القومية المهيمنة.

فمنذ أن تولد الأنثى وهي محرومة من أبسط حقوقها الطبيعة، لا تملك مصيرها، لا تملك حريتها، لا تستطيع أن تعيش حياتها كما تريد، كما تحب، فضلاً عن أنّها غير مستقلّة مادّيّاً، وكأنها لم تولد لذاتها ولتعيش لنفسها، وإنما لتكون في خدمة السلطة المهيمنة ذات الحاكمية الذكورية، ثم إنّها معرضة دائمة لكثير من الأخطاء، فهي معرضة للأمية، ومعرّضة للجهل وسوء التغذية وفقدان فرص العمل وصعوبة الحياة باستقلالية، ولقسوة الذهنية الذكورية القمعية بكل ظواهرها دون أن تكون لها أي حماية تذكر، لذلك تقف المرأة في المجتمع المتسلط عاجزة مستلمة، واذا أردنا ان نعي الشلل المجتمعي الذي نعيشه سوف نرى إنه تم استهداف المرأة وقمعها الممنهج والترهيب، والذي تمارسها السلطة الذكورية المتحكمة في هذا المجتمع على شكل عنف، سوى كان علنياً أو ضمنيّاً، خالقة بالتالي نموذجاً عامّاً من العلاقة يحكمها التسلط والرضوخ، وبذلك تتكون الشبكة الاجتماعية للتسلط، فهناك دائماً علاقة سيطرة من طرف، ورضوخ وتبعيّة من طرف آخر، هذه السيطرة التي تفرض أساساً وغالباً، من خلال  تسلط وقمع الدول القومية الخاضعة لهيمنة وحداثة الدول الرأسمالية.

ومن الواضح في النهاية أنّ قضية المرأة التي اهتم بها المفكر “عبد الله أوجالان” جاءت في سياق التطوّرات الاجتماعية والسياسية، وأيضاً في إطار السياق التاريخي للمنطقة وللكرد. وبدا أنّ قضية تحرّر المرأة مرتبط بتحرّر الرجل والوطن وفي إطار حلّ المشكلة القومية للكرد، نظراً للارتباط العضوي بين القضيّتَين.

كاتب

التعليقات مغلقة.