مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

لمحة عن تاريخ سوريا

لمحة عن تاريخ سوريا

عواس علي
عواس علي

يمتد التاريخ السوري إلى أعماق غائرة عبر صراعات مستدامة على هذه البقعة الجغرافية, وكل الظن أنّ الموقع الجغرافي لهذه الأرض، وما تتمتع به من خيرات وإستراتيجية, كان هو سبب الصراع بين شعوب هذه المنطقة.

تعود أولى أسباب تلك الصراعات إلى وفرة المياه وكثرة الأنهار, بداية من نهر دجلة في الشرق والخابور والبليخ والفرات والعاصي وصولاً إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط, فكانت موطناً لحضارات متتالية أقيمت على هذه الأرض, عبر صراعات لم تهدأ, وأكدت الاكتشافات الأثرية في تل مريبط بالقرب من ناحية الجرنية على الحياة الزراعية التي بدأت هناك في عام 100,000 ق.م, وقد أطلقت عليها “الثقافة الخيامية” حيث تمّ العثور على المغاور والبيوت المستديرة, ورؤوس الرماح والفؤوس الحجرية، والأواني الفخارية المعدّة للطبخ, وقد تمّ كلّ ذلك من خلال العثور طبقات متراكمة في التل، حيث أنّ كل طبقة تمثل مرحلة تاريخية, أي بداية الصيد في هذه المنطقة والطهو, ويعتقد العلماء أنّ الزراعة قد بدأت على ضفاف الفرات من خلال التلال المحيطة بالنهر من تل “مريبط”  شمال النهر وتل “أبو هريرة” غرب النهر, وتشير المكتشفات في تل (أبو هريرة)  إلى البدء بصناعة السلال من الزلّ (القصب)، وقد تمّ العثور على المغازل التي تدل على  البدء بصناعة النسيج, وعُثرت كذلك على المواقد المطلية بالجص المقاوم للحرارة, وكذلك التلال التي تنتشر من ضفاف الفرات شرقاً من جعدة المغارة بالقرب من جسر قرقوزاق، وتل أحمرإلى ضفاف نهر دجلة, وعُثرت على هياكل عظمية مدفونة تحت الغرف الدائرية المفصولة عن بعضها البعض بأزقة ضيقة.

و يُرجح العلماء تدجين الحيوانات إلى عام 9,800 ق . م حيث ترافق مع اكتشاف الزراعة التي ظهرت في وادي الفرات الشمالي باتجاه جبال طوروس.

ومن خلال هذا السرد البسيط للموقع التاريخي نجد أنّ هذا الموقع السوري الإستراتيجي قد جعلها تخضع للحضارة السومرية والإمبراطورية الأكادية 2400 ـ 2200 ق.م التي حكمت ما يقارب 200 عام, وكانت أول إمبراطورية ضمت قوميات عدة بداخلها, وامتدت من الخليج العربي في جنوب العراق حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط, سوريا ولبنان وحتى قبرص, بزعامة سرجون الأكادي الذي ظهر في عام 1350 ق. م, و يُعتبر أول إمبراطور استخدم المعادن في صناعات الأختام والتماثيل من الرصاص والنحاس, ونشطت التجارة في عهد الإمبراطور سرجون وكانت تبدأ من مدينة (لارسا) التي يُرجح أن تكون مدينة أكاد عاصمة الأكاديين, وهي تسلك الطريق المحاذي لنهر دجلة مروراً بحموكار وتل براك وتل خويرة (شرقي مدينة تل أبيض 30 كم) ثم تنحدر باتجاه الجنوب، بمحاذاة البليخ بالقرب من مدينة عين العروس في تل أبيض إلى مدينة توتول؛ (تل البيعة بالقرب من مدينة الرقة) الواقع بالقرب من التقاء نهر الخابور بنهر الفرات, ثم تتابع باتجاه الغرب بمحاذاة نهر الفرات مدينة (إيمار) بالقرب من مسكنة باتجاه الغرب, وتتفرع القافلة باتجاه الشرق حيث مملكة (ماري) على ضفة الفرات بالقرب من مدينة البو كمال.

ارتأينا دراسة تاريخ مملكة ماري كونه يمثل مرحلة من مراحل التاريخ السوري, سكنت مملكة ماري في مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد, و كانت صلة الوصل بين ممالك الغرب (إيبلا, تل مرديخ, سراقب جنوب غرب حلب ) و إيمار (مسكنة) وشرق بلاد ما بين الرافدين مملكة جاسور (كركوك), وكانت ترتبط بمراكز تجارية مهمة (تل عشارة) و (توتول) على ضفة الفرات بالقرب من الرقة, تمتاز مملكة ماري بموقعها التجاري على الطريق الواصل بين الشرق والغرب وكانت تفرض ما يماثل الضرائب الجمركية على البضائع التي تعبر من أراضيها, حتى احتلالها من قبل الأكاديين القادمين من الشمال, والذين احتلوا المدن والممالك التي تقع على خط سير حملتهم بقيادة (صرغون) 2340ـ 2284 ق. م,  وتولى حفيد صرغون “نارام” حكم ماري ـ 2260ـ 2223 ق. م, وسرعان ما انقلب الملك ميجر (الشكاكو) على الأكاديين واعتلى عرش ماري, واستمر حكم الشكاكو قروناً عدة  وبنوا علاقات طيبة مع جوارهم الأور وجمعتهم المصاهرة بتزويج ابنة الأمير الشكاكو للملك أورنامو, وتحولت ماري إلى إمارة تحت وصاية ملوك أورنامو. وبعد زمن ليس بالبعيد حدث انقلاب من قبل حلفاء أورنامو على الشكاكو واعتلى عرشها  بشكل مستقل الأورنامو, وأصبحت ماري مملكة بقيادة الملك خيتلال أور, واستمرّت أسرته في الحكم حتى قدوم الأموريين من جهة الغرب, واستولوا على مملكة ماري ومملكة ترقة (تل عشارة) واستمر حكم الأموريين حتى بداية القرن التاسع عشر, ووصل الأموريين بقيادة ملكهم “يخدن” إلى سواحل البحر المتوسط، وحصلوا على أخشاب الأرز والأمانوس من سواحل المتوسط لصناعة السفن, وهنا فرضوا ضرائب على الممالك الأكادية, وجعلها تابعة لمملكة ماري, وبعد سنوات من الحكم المزدهر تعرضت ماري لهجمات الآشوريين من الشرق, وتم السيطرة عليها وهرب ملكها “زمري ليم” إلى مملكة يمحاض (حلب), وبعد سنوات استعاد مملكته بمساعدة ملك حلب وطرد الآشوريين منها عام 1775 ق.م , و عاد الملك “زمري ليم” و وطّد علاقاته مع حمورابي, وبكثير من الدبلوماسية قام بتزويج بناته من جميع أمراء الممالك في الشمال ليضمن تحالفاتهم معه, لكن حمورابي لم يأمن جانب زمري ليم وهاجمه وانتصر عليه مع حلفائه عام 1760ق. م.

توسعت رقعة مملكة حمورابي من جديد حتى تخوم البحر الأبيض المتوسط, بعد  إحراق قصور ماري وتدميرها وتحولَ ساكنوها بعد أن هربوا إلى مملكة (تل عشارة), وتم العثور على بعض الآثار التي تدل على عودة ساكنيها من جديد وسط الخراب و انقلبوا على الآشوريين بالتحالف مع الكلديين  القادمين من الشمال فحلّ الكلديون محلّ الآشوريين, واستمرت ماري في لهاثها حتى عهد الكلديين الطامحين في التوسع باتجاه الغرب, وسرعان ما ظهر في سوريا الكلديون الذين ظهروا بقوتهم على إثر سقوط نينوى عاصمة الآشوريين عام 539 ق.م, والكلديون غير الكلدو الوارد اسمهم في بعض الرسائل التي عثر عليها في حفريات شمال شرق سورية, فهؤلاء بنَوا حضارتهم في وقت مقارب للكلديين, وظهروا على ضفاف بحيرة في كردستان الشمالية وتعود تسميتهم إلى معبودهم “خلدي”, وبعض العلماء يردهم من حيث ديانتهم إلى أتباع زرادشت, وهم أول من بشّر بمولد المسيح عليه السلام وورد ذلك في الإنجيل الإغريقي,غير أن الكلديين بنى حضارتهم الملك “نبوخذ نصر” الذي رمّم مدينة بابل وعمّر باب عشتار وبنى حدائق بابل المعلقة, وشقّ الترع وتطورت الزراعة المروية في عهده, وبنى السدود, و امتدت و سادت حضارته حتى سواحل الفرات الغربية في العراق, وتم ربطها ببلاد ما بين النهرين في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد ثم تهدمت هذه الإمبراطوريات على يد الملك البابلي حمورابي الذي غزا سوريا في القرن السادس عشر قبل الميلاد, ليتصارع مع شعوب المنطقة الذين انتصروا عليه في نهاية الأمر وهدموا عاصمته بابل وحرقوها عام 1530 ق م, و تم القضاء على مملكة ماري بالقرب من الرقة التابعة للآشوريين وقاموا ببناء ممالك لهم (المملكة الميتية والحورية) وكان الفراعنة يطلقون على هذه الأقوام اسم (هورو) أي بلاد الهوريين, وهؤلاء انحدروا من جبال زاغروس باتجاه الجنوب في القرن الخامس عشر قبل الميلاد, والمؤرخون لا يفصلون بين الميتيين والحيثيين( اللوريين )( النسيين ) وسيطروا حتى القرن  الحادي عشر قبل الميلاد إلى جوار السومريين في العراق في الشرق ومن الغرب باتجاه السوباريين في رأس شمرا (أوغاريت) في اللاذقية.

كانت هذه الممالك ذات شهرة في الصناعات وهم أول من استخدموا العربة ذات العجلات التي تجرها الأحصنة ,وقد عُثر على كتاباتهم بالأحرف المسمارية والهيروغليفية, و تمتد ممالكهم على مساحة شاسعة حتى سواحل البحر الأبيض, وتم العثور على قصر يعود للمملكة الميتية  بالقرب من الموصل والحورية  في القرن الرابع عشر قبل الميلاد, و هناك وثائق تؤكد على الصراعات الدائرة فيما بينهم وبين الفراعنة  في مصر القديمة, ولم تتوقف هذه الصراعات إلا بعد عقد معاهدات سلام على إثر يأس الفراعنة من السيطرة على هذه الممالك, وتُوِّجت بعقد مصاهرات متتالية بين الميتيين و الحوريين والفراعنة, على إثر زواج الملك “أخناتون” من الأميرة الميتية “نفرتيتي” ابنة الملك الميتي “توشراتا” وكانت عاصمته رأس العين الحالية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد, ونقلت الأميرة بدورها ديانة الحوريين إلى مصر وهي ديانة عبادة الإله الواحد (آتون) قرص الشمس, ومن خلال البحث في نجد هذه الديانة انتشرت في بلاد مولد أبي الأنبياء عليه السلام (إبراهيم) بلاد ما بين النهرين, وتم ذكرها في القرآن الكريم على لسان إبراهيم عليه السلام, ويثبت التاريخ هذه العلاقة من خلال المكتشفات الأثرية, و من خلال مقال للدكتور أحمد خليل: (مقتطفات من رسائل ملوك ميتيين إلى فراعنة مصر) عُثر على لوحة حجرية مكتوبة في معبد “خنسو” الذي بناه رمسيس الثاني في معبد الكرنك, وتلك اللوحة تقصّ أحداث طلب أمير باكانتيا وهو من الميتيين طلباً من رمسيس الثاني بإرسال طبيب مصري لعلاج ابنته الصغرى “بتريش”, ونظراً للعلاقات الطيبة بين البلدين أرسل فرعون مصر طبيبه الخاص (تحوت حب) لعلاجها.

اتسعت المملكة الميتية (أو الميدية أو الميتانية) حتى أطراف فلسطين حيث شارك الميتيون في معركة تل مجدو لمناصرة الملك قادش ضد الفراعنة قبل المصاهرة بينهم وبين الفراعنة.

وتم بناء علاقات واسعة من حيث التجارة عبر الأنهار من عاصمة الميتيين “وشوكاني” مدينة رأس العين حالياً في سوريا, مع مملكة ماري على ضفة الفرات بالقرب من الرقة ومملكة إيمار على ضفة الفرات الغربية بالقرب من مسكنة, وذلك مع مملكة قرقاميش بالقرب من جرابلس حتى مملكة ونيّا على ضفة نهر العاصي الشرقية ومملكة تل المشيرفة على ضفة نهر العاصي الغربية, واستمرت هذه المملكة المنسية حتى انهيارها على يد المملكة الآشورية بقيادة “شلمنصر الأول” في معركة “نيهاريا” قرابة القرن الحادي عشر ق.م, لتحلّ محلها الإمبراطورية الآشورية, ومن الدلائل الأثرية على العلاقة الوطيدة ما بين الميتيين والفراعنة, اكتشاف مومياء في تل أحمر على ضفة الفرات لطفل محنّط (تم حرقها من قبل داعش في مدينة كوباني على إثر مذبحة كوباني عام (2015 ) وهذا دليل على الترابط ما بين الحضارة الميتية والهورية وحضارة الفراعنة في مصر القديمة, إذ أن جميع العلماء أكدوا على براءة اختراع الفراعنة للتحنيط, واستمرت هذه الممالك في حكمها حتى الغزو الآشوري في عهد نبوخذ نصر الأول والثاني في القرن السادس قبل الميلاد, وتلاها الغزو الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد بقيادة “كوخسرو” الذي احتل نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية, وتمّ في عهد الفرس توحيد الممالك المتناثرة في سوريا (مملكة ماري, وتل الحرير, وإيبلا, وأوغاريت), وتهدمت وحدة هذه الممالك على يد البهلويين في العراق خلال القرن الأول قبل الميلاد, بعدها تمت السيطرة على سوريا من قبل الإغريق (اليونان) على إثر الحروب التي خاضها الإسكندر المقدوني الذي بسط سيطرته على شمال وشرق البحر المتوسط حتى بلاد الهند, ثم بدأ الصراع ما بين الإمبراطورية الرومية والإغريق (اليونان) إذ امتدت الإمبراطورية الرومية على حساب الإمبراطورية اليونانية, التي لم تستطع أن تقضي على الحضارة التي بناها الإغريق الذين أبدعوا في مجالات شتى, في علوم الرياضيات, والفن, واشتهرت مقولة الروم ضد اليونان: (نكره اليونان ونعبد ما يصنعون). وقُسمت الإمبراطورية الرومية إلى قسمين: شرقية وغربية وتم بناء بيزنطة عاصمة للإمبراطورية البيزنطية الشرقية حتى  بداية توافد الفتوحات العربية من شبه الجزيرة العربية وصراعهم مع الروم (بيزنطة) في بداية القرن السابع الميلادي واستمر حتى القرن الثاني عشر الميلادي, حتى بداية عودة التوسع البيزنطي وتفكك الدويلات العربية ـ الدولة العباسية ـ  في حلب والشام, وظهور سطوة السلاجقة في ظل الدولة العباسية, وانتصارهم على البيزنطيين في معركة “ملاذ كرد” عام 1071 ميلادي, و سيطر السلاجقة على سوريا حتى ظهور الصليبين واحتلالهم السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط, فتم عقد اتفاق بينهم وبين الصليبيين وسُموا بسلاجقة الروم , حتى ظهور الفاتح صلاح الدين الأيوبي, الذي لمّ شمل المسلمين في سوريا ووحّدها تحت إمرته, بعد تحرير القدس من الصليبيين في معركة حطين, وتم تسليم زمام السلطة في دمشق لأخيه سيف الإسلام طغتكين, وما لبث أن توفى الناصر صلاح الدين حتى ثارت الصراعات على السلطة بين الأخوة والأبناء, وفي النهاية حُسم الأمر لصالح أخي صلاح الدين الأيوبي “الملك العادل”, وبدأ التمرد من قبل بعض الدويلات على سلطة الملك العادل التي كانت تقع على تخوم الدولة الأيوبية, كالزنكيين والسلجوقيين, والخوارزميين وإمارة حلب, وترك الملك العادل السلطة لابنه نجم الدين الأيوبي ولقّب بالملك الصالح, الذي كان ضالعاً في السياسة والاقتصاد وفنون القتال, فقام بإنشاء جيش سلّحه بالعتاد اللازم ودرّبه, وعلى إثر وفاة الملك الصالح ـ نجم الدين الأيوبي ـ عادت خلافات الصراع على السلطة, مما جعل المماليك يتمردون على الدولة الأيوبية في مصر والشام, والسلجوقيين في الشمال السوري, وبدأ السلاجقة الهجوم بقيادة السلطان علاء الدين كيكوبات على الدولة الأيوبية, على الملك العادل الأيوبي, بعد أن ضم إلى جانبه أحد الأمراء الأيوبيين  (الأمير الأفضل علي الايوبي).

استمرت الحال حتى الغزو المنغولي الذي قضى على آخر الدويلات الأيوبية في حلب, حيث هاجم المنغوليون الدولة الأيوبية في حمص وتم القضاء على الدويلات الأيوبية, فقد غزا هولاكو سوريا عام 1259 م بعد استيلائه على بغداد إثر القضاء على الخلافة العباسية بقيادة الخليفة العباسي أبي أحمد عبد الله ـ المعتصم بالله ـ وردّ ابن كثير أسباب سقوط الخلافة العباسية في بغداد إلى عدة أسباب: منها الصراع بين السنة والرافضة, واللهو الذي كان يعيش فيه الخليفة إذ حُوصرت دار الخلافة من قبل الجيش المنغولي وقُتلت جارية كانت تلاعب الخليفة من سهم دخل عبر نافذة القصر, وكان عدد الجواري يفوق 700 جارية, ويسرد المؤرخون القصة الشهيرة عن الخليفة المعتصم, إذ أمر هولاكو بقتل جميع العلماء والقضاة والإبقاء على المعتصم حياً حتى يدلهم إلى كنوزه, وبعد أن دلّ المعتصم هولاكو على كنوزه الكبيرة والتي كانت أعراماً من الذهب, ضحك هولاكو وقال: لو وزعتَ هذه الأموال على جنودك لحمَوك مني, ويقال إنه أمر جنوده بوضع الخليفة في كيس من الخيش وربطوه, وأمرهم بركله حتى الموت, ثم توجه هولاكو باتجاه حلب التي كانت تحت إمرة الناصر يوسف, فقام هولاكو بتوجيه رسالة إلى الملك الناصر يوسف, وكعادة أي غاز استهلها بالبسملة والصلاة على النبي ثم دعاه فيها إلى الاستسلام تحت راية الإسلام, فلم يأمن الملك الناصر يوسف جانب هولاكو إثر توارد الأخبار إليه بما فعله في بغداد بقتله الخليفة العباسي, فهرب الملك الناصر, واستسلمت حلب دون قتال, فتوجه هولاكو باتجاه دمشق إثر استيلائه على حماة وحمص, وهناك أيضاً هرب الملك الناصر الأيوبي وترك دمشق, فقام وجهاء دمشق بتسليم مفاتيحها لهولاكو, وأثناء توجه الجيش المنغولي باتجاه الجنوب توفى إمبراطور المنغول “مونككو” أخو هولاكو, مما دفع هولاكو إلى الانسحاب باتجاه مركز الإمبراطورية خشية التمرد في المركز, وأبقى دمشق تحت قيادة أحد مقاتليه ” كانتبيغا”, ونتيجة انسحاب الجيش المنغولي تشجع المماليك في مصر وهاجموا الجيش المنغولي الذي خسر المعركة في عين جالوت, وكان جيش المماليك جيشاً مدرباً وقوياً بقيادة “قطبز”,  فتراجع الجيش المنغولي وأصبحت سوريا تحت إمرة المماليك, وعلى إثر سقوط الإمبراطورية المنغولية استطاع “تيمورلنك”  أن يلملم بقايا الإمبراطورية ويقوم بتشكيل جيش قويّ لإعادة أمجاد الإمبراطورية المنغوليّة، وراحت عينه تتطلع إلى سوريا مجدّداً, على أنها من ممتلكات إمبراطورية أجداده “جنكيزخان”, فبدأت هجمات تيمورلنك على المماليك الباسطين سيطرتهم على سوريا, وكان الجيش المملوكي جيشاً قوياً بقيادة السلطان “برقوق” الذي اتّخذ من القاهرة في مصر عاصمة له, ملحقاً “تيمورلنك” خسائر متكررة إثر هجومه على سوريا, فتصدّى له جيش السلطان برقوق, وبعد وفاة السلطان خلفه ابنهُ الناصر فرج, فعلم تيمورلنك بضعف السلطان فرج حديث الولاية, فأعاد المحاولة للاستيلاء على سوريا عام 1400م ـ التي كانت تتبع للسلطان فرج الدين في مصر, وبعث برسول لوالي حلب “دمرداش” يطلب منه الاستسلام, غير أنّ والي حلب قام بقتل الرسول, واتّخذ قرار الحرب وتحصّن بأسوار قلعة حلب, فعدل تيمورلنك باتجاه دمشق التي كان السلطان الناصر فرج الدين قد سبقه لها في بداية 1401 م , لكن سرعان ما انسحب الناصر فرج الدين إلى القاهرة، بعد ورود أنباء عن صراع على السلطة في مصر ومحاولة عزله, فحاصر تيمورلنك دمشق, وأبلغهم بالأمر, وبدأت المفاوضات بينه وبين أهالي دمشق, وكان رسولهم ابن مفلح, الذي سرعان ما غدر به تيمورلنك, ودخل إلى دمشق بخداع أهلها بعد منحهم الأمان, وسرعان ما بدأ بالتعذيب والتنكيل بالأهالي واستباح الأعراض, وقام بحرق الجثث, وكل ذلك كان تحت راية الإسلام.

مكث تيمورلنك ثمانين يوماً, وبعدها جمع ما تبقّى من أطفال دمشق الذكور التي كانت أعمارهم تتراوح ما بين العاشرة والخامسة عشرة, وأمر جيشه بقتلهم تحت حوافر الخيل بعد أن وقف يتأملهم لبرهة, فردد مقولته المشهورة ” إن غضب الله من قوم سلّطني عليهم”. ويقال إن أحد أعوانه لامَه على فعلته هذه فقال له: “انتظرت الرحمة بهم من الله, فلم ينزلها عليّ” وعلى إثر انسحاب تيمورلنك من دمشق تركها مهدّمة تماماً.

على إثر ما مرّ على سوريا من كوارث وحملات كانت تتخبط بين الفقر والجوع والأوبئة, واستمرت تتخبط  بين أحكام جائرة على يد المماليك حتى عام 1516, وقبلها كان السلطان العثماني بدأ صراعاً مع الصفويين في الشرق, واستطاع  أن يكسب الكرد إلى جانبه في الشرق بوساطة إدريس البدليسي الذي فوّضه السلطان العثماني  بالتفاوض مع الأمراء الكرد, فدعا الكرد إلى الانضمام تحت لواء السلطان العثماني تحت شعائر إسلامية لمحاربة الشيعة الصفويين, وفي عام 1514 تم التوصل إلى اتفاق مع الشاه الصفوي, يتضمن تحديد حدود الإمبراطورية الصفوية من الغرب, وحدود العثمانيين من الشرق, في اتفاقية قصر شيرين, وفيها تم تقسيم كردستان إلى قسمين بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية, وذلك بعد أن أقر السلطان بالحكم الذاتي للإمارات الكردية, وبذلك ضمن السلطان العثماني حدوده من الشرق فأراد التوسع باتجاه الجنوب, فزحف السلطان العثماني سليم الأول بجيشه بعد أن عرف الأوضاع المهلهلة للدويلات والإمارات التي ترزح تحت حكم المماليك التي باتت تحكم بالاسم فقط, وكأيّ غازٍ قرّر دراسة الأوضاع في سوريا, واستدلّ إلى رفع شعار الإسلام خير وسيلة لكسب مودة الشعب, والتستر خلف الإسلام من أجل بناء إمبراطورية عثمانية, فحاول أن يستميل المماليك كونهم من السنة ضد الصفويين (الفرس) الشيعة, واعتبرهم كفرة خرجوا عن الإسلام, غير أنه لم يستطع أن يستميل المماليك (الجراكسة) إلى جيشه بقيادة قانصو الغوري, فقرر غزو البلاد الإسلامية ومن بينها سوريا, فتوجه بجيشه إلى سوريا بتاريخ 8/8/ 1516 وفي معركة مرج دابق على مشارف مدينة حلب استطاع أن يحقق النصر على جيش المماليك بقيادة قنصو الغوري, الجركسي (الجركاس تعني باللغة الكردية أربعة أشخاص), كما ورد في مقال محمد شعب, تاريخ 6ـ 12ـ 2016 م في قصة الإسلام ـ  تاريخ الجركاس في مصر من البداية إلى النهاية ـ  وهم أربع قبائل ـ سركانس ـ أركانس ـ كانسا ـ آص)  وبذلك أصبحت سوريا إحدى الولايات العثمانية, مدة أربعمئة.

حكمت الإمبراطورية العثمانية عامّة ما يقارب ستمئة عام, ليس فيها سوى تاريخ حافل بالمذابح والوحشية (فالتاريخ العثماني ممتلئ عن آخره بسيئات خلفها في أنحاء العالم الإسلامي) أبرزها مذابح الأرمن عام 1915 م  حيث قام العثمانيون بجمع أهم الشخصيات الأرمنية في إسطنبول وقاموا بإعدامهم في ساحاتها ثم التفتوا إلى العوام, وبدؤوا بذبحهم وسوقهم باتجاه الجنوب حيث سوريا, وقُدر عدد القتلى بأكثر من مليون ونصف أرمني, استخدمت أبشع أنواع وطرق القتل فيهم.

ومذابح سيفو عام 1914التي تم ارتكابها بحق الآشوريين والكلد, والسريان, في شمال شرق تركيا وجنوبها, وقُدرعدد القتلى بما يقارب نصف مليون.

مجزرة ديار بكر التي تم ارتكابها بحق المسيحيين, عام 1895 م  بدأت بالقتل من خلال انتشار القوات العثمانية وتلتها عمليات السلب والنهب على بيوت المسيحيين, وقتلهم داخل منازلهم, وبثّ الخليفة العثماني فتوى مفادها “كال من يقتل مسيحياً ضمنت له دخول الجنة”, من خلال التسمية التي أطلقها العثمانيون على المسيحيين ” كاور” وتعني كافر.

وإذا أراد أحدهم شتم شخص آخر نعته باسم “كاور” وكانت أكثر المذابح تجرى بتحريض طرف على طرف آخر من خلال خطة منهجية, يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته “اقتلوا الكلب بالكلب”.

ومن المؤسف أنّ أكثر الكُتّاب العرب والباحثين (أخوة المسلمين) يعتبرون الغزو العثماني فتوحات إسلامية, خاصة بعد أن نصّب السلطان العثماني نفسه خليفة على المسلمين, فبعد احتلال مصر أمر بسوق الخليفة العباسي المتوكل على الله إلى إسطنبول وأمره عنوة بالتنازل عن الخلافة للسلطان سليم الأول, ومن عجيب الأمر أن نجد هذا التقارب بين دعاة العثمانية، مبرراً لغزو البلاد الإسلامية, والمبرر الذي يدّعيه أردوغان اليوم هو نفسه, فقد ادّعى السلطان العثماني بأنه غزا تلك البلاد بناءً على استنجاد تلقاه من قِبل الشعوب الإسلامية لرفع الظلم عنهم, وما أشبه اليوم بالأمس, إذ نجد أردوغان يغزو الشمال السوري تحت ذات الذريعة, ويدعي أنه احتلها بناء على طلب من شعوب المنطقة لرفع الظلم عنهم, ومن خلال البحث في التاريخ لا نجد أي فارق بين التصرفات التي قام بها الجيش العثماني إبان احتلاله للبلاد الإسلامية وتصرفات الجيش التركي في احتلاله للشمال السوري و ليبيا, فيذكر المؤرخون بأن الجيش العثماني قام بالنهب والسلب للبلاد التي غزاها, فقد قتلوا من المصريين في يوم واحد عشرة آلاف شخص من النساء والرجال وأمروا بتعرية الناس في الشوارع واستعراضهم (قتلوا عشرة آلاف من عوام المصريين, في يوم واحد, وعرّوا الناس في الشوارع, أطعموا الغلال لخيولهم, وسرقوا الدجاج, والأغنام من الفلاحين, وفرضوا الأتاوات) ـ المؤرخ المصري محمد بن إياس في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور”. ولم يقاسِ أهل مصر شدة مثل هذه, ووصل الأمر لوصفه بأنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو في بغداد).

وما أورده على لسان سليم (إذا دخلتَ مصر أحرقَ بيوتها قاطبة, وألعبْ فى أهلها بالسيف), وتم قتل كال من يمت للجركاس بصلة، وتم إعدام قائد الجركاس في مصرـ طومان باي ـ  على باب الزويلة في القاهرة, ومن عجيب الأمر أنّ المسلمين العرب أمضوا حقبة من الزمن يتصارعون على الخلافة فيما بينهم, لكنهم رضخوا للخلافة العثمانية, وأهم ما امتازت به فترة الخلافة العثمانية فترة ركود وجمود على جميع البلدان التي غزاها العثمانيون, ولم تكن فترة استعمار, فالاستعمار يعني الأخذ بيد المُستعمَر, وإعانته للخروج مما هو فيه, فنجد أن اليونان جلبوا معهم حضارتهم إلى البلاد التي استعمروها, وتأثرت البلاد المستعمرة بثقافتهم وإبداعاتهم في الفن والعلوم والرياضيات, والفلسفة, ولا يغيب عنا الآثار التي تركها البيزنطيون في سوريا, غير أن العثمانيين كل ما استطاعوا فعله أنهم قاموا بتزوير الحضارات وتدميرها, فحولوا كنيسة “آيا صوفيا إلى جامع”  وجرّدوا جميع الشعوب المغزوّة من علمائها ورجال الثقافة والفكر فيها, حتى الماهرون في الصناعات المهنية البسيطة, استجرّهم عنوة السلطان العثماني إلى العاصمة إسطنبول, وجعلهم تحت الإقامة الجبرية.

ولو بحثنا في الثقافة التي تركها العثمانيون بين الشعوب المستعمرة, لن نجد سوى ثقافة التفنن في القتل والذبح, بدءاً من السجون ووصولاً إلى الخازوق الذي تعود براءة اختراعه للعثمانيين, وجني الضرائب وانتشار دور البغاء المرخصة في زمن الخلافة العثمانية, ومن العجيب أن هذه الدور ازدهرت في عهد الخليفة أردوغان, وظهر التخلف الديني بين العثمانيين من خلال ما أورد المؤرخون ( طلب الولاة العثمانيون من أحد القضاة بكتاب على امرأة لم تنقضِ عدّتها بعد, فرفض القاضي ذلك فما كان من الوالي إلّا أن جاء بالقاضي ورماه أرضاً وأبرحه ضرباً ثم أمر بكشف رأسه وألبسه عليها كرش بقرة بروثها ثم يُركب خلافاً على حمار ويُطاف به في المدينة). و يروي ابن إياس عن العثمانيين (قلة دين يجاهرون بشرب الخمر في الأسواق بين الناس, و لما جاء شهر رمضان فكان أغلبهم لا يصوم ولا يصلي في الجوامع ولا صلاة الجمعة إلا القليل منهم, ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة), وكما ورد في كتاب ابن إياس (كان العثمانيون يمسكون أولاد الناس في الطرقات, و يقولون لهم اشتروا أنفسكم من القتل, فيأخذون منهم حسب ما يختارون من المبلغ).

كما يورد ابن إياس (ابن عثمان خرج من مصر ومعه ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة, هذا خارج عمّا غنمه من التحف والسلاح و الصنى والنحاس والخيول والبغال والحمير وغير ذلك حتى نقل منها الرخام الفاخر) والسؤال: هل يوجد شعب مجاور للعثمانيين أو الدولة التركية لم تُرتكب بحقهم مجازر من قبل الأتراك؟

 

الأكراد بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية:

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية, على إثر الحرب العالمية الأولى, تحرّك معظم المثقّفين الكرد في إسطنبول, بزعامة آل بدرخان الذين تمّ وضعهم تحت الإقامة الجبرية ,وكذلك الفارّون إلى مصر, واستبشر الكرد الخير في مبادئ الرئيس الأمريكي “ولسن” ومضمونها في حق الشعوب في تقرير مصيرها, فسارع الكرد إلى تأسيس جمعية من قبل المثقفين الكرد في إسطنبول (جمعية تعالي كردستان) بقيادة الشيخ عبد القادر النهري الشمديني وأسس الأمير ثريا بدرخان (جمعية الاستقلال الكردي) في القاهرة, وقام بإرسال مندوب عن الأكراد إلى مؤتمر السلام في فرنسا (معاهدة سيفر) وحضر المؤتمر عدد من الشخصيات الكردية برئاسة الجنرال شريف باشا, وفي بادئ الأمر كلا هاتين الجمعيتين كانتا تطالبان باستقلال كردستان, غير أن جمعية تعالي كردستان تراجعت عن مطلبها بقيادة الشيخ عبد القادر, بعد ذلك تم التواصل مع حزب “الحرية والائتلاف التركاني ” وعدلت مطالبها إلى المطالبة بالحكم الذاتي للأكراد ضمن الدولة التركية, غير أن المثقفين في الجمعية اعترضوا على هذه المطالب بقيادة الأمير أمين عالي بدرخان, وطالبوا باستقلال كردستان, متشجعين بمطالب “جمعية الاستقلال الكردي” و اجتماع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى التي قررت أن تمنح الاستقلال لجميع الشعوب التي كانت ترسخ تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية, وقد تم تجهيز وفد من الكرد لحضور مؤتمر الصلح في فرنسا, بقيادة الجنرال شريف باشا, 10 آب 1921 ـ وتم تخصيص كردستان في المادة الثالثة من المعاهدة بما يلي:

ـ حصول كردستان على الاستقلال حسب المادة الثالثة بموجب البندين رقم (62) و(63) وضمّ الموصل إلى كردستان بموجب البند رقم (62) وفق شرط المطالبة بالاستقلال عن تركيا, وتعهدت تركيا بذلك “إذا حدث خلال سنة من تاريخ توقيع هذا الاتفاق وتقدم سكان المنطقة المحددة بموجب المادة الثالثة البند رقم (62) إلى عصبة الأمم يطالبون بالاستقلال عن تركيا, يتوجب على تركيا القبول بذلك دون قيد أو شرط بموجب اتفاقية جديدة تعقد بين تركيا وكبار قيادات الحلفاء “. غير أن ظهور كمال أتاتورك الذي قام بجمع شتات الجيش العثماني وإعلانه الحرب على جميع الدول الطامعة في ميراث الإمبراطورية العثمانية, تحت أهداف خدع بها الكرد, فطالب بوحدة الأراضي التركية والحفاظ على استقلال تركيا ومنح جميع القوميات المنضوية تحت ظلها حقوقهم بالتساوي مع الأتراك, والإبقاء على وحدة الأمة العثمانية وفق رابطة الدين الإسلامي, وتوصل إلى اتفاق مع القادة الكرد لمحاربة الاستعمار, فأعلن الحرب ضد الانكليز والفرنسيين واليونايين والإيطاليين, وأسماها حرب الاستقلال, بالاشتراك مع الكرد على إثر اتفاق تم إبرامه, في مؤتمر آرز روم, وورد في الاتفاق بأن المنطقة الشرقية يقطنها الأكراد والأتراك ولابد أن يكون للأكراد ما للأتراك من حقوق, وعاد كمال أتاتورك وأكد على ذلك في مؤتمر سيواس في 4 كانون الاول عام 1919  “قبول حق الأكراد القومي والاجتماعي وتطورهم بشكل حر” غير أن كمال أتاتورك بعد استيلائه على الحكم 29 تشرين الأول عام 1923, تنكر للكرد عن وعوده كلها بعد أن أشرك الكرد في القتال ضد الدول الطامعة, وأجبر دول الحلفاء لإعادة النظر في اتفاقية سيفر واللجوء إلى اتفاقية لوزان التي بدأت في مدينة لوزان في سويسرا بتاريخ 22 تشرين الثاني 1922 ومثّل تركيا في التفاوض عصمت إينونو والحاخام ناحوم, و مثل بريطانيا اللورد كانيرزون, وطالبت بريطانيا الوفد التركي بإلغاء السلطنة وإعلان العلمانية نظاماً للحكم في تركيا والإبقاء على الموصل خارج السيطرة التركية, غير أن المفاوضات فشلت, وعادت من جديد في بداية عام 1923وقبلت تركيا بتدويل المضائق البحرية وتحويل السلطنة إلى جمهورية وتم اختيار كمال أتاتورك رئيساً للجمهورية, غير أن دول المحور عادت وقلبت على الاتفاق من جديد بقيادة فرنسا واعتبرت الاتفاق مجرد مسودة غير ملزمة للأطراف, مما دعا تركيا إلى رفض الالتزام بالمسودة. وفي 4 شباط  توجه ممثل بريطانيا اللورد كانريزون إلى تركيا وأقنع أتاتورك بالتوقيع مجدداً على الاتفاقية, وفي 24 تموز 1923 تم التوقيع على معاهدة لوزان بين دول الحلفاء وتركيا وتم تدويل مضيقي البوسفور والدردنيل واعتبارهما مياهاً دولية وحرية الملاحة لجميع دول العالم.

 

سوريا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية:

أثناء انسحاب القوات العثمانية من سوريا ظهرت في دمشق قوات متعددة, الأولى بقيادة الأميرين الجزائريين, وهما من أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري الذي تم نفيه من قبل السلطنة العثمانية من الجزائر وكان قد اختار دمشق منفىً له, عبد القادر الجزائري وأخوه محمد سعد. والقوى الثانية بقيادة رضا الركابي و صديقه شكري الأيوبي, (رضا الركابي كان من ضباط الجيش العثماني الذي تم تكليفه بالدفاع عن دمشق) فقام الأمير الجزائري بتشكيل قوى معظمها من المغرب العربي, وشكلوا مجلساً للشورى مع وجهاء دمشق, واختار حكومة تم تشكيلها بقيادة الأمير سعيد الجزائري, غير أن القوات البريطانية الزاحفة من الجنوب السوري باتجاه دمشق بقيادة لورنس البريطاني, الذي كان يمثل الملك فيصل.

تم رفض حكومة الأمير سعيد الجزائري من قبل لورنس, وضيّق الخناق على الأمير سعيد الجزائري, الذي أعلن بأنه قام بذلك من أجل حماية الثورة, وقد أعلن حكومته باسم الشريف حسين, وكان هدفه الحفاظ على السلام ومنع الفوضى, وحماية ممتلكات الدولة وأموالها.

بعدها أعلن لورنس حلّ الحكومة المشكلة بقيادة الأمير سعيد الجزائري, فقام بتعيين رضا الركابي حاكماً عسكرياً على دمشق مرتبطاً بالملك فيصل ووالده الشريف حسين .

الشريف حسين الذي قاد الثورة الكبرى ضد العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى, دخلت قواته ممثلة بابنه الملك فيصل مع الجيش الإنكليزي بقيادة لورنس, إلى سوريا بتاريخ 4 تشرين الأول 1918 وأعلِن الملك فيصل بن الشريف حسين ملكاً على سوريا, وكانت هناك اتفاقات بين الشريف حسين وبريطانيا حول تولّي الشريف حسين السلطة في بلاد الشام, غير أن بريطانيا سرعان ما تنصّلت من هذا الاتفاق  على إثر طلب الجنرال اللنبي من الملك فيصل الإبقاء على الأراضي المحررة تحت إمرة الجنرال البريطاني اللنبي, وتبقى إدارة البلد للملك فيصل الذي يعمل تحت إشراف الجنرال اللنبي, واعترض الملك فيصل بدايةً, غير أنه لم يجد بدّاً من ذلك, وتم قبول شروط الجنرال البريطاني اللنبي.

وعلى إثرها كلف الملك فيصل رضا الركابي رئيساً للحكومة و تم اختيار يوسف العظمة وزيراً للحربية, وفي 3 تموز 1920  كُلّف هاشم الأتاسي بتشكيل اللجنة الدستورية, وتم وضع مشروع الدستور, وعُرض المشروع على المؤتمر السوري لمناقشة موادّه, ففوجئ المؤتمر بدخول القوات الفرنسية إلى سوريا.

ظهرت لاحقاً بوادر تقسيم تركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) بين فرنسا و بريطانيا بموجب اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916, ودخلت القوات الفرنسية إلى سوريا, بقيادة الجنرال “غورو” فما كان لها أن تدخل بدون مقاومة, فقرر البطل الكردي يوسف العظمة الوقوف في وجه القوات الفرنسية, وكان قد كلف عناصره بزراعة الألغام بوجه المشاة والدبابات الفرنسية, فالتقى بالقوات الفرنسية في معركة ميسلون, غير أنه تم اغتياله على يد أحد قادة الفصائل المقاتلة معه وهو “أبو شاكر الطباع” وهو من قام بإبطال مفعول الألغام المزروعة بطريق المدرعات الفرنسية, على إثرها دخل الجنرال غورو إلى دمشق بعربته وهناك عائلتان دمشقيتان كان لهما شرف حلّ الأحصنة التي كانت تجرّ عربة الجنرال غورو وقاموا بجرّها في شوارع دمشق مستعرضين ومهللين للجيش الفرنسي.  بعدها بفترة وجيزة ظهر أول دستور سوري, و أقرّ:

1 ـ بالحكم الملكي: يُنصّب الملك من أولاد الملك فيصل الأكبر بينهم.

2 ـ الوزارة: وهي عبارة عن وزارة مركزية (وزارة المقاطعات السورية التي تتمتع بحكم ذاتي), ويقوم الملك بتكليف من يقوم بتشكيل الوزارة.

3 ـ المؤتمر: وهو عبارة عن برلمان المقاطعات كون سوريا فدرالية, ويتألف من مجلسين؛ مجلس النواب: يمثل الشعب في كل الولايات مدة ولايته أربع سنوات. ومجلس الشيوخ: مدة ولايته تسع سنوات ينتخب ثلثهم كل ثلاث سنوات, يعني مدة الولاية الحقيقية ست سنوات.

الثورات في سوريا والمقاومة:

بدأت المقاومة في سوريا ضد الاحتلال الفرنسي من جبل الدروز حتى جبل الكرد شمالاً, وتحت الضغط قام المندوب السامي الفرنسي بإعادة توحيد الدويلات السورية تحت سلطة موحدة, باستثناء لبنان, وقام بتكليف أحمد نامي الدماد رئيساً للدولة والحكومة المؤقتة, وعلى إثر اندلاع الثورة السورية الكبرى قام المندوب السامي بتشكيل جمعية تأسيسية, فاستقال الدماد, و تشكلت حكومة بقيادة الشيخ تاج الدين الحسني, وتقرر انانتخاب جمعية تأسيسية  تكلف لجنة بوضع مشروع الدستور للبلاد, تتألف من 67 عضواً, وفاز الكتلة الوطنية بالانتخابات برئاسة هاشم الأتاسي, وتم تشكيل لجنة لوضع الدستور من 27 عضواً بتاريخ 9 حزير 1928  فقدمت اللجنة مشروع مسودة للدستور مؤلفاً من 115 مادة, تم عرضه على الجمعية التأسيسية للدستور.

وضع الأكراد في سوريا:

كان وقع فشل ثورة الشيخ “سعيد بير” مؤلماً على الأكراد في تركيا, فقد تم إعدام قائد الثورة, وفرّ معظم قياداتها إلى خارج تركيا وبعضهم تحصّن في الجبال الشرقية بالقرب من الحدود الفاصلة بين كردستان المقسمة مع إيران, ومنهم زعامات ومثقفون, وربما يتبادر إلى ذهن المرء لطالما كان هناك مثقفون فلماذا كانت الثورات تُقاد من قبل رجال الدين, الحقيقة أن معظم المثقفين الكرد تم جلبهم من قبل السلطان العثماني إلى العاصمة إسطنبول وقدم لهم القصور والبيوت وخصّص لهم رواتب, واتبعت هذه السياسة في جميع البلاد الخاضعة للإمبراطورية العثمانية, إلى جانب بثّ روح الترابط بين المسلمين تحت الخلافة العثمانية, وكل من يخرج عن الخلافة يُعتبر كافراً, ولم تكن كردستان بمعزل عن ذلك, فقد نشّط السلطان العثماني مفهوم الخلافة بين الأوساط الكردية, وقام بدعم رجال الدين و رؤساء العشائر الكردية وقدم لهم الأموال من خلال إطلاق يدهم في فرض الأتاوات والضرائب على الشعب, وأصبحت كردستان عبارة عن مقاطعات تُدار بوساطة رؤساء القبائل, فلم يعد أمام المثقف الكردي أي مجال لتولّي القيادة خاصة بعد ظهور الاتحاد السوفياتي على حدود كردستان الشمالية, وانتشار الفكر الشيوعي بين الشباب والمثقفين واتهام كل من يخرج على الدولة التركية بالإلحاد والكفر, وكلنا يعي التحريض ضد الأرمن وإصدار الفتاوى من قبل السلاطين العثمانيين “كل من يقتل أرمنياً له مقعد في الجنة”.

ومن المؤسف أن آثار تلك المرحلة مازالت منتشرة بين الشعب الكردي الذي يتمسك بالإسلام دون أن يعيَ مضمونه, ومن خلال زيارة قمتُ بها لمدينة إزمير التركية, كانت هناك تكية للنساء تدرس فيها العلوم الدينية, والكتب المطبوعة تدعو إلى تقديس الخليفة عثمان بن عفان, وأكثر الأحاديث مروية عنه, و تم إظهار الخليفة عثمان بن عفان على أنه جد العثمانيين وهم ينحدرون من سلالته, وعثرت في طيات بعض الكتيبات على حديث رواه عثمان بن عفان عن الرسول ” ص ” (القناعة كنز لا يفنى ) والكثير من تلك الحِكم والأمثال تم سردها على أنها أحاديث للرسول, فهذا هوالوضع الذي ظهر فيه المثقف في كردستان الشمالية, حتى و كانت تلك الثورات التي يتم التخطيط لها من قبل المثقفين لا بد من إشراك رجال الدين ووضعهم في مراكز القيادة, لبناء قاعدة جماهيرية للثورة.

على إثر فشل ثورة الشيخ سعيد بير في عام 1925 بدأت التحضيرات لثورة جبل آرارات, وبدأت المواجهات بين الأكراد والدولة التركية, فأسرعت مجموعة من الشباب الكرد المثقفين في الخارج من أجل تشكيل تجمع منظم, يضم جميع الجمعيات والمنظمات الكردية, كجمعية تعالي كردستان ـ 1918 ـ و جمعية الاستقلال الكردي ( آزادي ) ـ 1921 ـ لتوحيد القوى الكردية لتقديم الدعم لثورة آرارات في عمق كردستان الشمالية, بمساعدة كردستان الغربية, وربما هي أول محاولة للتعاون بين أجزاء كردستان المقسمة بموجب اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا والدولة التركية, و كانت أول محاولة لجعل الثورات الكردية ثورات منظمة بقيادة عسكرية منظمة.

بتاريخ 5 من تشرين الأول عام 1927 اجتمع عدد من المثقفين الكرد في مدينة بحمدون في لبنان وكان أكثرهم من وجهاء العشائر الكردية منهم (الأمير خليل رامي بدرخان ـ الأمير جلادات بدرخان ـ ممدوح سليم بك ـ الدكتور محمد شكري سكب ـ الأمير ثريا بدرخان ـ الدكتور كاميران بدرخان ـ  مصطفى شاهين بك ـ بوزان شاهين بك ـ حاجو آغا ـ علي رضا شيخ سعيد ـ فهمي بك لجي ـ أمين احمد بريخي …الخ), وتم تشكيل جمعية قومية كردية (جمعية خويبون) ولم تفصح الجمعية عن مشاريعها وبرنامجها السياسي, ومن ضمن أهدافها:

ـ حل الجمعيات الكردية الموجودة ـ المثابرة على الثورة ضد الأتراك

ـ تنظيم القوى الثورية وتدريبها عسكرياً على الأسلحة الحديثة

ـ تأسيس مركز عام للثورة في جبل من جبال كردستان

ـ توطيد العلاقة مع الإيرانيين

ـ توثيق العلاقة مع الحكومتين السورية والعراقية والاكتفاء بما منح للأكراد وفق صكوك الانتداب وعدم المطالبة بغير ذلك في العراق وسوريا.

وتمّ فتح مقر لقيادة الجمعية في حلب بالتعاون مع الأمير جلادات بدرخان عبر علاقاته الخاصة مع الفرنسيين, ومن الملاحظ في برنامج الجمعية ظهور الدبلوماسية السياسية من خلال التعامل مع بقية الدول المستعمرة لكردستان, و بدأت في توسيع نشاطها بشكل سرّي في جميع أجزاء كردستان وفي الخارج, فتمّ فتح فرع للجمعية في أمريكا وأوربا, وتمّ وضع مشروع الربط بين الأجزاء الأربعة, ووُضعت الخطط من أجل تقديم الدعم لكردستان الشمالية, وكانت تضم أعضاء من أجزاء كردستان الأربعة, وتمّ وضع مخطط لكردستان الغربية للمساهمة في تقديم الدعم لثورة آرارات بقيادة أعضاء من الجمعية, فكانت الخطة تقسيم كردستان الغربية إلى ستة قطاعات:

ـ كان القطاع الأول بقيادة العمّ عثمان صبري, وإمرة القوات العسكرية بقيادة رؤساء عشائر البرازية الأخوين بوزان شاهين بك ومصطفى شاهين بك, ويبدأ القطاع بالقرب من منبج, جرابلس, وحتى  كانوبوي, ويزحف باتجاه الشمال حيث مدينة أورفا.

ـ والمحور الثاني بقيادة إبراهيم بك بن إبراهيم باشا الملّي, ويبدأ هذا القطاع من رأس العين ويتجه باتجاه مركز عشيرة الملّيين في ويران شار.

ـ والمحور الثالث محور مدينة درباسية بقيادة أكرم بك وأخيه قدري, ويبدأ القطاع من مدينة درباسية ويتجه باتجاه مدينة ماردين.

ـ والقطاع الرابع بقيادة حاجو بك ويبدأ من مدينة تربة سبيه باتجاه مضارب عشيرته هفيركانا في الشمال.

ـ والقطاع الخامس بقيادة جلادات بدرخان بمساعدة كل من محمد بك بن جميل باشا رئيس عشيرة زيل باتجاه جزيرة بوطان.

ـ والقطاع السادس ينطلق من مدينة نصيبين باتجاه الشمال بقيادة أبناء عمومة الشيخ سعيد بير.

و ربما كانت هذه أول ثورة كردية تتمتع بقيادة سياسية وعسكرية, رداً على ممارسات الحكومة التركية واستخدامها أبشع أنواع العنف والقتل والتهجير عقب فشل ثورة شيخ سعيد بير, فالثورة بدأت تحت إشراف جمعية خويبون المطالبة باستقلال كردستان الشمالية, فأصدرت الجمعية قراراً إلى الجنرال إحسان نوري باشا بإقامة تشكيلات عسكرية في جبل آكري, وتم نشر صحيفة خاصة توجهت بالدعوة للكرد في جميع أجزاء كردستان للإلتحاق بصفوف الثورة, وشارك في الثورة جميع أجزاء كردستان , فمن العراق أرسل الشيخ أحمد البرزي في تموز 1930 العديد من الفرسان لتهاجم النقاط التركية القريبة من حدود كردستان العراق, ومن إيران هاجم الثوار الأكراد  في حزيران 1930جميع النقاط التركية القريبة من الحدود الإيرانية وعبروا إلى داخل الأراضي في كردستان الشمالية, واستمرت الثورة إلى ما يقارب الشهر وعجزت القوات التركية عن إخمادها, فاستعانت بالآغاوات الكرد من إلاقطاعيين لقطع الدعم عن الثوار وقطع الإمداد عنهم, كما استعانت الحكومة التركية بدول الجوار, وتم إبرام اتفاق سرّي مع الحكومة الإيرانية بالسماح للقوات التركية بالالتفاف على الثورة من جهة الغرب عبر الأراضي التي تقع تحت حماية الحكومة الإيرانية, وفعلاً تم مهاجمة مؤخرة القوات الكردية من جهة الحدود الإيرانية, وتبيّن لاحقاً أن القوات الإيرانية قد ساهمت بشكل سري في مهاجمة القوات الكردية.

وفي كردستان الغربية عقد رؤساء العشائر اجتماعا في مدينة الحسكة, تحت إشراف جمعية خويبون لتقديم الدعم لثورة أرارات, وعلى إثرها توجّه حاجو آغا على رأس ما يقارب 200 فارس وعبروا الحدود التركية, كذلك عبر أبناء جميل باشا الدياربكرلي الحدود مع 20 مقاتلاً, وعلى إثرها أرسلت الحكومة التركية احتجاجاً إلى الحكومة السورية تحت الانتداب الفرنسي (كما ورد في جريدة الأحرار العدد 1492: تركيا تطلب من الانتداب إبعاد الأكراد ـ الأتراك واثقون بأن فرنسا لن تسمح لعصابات الأكراد باجتياز الحدود) الذي سارع إلى اعتقال رؤساء العشائر الكردية في سوريا بالتعاون مع المندوب الفرنسي, وتم سوق بعضهم إلى لبنان ودمشق ودير الزور, وتم ملاحقة الأمير ثريا بدرخان في حلب, وكما تم إرسال مذكرة احتجاج إلى المفوضية العليا في بيروت لطرد الزعماء الأكراد المحرِّضين للثورة ضد تركيا.

وفي نفس الوقت تم توجيه إنذار واحتجاج إلى الحكومة العراقية تحت الانتداب البريطاني, وعلى إثر الحصار من قبل القوات التركية والإيرانية, وقطع جميع الإمدادات اللوجستية, سقطت الثورة ولجأ قائد الثورة إحسان نوري باشا إلى إيران وبرفقته الأمير جلادات بدرخان, والذي التقى بشاه إيران وطلب منه مدّ يد العون للأكراد من أجل بناء دولتهم, غير أنّ الشاه الإيراني لم يوافق على ذلك وهو العالم بوجود جزء من كردستان تحت هيمنته, فطلب من الأمير جلادات أن يعمل سفيراً لإيران وأن يتخلى عن طموحه في بناء دولة كردية, غير أن الأمير رفض عرض الشاه وغادر إلى العراق الخاضعة للانتداب البريطاني، وشعر الأمير جلادات بعدم الراحة, وسرعان ما توجه إلى كردستان الغربية ليُستقبل بالترحاب, ثم تحوّل إلى حلب ثم دمشق, فعرضت عليه حكومة الانتداب الفرنسي المساعدة غير أنه رفضها تخوفاً من أن يقول التاريخ: إنّ الأمير الكردي جلادات تعامل مع المستعمرين لسوريا, كما عرض عليه الملك عبد الله الهاشمي المساعدة فرفضها خوفاً من أن يصبح أداة طيّعة بيد الملك, وكان كل همّه التفكير بالطريقة التي يقدم بها الخدمة لشعبه, فبدأ التفكير بالأبجدية اللاتينية للغة الكردية, فتقدم في 26 تشرين الأول 1931بطلب للحصول على الموافقة من الحكومة السورية, فتوجه إلى الجزيرة لتأسيس جمعية خيرية لتقديم العون للنازحين من أمام البطش التركي على إثر فشل ثورة آكري, وأسس بتاريخ  15 شباط 1932″الجمعية الخيرية للأكراد المشرَّدين” بمساعدة وجهاء عشائر المنطقة, وسرعان ما عاد إلى دمشق ليستلم الموافقة من الحكومة السورية على إصدار مجلة باللغة الكردية, فقام بإصدار أول مجلة باللغة الكردية ( مجلة هاوار) أي (النجدة) بالأحرف اللاتينية في 15 أيار 1932 في مدينة دمشق.

وكانت السلطات العراقية تراقب الثورة عن كثب, كما ورد في وثائق للاستخبارات العراقية:

الوثيقة رقم 9 ـ دائرة السجلات القسم 4ـ  المرجع ـ جو 23/ 243 المرفق 30 ـ ب الرقم 549/ 24 تاريخ 31/ 8/ 1930

إلى قائمقام قضاء تلعفر.

الموضوع: الحدود السورية

بالإشارة إلى كتابكم رقم 2/10/ 4695 في 17/ 8/ 30 الذي يشير إلى كتاب قائمقام ( سنجار)  الرقم 133 في 16/8/ 30 لقد ادى التحقيق الذي جرى خلال جولتنا يوم 28 الجاري إلى تأييد توقيف الحكومة السوريا لأحد عشر رئيساً كرديّاً، ومن بين هؤلاء حاجو آغا وأولاده الذين ارسلوا تحت حراسة إلى بيروت وارسل بعض البقية إلى دمشق والبعض الآخر إلى منطقة دير الزور, حدث هذا التوقيف خلال الأسبوع نظرا للاحتجاج الشديد الذي قدمته الجمهورية التركية إلى الحكومة ضد حاجو آغا…إلخ

أمر سيارات الشرطة تلعفر

الوثيقة رقم 11 ـ دائرة السجلات العامة القسم 4 ـ الرجع جو 23/243 سري

المرفق 28/ أ ضابط الخدمة الخاصة الموصل مقر القوات الجويةـ قيادة العراق ـ  9 ايلول 1930

الموضوع: الموقف الكردي في كردستان الغربية

فيما يلي ملخص المعلومات.

1ـ غادر حاجو اغا وبرفقته أولاده الثلاثة؛ (حسن ـ جج ـ جميل ـ و 200 رجل مسلح – القبور البيض، وعبرَ الحدود السوريّة ـ التركية عند ” ازنير” .

والمتمعن في الوثائق يجد أن الحكومة السورية تعاونت مع الحكومة التركية باعتقال كل من ورد احتجاج عليه من قبل الحكومة التركية, وفي حزيران من عام 1928 تقدم خمسة نواب بعريضة للجمعية التأسيسية يطالبون فيها بمنح الحكم الذاتي لمناطق الأكراد, وتضمنت العريضة عدّة مطالب منها:

ـ الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية في المناطق الكردية

ـ تعليم اللغة الكردية في المدارس

ـ تشكيل فيلق كردي يعمل ضمن الجيش الفرنسي يقوم بحماية الحدود, وأغلب الظن  أن هذه المطالب أتت من أشخاص سياسيين ينتمون لجمعية خويبون التي تأسست عام 1917, غير أن المفوض السامي الفرنسي اعترض على المسودة المقدمة من قبل اللجنة الدستورية كونها لا تتوافق مع مطالب الدولة المنتدبة وعطل عمل الجمعية التأسيسية, وفي 28 آذار 1930 وضع المفوض الفرنسي الدستور, وعلى إثرها تم إجراء انتخابات برلمانية من أجل إقرار الدستور الذي وضعه المندوب الفرنسي, في عام 1932 تضمن الدستور:

1 ـ المحكمة العليا: تتألف من ستة عشر قاضياً يُعيّنون بأمر ملكي.

2 ـ المقاطعات: قُسِّمت إلى خمس ولايات هي: 1ـ ولاية دمشق  2ـ ولاية حلب ـ3 ـ ولاية لبنان  4 ـ ولاية الدروز  5 ـ ولاية العلويين .

وسرعان ما عاد المفوض السامي الفرنسي إلى توحيد تلك الولايات تحت مسمى سوريا الاتحادية, لكنه أبقى على استقلال لبنان.

في 29ـ 11ـ 1931 قرر المندوب السامي إجراء انتخابات نيابية لإقرار الدستور الذي وضعه, وفعلاً جرت الانتخابات وتم انتخاب البرلمان, غير أن أعضاء البرلمان رفضوا أن يُقسِموا على دستور لم يوضع من قبل الشعب, وانتُخب صبحي الخالدي رئيساً للبرلمان, وانتخب المجلس بالاتفاق مع الفرنسيين محمد علي العابد رئيساً للجمهورية وهو من الأكراد, وكلف الرئيس محمد على العابد حقي العظم بتشكيل الحكومة, وبذلك تم إقرار نظام الحكم في سوريا نظاماً رئاسياً.

في  ظل هذه الظروف استمرت الثورة في شمال كردستان بالمشاركة مع غربي كردستان, ونتيجة التقارب التركي الفرنسي غيرت الحكومة الفرنسية موقفها من الثورة الكردية بالتشديد على الحدود التركية السورية خاصة بعدما تبيّن لها أن وراء هذه الثورة الحكومة البريطانية, واعتبرت فرنسا أن بريطانيا داعم حقيقي لثورة آكري.

لم تقف فرنسا موقفاً عدائياً في البدء من الثورة الكردية التي تقودها جمعية خويبون, وكانت قد فتحت مقراً للجمعية في حلب بإدارة الأمير ثريا بدرخان, ولكنها كانت على خلاف مع الحكومة التركية حول الحدود الواقعة جنوب مدينة ماردين وكانت فرنسا تطالب بجزيرة ابن عمر (بوطان) وتعتبرها الحدّ الفاصل حسب الخارطة التي وضعها الروم أثناء غزوهم لتلك البلاد, غير أن حكومة الانتداب الفرنسي في سوريا غيّرت موقفها بحجة الدعم البريطاني للثورة, وقامت بملاحقة الأمير ثريا بدرخان, لكنّ الحقيقة غير ذلك؛ فالحكومة البريطانية كانت في بادئ الأمر تغضّ النظر عن اشتراك قوات أحمد البرزنجي في الثورة, فربما أرادت أن تستخدم الأكراد كقوى ضاغطة على الحكومة التركية لوقف مطالبها بالموصل وأجزاء أخرى من كردستان الجنوبية, وحينما تم الاتفاق بين الحكومتين شددت الحكومة البريطانية من مراقبة الحدود العراقية مع الأتراك.

13 آب 1930 ـ الأحرار ـ العدد 1494

أصبح الكولونيل لورنس في جميع مناطق الثورة.

المرسل الاحرار الخاص

حظ قراء الأحرار الذين تابعوا قراءة رسائلي خلال الشهرين الماضيين اللذين نشبت فيهما الثورة الكردية الحاضرة العصاة يتبعون خطة منظمة في سبيل توسيع نطاق الثورة الحاضرة، وقد سبقوها في إرسال العصابات على طول خط الحدود الإيرانية… ولم تكن هذه الخطة المنظمة وليدة عمل الفكر الكردي قط. كلا, بل هي نتيجة مؤامرة دبرها الداهية البريطاني الكولونيل لورنس فهذا الرجل الذي شوهد في بدء هذا العام, على الحدود الإيرانية,, ما تغيب عن الحدود حتى اندلعت الثورة الكردية.

في نفس العدد 1494

وقد نشرنا في الأسبوع المنصرم بلاغاً من قلم المطبوعات في المفوضية العليا مفاده ان المفوض السامي أصدر قراراً بإبعاد ثريا بك بدرخان خارج الحدود.

وبعد مفاوضات طويلة وشاقة توصلت حكومة حقي العظم إلى عقد اتفاقية لإنهاء الانتداب الفرنسي على سوريا, وتقدم حقي العظم ببنود الاتفاقية للمجلس النيابي لإقرارها, غير أن المجلس لم يقرّها كونها كانت تقيّد سيادة الدولة, مما أدّى إلى امتعاض المندوب الفرنسي وقرر تعطيل أعمال المجلس النيابي, وعلى إثرها في 17 آذار 1934 قدم حقي العظم طلباً باستقالة حكومته.

قَبِل المجلس استقالة حكومة العظم وتم تشكيل حكومة من قبل تاج الدين الحسني بعد تكليفه من قبل البرلمان.

وما لبث المندوب السامي الفرنسي أن طالب بتشكيل وفد من السوريين للتفاوض حول الاستقلال مع الحكومة الفرنسية, وعلى إثرها تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة عطا الأيوبي  لتعيين أسماء أعضاء الوفد المفاوض والبحث في أمور إجراء انتخابات نيابية جديدة لإقرار بنود المعاهدة مع الحكومة الفرنسية, وفعلاً تمّ تشكيل الوفد المفاوض وتشكّل من (هاشم الأتاسي, فارس الخوري, جميل مردم بك, و سعد الله الجابري…الخ).

وبينما كان الوفد يتفاوض مع الحكومة الفرنسية تم إجراء انانتخابات برلمانية جديدة, وتم انتخاب برلمان نيابي عقد جلسته في 21 كانون الأول عام 1936، وانتُخب فارس الخوري رئيساً له, وقَبِل المجلس النيابي استقالة رئيس الجمهورية محمد علي العابد.

تم انتخاب هاشم الأتاسي رئيسا للدولة, والذي كلف جميل مردم بك بتشكل الحكومة, وتم عرض بنود المعاهدة مع فرنسا التي توصّل إليها الوفد المفاوض بعد ستة أشهر من التفاوض, وأقرّ البرلمان ببنود المعاهدة, غير أن البرلمان الفرنسي رفض إقرار بنود المعاهدة والتصديق عليها, وفي حقيقة الأمر كان هناك مفاوضات بين الحكومة التركية والفرنسية من أجل إجراء استفتاء على لواء الإسكندرون لضمّها لتركيا.

وعلى خلفية عدم تصديق المعاهدة من قبل البرلمان الفرنسي, لم يغير المندوب الفرنسي من سياسته تجاه الحكومة السورية, وفي نهاية الأمر قام  بإصدار قرار بحلّ المجلس النيابي, وعلى إثرها استقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي في 8 تموز 1939, وكلّ الظن أنّ ذلك القرار كان من أجل تفرّد المندوب السامي بإجراء استفتاء مع الحكومة التركية لضم لواء الإسكندرون.

ظلّتْ البلاد تتخبط بين قرارات المندوب السامي في ظل غياب البرلمان والحكومة على إثر المتغيرات الدولية وظهور بوادر الحرب العالمية الثانية على الأبواب, والتحركات التي كان يقوم بها هتلر في أوربا, فرضخت الحكومة الفرنسية لمطالب الوفد السوري السابقة وألغت قرارات المندوب السامي الفرنسي وطالبت بعودة البرلمان والحكومة والرئيس هاشم الأتاسي إلى ما قبل 8 تموز 1939, غير أن الرئيس السوري هاشم الأتاسي رفض المطالب الفرنسية وفوّض الشعب بدلاً منه,  وبموجب رسالة بعث بها الجنرال كاتر إلى الشيخ تاج الدين الأيوبي وتكليفه برئاسة الدولة 12 أيلول 1941 فقد قَبِل بها وكلف الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للبرلمان  بعد فترة وجيزة, وفي 8 كانون الثاني 1942 تم تكليف حسني البرازي رئيساً للحكومة, وبعدها بفترة وجيزة تم تكليف جميل الإلشي بتشكيل حكومة جديدة في 8 كانون الثي 1943 وعلى إثرها توفي تاج الدين وتولى الإلشي رئاسة الدولة بالتكليف, وبموجب رسالة تم توجيهها من قبل الجنرال كارتر تم بموجبها حل حكومة الإلشي بالتكليف, وفعلاً تم تعيين عطا الله الأيوبي رئيساً مؤقتاً ريثما يتم انتخاب برلمان جديد, تم انتخاب البرلمان وعقد جلسته الأولى بتاريخ 13 أب 1943 و تم انتخاب فارس الخوري رئيساً للبرلمان, وشكري القوتلي رئيساً للدولة لمدة خمس سنوات, وتم تكليف سعد الله الجابري بتشكيل الحكومة, وعقدت جلسة للبرلمان بإقرار دستور عام 1928 بعد إلغاء المواد التي فرضها المندوب الفرنسي سابقاً, و تم تصديق الدستور الجديد وأقسمت الحكومة عليه وبموجبه تم إقرار الحكم في سوريا (نظام جمهوري رئاسي برلماني وسوريا دولة موحدة ( دولة بسيطة). وتضمّن الدستور الإدارات التالية:

1 ـ مجلس النواب: وهو سلطة تشريعية مدة الولاية خمس سنوات, يتم انتخاب أعضائه على مرحلتين من قبل الذكور فقط, ويتم انتخاب السلطة التنفيذية تحت رقابتها وإشرافها, وتتألف الحكومة من رئيس الدولة ومجلس الوزراء.

2 ـ السلطة التنفيذية: تتألف من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء, ويتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس الشعب والذي بدوره يقوم بتكليف شخص ما بتشكيل الحكومة ( الوزارة), ولا بدّ من التنويه بأن انتخاب رئيس الجمهورية من قِبل البرلمان يمنح البرلمان حق الرقابة المباشرة على الحكومة التي تتضمن الرئيس ورئيس الوزراء ووزرائه.

ـ رئيس الجمهورية: يتم انتخابه بشكل مباشر من قبل البرلمان لمدة خمس سنوات, ولا يجوز تجديدها مرة أخرى.

شروط الترشح لرئاسة الجمهورية: 1ـ  أن يكون مسلماً. 2ـ  أتمّ الخامسة والثلاثين من عمره. 3 ـ لا يجوز الجمع بين منصب الرئاسة وعضوية مجلس الشعب.

ومنح الدستور رئيس الجمهورية حصانة ضد المحاسبة ولم يستثنِ من ذلك إلا حالة خرق الرئيس لمواد الدستور والخيانة العظمى, ورفع عنه المسؤولية تجاه ما يقوم به الوزراء من أعمال, وبذلك توجّب على أيّ عمل تنفذه الوزارة موافقة الوزير المختصّ, وتحمّله المسؤولية أمام البرلمان, ويُعتبر هذا استثناءً على ما جرى عليه القانون, ففي حقيقة الأمر الرئيس مسؤول عن أعمال وزرائه كونه هو من قام باختيارهم, فمن الأولى أن يكون مسؤولاً عن الأعمال التي يقوم بها الوزراء مسؤولية مباشرة أمام البرلمان.

ونجد هنا أن الدستور لم يذكر ولم يحدد جنس المرشح لمنصب الرئاسة إن كان ذكراً أم أنثى.

3 ـ مجلس الوزراء: يتم تعيين رئيس مجلس الوزراء من قبل رئيس الدولة, ويتم تكليفه بتشكيل الحكومة التي يتم اختيار وزرائها من قبل رئيس الدولة, بناءً على اقتراح الأسماء من قبل رئيس الوزراء, ويتألف مجلس الوزراء من اثني عشر وزيراً, وباعتبار أن رئيس الدولة تم انتخابه من قبل مجلس النواب, وهو بدوره قام بتعيين مجلس الوزراء فالمجلس يُعتبر مسؤولاً مسؤولية مباشرة أمام مجلس النواب, ولا يوجد مانع من الجمع بين عضوية مجلس النواب والوزارة.

4 ـ المحكمة العليا: يتم اختيار أعضاء المحكمة المؤلفة من خمسة عشر عضواً, ويتم تعيين ثمانية منهم من بين أعضاء البرلمان والسبعة المتبقّون يتم تعيينهم من قبل هيئة محكمة التمييز في بداية كل عام, ويتم اختيارهم من بين جهابذة القانون والقضاة, وتختصّ المحكمة بمحاكمة رئيس الجمهورية في حال الخيانة العظمى وخرقه للدستور, بالإضافة إلى مهمتها كمحكمة دستور, تنظر في الدعاوى المقامة حول عدم دستورية أي قانون يصدره مجلس النواب.

وبتاريخ 5 حزيران 1944 صدر بيان مشترك بين الحكومة الفرنسية والحكومة السورية وتضمن البيان إقراراً من الحكومة الفرنسية بتسليم جميع الدوائر الحكومية التي كانت تمثل المصالح المشتركة بين الدولتين للحكومة السورية, وكانت تلك بوادر أمل بالاستقلال, غير أن فرنسا وتحت ضغوط الحرب العالمية الثانية أوضحت رغبتها بالإبقاء على الجيش الفرنسي في سوريا، وطلبت ذلك بشكل رسمي من الحكومة السورية, إلى جانب انخراط القوات السورية العسكرية تحت إمرة الجيش الفرنسي, وبعد مداولات تم رفض طلب الحكومة الفرنسية بدعم من البرلمان السوري, على إثرها قامت القوات الفرنسية بمحاصرة البرلمان السوري في 29 أيار 1945 وطلبت من حرس المجلس بأداء التحية للعلم الفرنسي, فرفض الحرس تحية العلم الفرنسي, فقامت القوات الفرنسية بقصف البرلمان وقصف بعض أحياء دمشق بالمدافع والدبابات, وتم إلقاء القنابل وعمّت الفوضى المدينة وشاعت حالات النهب والسلب, وعلى إثرها تحركت القوات البريطانية المرابطة في سوريا باتجاه القوات الفرنسية التي عادت إلى مقراتها. وتحت الظروف والمتغيرات الدولية, قامت فرنسا بإجلاء جيشها عن سوريا بتاريخ 17 نيسان عام 1947 لتنتهي حقبة من الاحتلال لسوريا.

من خلال التمعّن في الحكومات التي توالت على سوريا لا نجد أي تمايز أو تناحر بين المكونات السورية, فالأكراد أكثر من مرة تولوا السلطة والمسيحية والعلوية والسنة كذلك, لم نجد أي اعتراض من قبل أي مكوّن على شخصية تعود لمكون آخر, فالشعب السوري كان أمة وطنية لا تدين بولائها لأي دين أو قومية أو طائفة, فقد كان فارس الخوري المسيحي عام 1944 رئيس مجلس الوزراء و وفي ذات الوقت وزيراً للأوقاف الإسلامية, ومرّ بنا الشهيد يوسف العظمة الكردي وزيراً للحربية وهاشم الأتاسي, والدكتور حسني البرازي, لم يجدوا اعتراضاً على قوميتهم أو دينهم أو طائفتهم.

سنرى كيف ظهر الصراع الطائفي لاحقاً بعد ظهور الأحزاب القومية التي سعت إلى بناء أمة حزبية بدلاً من الأمة الوطنية, مما جعل الشعب السوري ذا تماسك وبنية وطنية هشّة, فقد عرّف حزب البعث العربي الشعب العربي “هو كل من يؤمن بالأهداف الحزبية لحزب البعث”, فالعربي الذي لا يؤمن بأهداف حزب البعث لا يُعتبر عربياً, والأرمني الذي يؤمن بأهداف حزب البعث يُعتبر عربياً, فسعت الأحزاب القومية إلى بناء مجتمع الأمة الحزبية بعيداً عن الأمة الوطنية التي تؤمن بالانتماء الوطني. وسنرى لاحقاٍ تأثيرات حزب البعث على تفكك المجتمع السوري.

 

المراجع.

1ـ حضارة الفرات الأوسط” البليخ” ـ محمد العزو ـ 2009ـ دار الينابيع

2 ـ تاريخ القانون المصري ـ د.محمود سلامة زناتي ـ 1980

3 ـ وقائع ثورة آرارات 1927ـ 1930 ـ سلمان عثمان ـ كوني رش ـ 1998

4 ـ يوسف العظمة ـ غسان كلاس ـ دار حازم ـ 2001

5 ـ دراسة حول الأكراد ـ ب ـ ليرخ ـ ترجمة د. عبدي حاجي.

6 ـ صلاح الدين الأيوبي ـ السيرهاملتون.آ. ر. جب ـ حررخا د. يوسف ايبش.

7 ـ أضواء على الحركة الكردية في سوريا ـ عبد الحميد درويش ـ 2000

8 ـ أكرم حوراني رجل التاريخ ـ حمد حمد ـ دار بيس ـ 1996

9 ـ هؤلاء حكموا سوريا ـ د. سليم المدني ـ دار الوار ـ 1996

10 ـ مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ د سام سليم دلّة ـ 2002

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كاتب

التعليقات مغلقة.