مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

بإيجاز مبسّط عن الشرق الأوسط

أحمد عاشور

أحمد عاشور
أحمد عاشور

سمّي الشرق الأوسط نظراً لموقعه الجغرافي من شرق الأرض، حيث أنّ منطقه الشرق الأوسط تربط بين ثلاث قارات؛ (آسيا وأفريقيا وأوروبا) وجميعها تطل على البحر الأبيض المتوسط وتربطهم حضارات.

ومعظم دول الشرق الأوسط من الوطن العربي، ويعد مقرّاً للكثير من الديانات؛ منها اليهودية، والمسيحية، والإسلامية، ويشكل العرب أكبر مجموعة عرقيّة في الشرق الأوسط، وبعدها الأتراك واليهود والأقباط، ويتميّز الشرق الأوسط بالجو المعتدل والحار، مع الكثير من الأنهار الكبيرة التي توفر المياه للريّ والزراعة، ويعد الشرق الأوسط من أقوى الاقتصادات في العالم؛ وذلك بسبب موقعه الاستراتيجي، وأهمّيته للتجارة والسفر، ويحتوي على موارد طبيعيّة ضخمة في كل أنحائه.

يحتوي الشرق الأوسط على مجموعة كبيرة من الحضارات والإمبراطوريات التي نشأت وتشكلت به، حيث بدأت بالحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين والإمبراطورية الفرعونية في مصر التي شكّلتْ أولى وأقدم الحضارات في العالم، لكن بعد عدد من الغزوات والحروب ظهرت عدد من الإمبراطوريات القديمة الأوسع والأقوى، ومنها حضارة الفرس والإغريق، ومن بعدها ظهرت الحضارة الرومانية، ونشأت جميعها في قلب الشرق الأوسط، وبعد مرور عدة قرون ولد السيد المسيح – عليه السلام – في فلسطين، ونشأت الديانة المسيحية وانتشرت في الشرق الأوسط ومع ظهور الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية في الشرق الأوسط، بدأت الفتوحات الإسلامية والتوسع ضمن الشرق الأوسط، وبدأت الإمبراطورية الإسلامية في الانتشار والتوسع، واستمرّت إلى عهد الإمبراطورية العثمانية، التي تعد آخر إمبراطورية حكمت الشرق الأوسط.

وبعد هزيمة العثمانيين من قبل المملكة البريطانية وحلفائها في الحرب العالمية الأولى، جاء الاستعمار الغربيّ، وبدأ التقسيم والانتداب البريطاني الفرنسيّ، وفي هذه الفترة تم إطلاق مصطلح الشرق الأوسط، وبعد الاستقلال التامّ الأوروبيّ، وتقسيم الشرق الأوسط إلى عدد من الدول، وظهر مصطلح دول العالم الثالث أو الشرق الأوسط الذي يشمل الآن مخزوناً نفطيّاً هائلاً يساعد في تحسين مستوى الحياة في بعض دول الشرق الأوسط، وهذا ما جعله مطمعاً للدول الاستعمارية.

إنّ السؤال الذي قد يتراود إلى الأذهان هو؛ ما هي دول الشرق الأوسط؟ دول الشرق الأوسط بعد عمليات الاستعمار الأوربي وتقسيم الشرق الأوسط: إذْ ظهرت دول وأقاليم بتعريفات جديدة منتشرة على قارات العالم القديمة، وهي 18 دولة متفرقة معظمها من العالم العربي حيث يطل الشرق الأوسط على القارة الأوربية ويضم تركيا وأحيانًا يتم ضم دول اليونان قبرص إلى دول الشرق الأوسط، وفي المقابل يضم الشرق الأوسط عدداً من الدول الآسيوية؛ وهي سوريا ولبنان والعراق وإيران، وقطّاع غزة والأردن والمملكة العربية السعوديّة والكويت واليمن وعمان والبحرين وقطر، ويمتد الشرق الأوسط إلى قارة أفريقيا ليضمّ مصر وليبيا والسودان، ومن شمال أفريقيا يضم تونس والجزائر والمغرب العربيّ والتعريف الثابت لمصطلح دول الشرق الأوسط هو دول الإمبراطورية العثمانيّة، والتي كانت تحكمها، وبعد انهيار الدولة العثمانية ظهر مصطلح الشرق الأدنى، أو الشرق الأوسط وفي رأيي فإنّ الموقع له أهمّيّة استراتيجية تربط العالم أجمع.

كان لحضارات الشرق الأوسط  العديد من المعابر إلى أوروبا، ومنها الأندلس، وقد درس طلاب أوروبا في جامعات الأندلس الإسلاميّة، ونقلوا علومها إلى بلادهم، ودرّس الأساتذة المسلمون في الجامعات الأوروبيّة، وكانت هذه الجامعات ذات طراز إسلاميّ، مثل جامعة مونبيليه في فرنسا.

الحروب الصليبية: احتكّ الأوروبيون بالمسلمين في الحروب التي دارت بين العالم الإسلامي والعالم الأوروبي، وتعلّموا منهم التجارة ما بين العالمين؛ الإسلامي والأوربي، وكشفت أعمال التنقيبات عن وجود عملات إسلاميّة في أوروبا الشماليّة وفنلندا. من خلال انتشار الإسلام في بعض مناطق أوروبا الشرقية وغيرها من المناطق. والفتوحات الإسلاميّة وما تمّ نقله إلى البلدان المفتوحة، ومن خلال الرحّالة المسلمين الذين طافوا في العالم الأوروبي.

تأثر عدد كبير من علماء الغرب بالحضارة الإسلاميّة الراقية، حيث تعرّفوا على علماء المسلمين، واستفادوا منهم، وكان من أهم هؤلاء العلماء: أديلا ردأوف  الذي زار بلاد المسلمين، واطلع على كثير من العلوم في البلاد الإسلامية، ونقل معلومات مهمّة عن الحضارة الإسلاميّة، وتأثر علماء أوروبا بالإسلام، فاهتمّوا بالترجمة من الثقافة العربيّة الإسلاميّة إلى اللغات الأوروبيّة، وكان للمفاهيم الإسلاميّة الوقع والأثر الكبيرَين في نفوس الأوروبيين، وانتشرت في الممالك الأوروبيّة العديد من الكلمات العربيّة.

علاقه الشرق بالغرب: بالنسبة للحضارات، فقد كانت العلم الذى أضاء العالم، وتمّ البناء عليه في تطوير العالم، أما الصراع بين الغرب والشرق فقد تمثّل بالصراع بين الإسلام والمسيحية، فبعد أن انتشر الإسلام، ووصل إلى الصين آسيوياً، وفرنسا أوربياً، فكان لا بدّ من مواجهته. وكانت أولى المواجهات؛ هي بالحروب الصليبية التي جعلت من الصليب شعاراً للقضاء على الإسلام والمسلمين، ومعروف لنا كيف صدّ القائد “صلاح الدين الايوبي” للصليبيين.

لسنا في مقام التعريض بالمسيحيّة، لكنّ شعار هذه الحملة كان الصليب، أمّا المسيحيون فقد كانوا ولا زالوا يعيشون في المجتمع الإسلامي، ومعروف دورهم ومشاركتهم في بناء الحضارة الإسلامية، فأغلب المترجمين في العصر العباسي وأهم الأطباء كانوا من المسيحيين، وكانوا يحصلون على مكانة متميزة عند الخليفة العباسي يحسدهم عليها المسلمون أحياناً.

أيضا تمثّل الصراع في العصر الحديث في الاستعمار، وقد تكلّمنا آنفاً عن دور الاستعمار في تشكيل صورة الغربي في ذهن الشرقي والعربي، والذي تمثّل في الاستشراق بكل إيجابياته رديفا له، الاستشراق الذي كان من أهم أهدافه التخلص من الإسلام. مثل هذه الرؤية تبناها أغلب المستشرقين لا سيما “رينان” و”كارل هنريش بيكر (م 1933) وسنوك هيرفونيه (م 1936). فضلاً عن المدارس والحركات التبشيرية في كل من لبنان والعراق وسوريا وليبيا والمغرب وتونس والجزائر.

ختاما، لا يفوتنا أن نذكر بالطروحات المعاصرة التي سادت في الفكر الغربي متمثلة بأطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما وصدام الحضارات لهنتكتون، فضلا عن أطروحة توفلر حول حضارة الموجة الثالثة، والتي تصب كلها في خدمة فكرة “العولمة” التي لم تبق في إطار كونها فكرة، بقدر ما كان الغرب بات ساعياً، ولا زال إلى تطبيقها، والتي تذهب إلى تكريس المقولة السابقة المؤمنة بمركزية الغرب، وهامشية الشرق، أو التي تقسّم العالم إلى بلدان شمال وبلدان جنوب، سادة وعبيد، ضمن مفهوم “القرية الكونية” الذي يكرس مفهوم التبعيّة، ومحاولة خلق مجتمعات استهلاكية تدين باستهلاكها للمجتمع المنتج متمثلا بالمجتمع الغربي والأمريكي تحديدا، والذي يجعل مفهوم “الدولة الرخوة” قابلاً للتطبيق، بقصد إلغاء الهويّات الوطنية، وتذويبها ضمن دولة المركز، وذلك عبر نشر ثقافة وتقاليد وحضارة هذه الدولة التي تتمحور حول محاولة المرادفة بين “العولمة” و”الأمركة”، من خلال تقزيم أوربا، وتهميشها، متمثلة بفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وبناء رؤية عن الإسلام لا تبتعد كثيراً عن الإسلام الذي صوّره المستشرقون سابقاً، وهو إسلام متطرّف يلغي الآخر بوصفه يشكّل خطراً على الثقافة المسيحية، لذلك لا بدّ من مواجهته؛ كونه يشكل آخر معاقل التهديد للثقافة الليبرالية الغربية لا سيما الأمريكية، بالخلاص منه نصل إلى أنّ نهاية التاريخ متمثلة بتتويج الليبرالية على عرش العالم، كما يقول فوكوياما. فالعلاقة بينها كانت على مر العصور صراعاً إمّا دينيّاً، أو من أجل ثروات الشرق.

 

المصدران

  • موسوعة الحضارات القديمة / هاشم عبود الموسوي
  • الحضارة الإسلامية وتأثيرها العالمي / عبد الحميد حسن

 

كاتب

التعليقات مغلقة.