مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

العلاقات الكردية الكلدو- آشورية- السريانية

الباحث/ عبدالله شكاكي

عبدالله شكاكي
عبدالله شكاكي

مقدمة

يعتبر الكلدان والآشوريون والسريان من الشعوب القديمة الذين استقروا في الجزء الجنوبي والأوسط من جغرافية ميزوݒوتاميا- بلاد الرافدين، وقد عاشوا بجانب أسلاف الكرد من الگوتيين، واللولوبيين، والكاشيين، وشعوب سوبارتو من الخوريين وغيرهم سكان البلاد الباردة العليا في شمال ميزوݒوتاميا لآلاف السنين، وينسب إليهم جميعاً حضارة ميزوݒوتاميا الذين شاركوا وأكملوا مع البناة الأوائل من السومريين الذين لم يثبت انتماؤهم العرقي حتى تاريخه.

يصنف بناة حضارة ميزوݒوتاميا إلى مجموعتين رئيسيتين، وهما: المجموعة الزاگروسية التي تنتمي إلى شعوب جبال زاگروس- طوروس المكونة من: الگوتيين، واللولوبيين، والكاشيين، وشعوب سوبارتو أي كردستان القدماء، وقوامهم الخوريون الذين انضم إليهم فيما بعد الشعوب الآرية كالميتانيين والميديين، أما المجموعة السامية فهي التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية المكونة من: الأكاديين، والآموريين، والآراميين، أما الآشوريون وهم أيضاً من شعوب ميزوݒوتاميا وساهموا في بناء حضارتها فلم يثبت انتسابهم العرقي لأي من المجموعتين رغم سامية لغتهم حيث بقي مكان إقامتهم الأولى مجهولاً، يعتقد بعض المؤرخين أنهم من شعوب زاگروس لكن تبدلت لغتهم تحت تأثير اللغة الأكادية السامية.

الكلدان:

كانت قبيلة شبه بدوية تعيش في المنطقة الجغرافية التي تقع جنوب مدينة بابل (عراق اليوم) وتدعى كلديا، وقد أخذت اسمها منها كونها استوطنتها لأول مرة، كما يدعى هذا الشعب أحياناً بـ”البابليين” نسبة لمدينة بابل التي كانت عاصمة الامبراطورية الكلدانية التي قامت إثر تحالفهم مع الميديين وقضائهما نهائياً على عدوهما المشترك وهي الامبراطورية الآشورية بعد تدمير عاصمتهم نينوى وذلك سنة 612 ق.م، وكان أشهر حكام بابل “نبوخذ نصّر” الذي تزوج من “ميداس” كريمة الملك الميدي “كي آخسار” تمتيناً للتحالف، وقد عمرت دولتهم حتى سنة 539 ق.م، ثم اندثر اسمهم بعد وقوعهم تحت السيطرة الفارسية ثم الاسكندر المكدوني، وبعد السيطرة العربية الإسلامية اعتنق بعضاً من بقاياهم دين الصابئة أو الإسلام، وآخرون اعتنقوا المسيحية على المذهب النسطوري، وهم يتحدثون بلهجة آرامية شرقية تختلف عن السريانية التي هي الآرامية الغربية، ويشتهرون بالتنجيم وقراءة الكف وينتشرون في ولاية الموصل ويشكلون أكثر من نصف مسيحيي العراق..

الآشوريون:

يعود ظهور الآشوريين على مسرح أحداث ميزوݒوتاميا إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد، لكن حضورهم القوي يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد إثر تأسيس إمبراطورتيهم بشكل فعلي، عندما أتخذوا من “آشور” إلهاً لهم وتسمّوا باسمه، وقد اتخذوا مدناً عدة عواصم لإمبراطوريتهم مثل: آشور، وشخنة (تل ليلان) ونينوى وحران، ومن ثم اصطدموا بالممالك الخورية- الميتانية وقضوا عليها في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط برمتها تحت سلطتهم، وقد سقطت الامبراطورية الآشورية سنة 612 ق.م على أيدي التحالف الميدي- الكلداني، ومن ثم اندثر الشعب الآشوري رويداً رويدا مع حلول القرن الخامس قبل الميلاد، وإن آخر عادياتهم الأثرية تعود إلى أعوام المائتين قبل الميلاد.

حقيقة المكون الكلدو- آشوري الحالي:

بعد اندثار الممالك الآشورية- الكلدية عاش من بقي منهم إلى جانب الشعب الكردي تحت ظل الدولة الميدية الكردية، ومن بعدها تحت السيطرة الفارسية واليونانية والݒارثية والرومانية والساسانية ثم البيزنطية المسيحية، وبعد السيطرة العربية الإسلامية دخل بعضهم إلى الدين الإسلامي للتخلص من الجزية، وكان قسماً منهم قد دخلوا المسيحية في وقت سابق.

استمرت الحياة المشتركة بين الكرد والمكونات المسيحية من الكلدو- آشور تحت مسمّى “النساطرة”، وقد وردت التسمية نسبة إلى الأسقف نسطوريوس الذي ولد في مدينة مراش الكردية وأخذ تعليمه الديني في انطاكية، وقد طرد من مجمع أفسوس الديني سنة 431 م لخلاف ديني، لكنه فتح مدرسة دينية في الرها، وانتشرت أفكاره بين مسيحيي كردستان في المناطق الحدودية بين العراق وإيران وتركيا حسب التسمية السياسية الحالية، وعاشوا بسلام ووئام مع الكرد، إلى أن حدثت الحروب العثمانية الروسية، حيث حاول الروس جذبهم إلى جانبهم كما تغلغلت البعثات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية بينهم، التي كانت تحت غطاء جمعيات خيرية في بدايتها، ثم التبشير بالمذهبية المسيحية المغلفة بخلفية سياسية، وتمكنت الإرسالية الكاثوليكية من إعادة قسم من أتباع نسطوريوس إلى الكاثوليكية وهم “الكلدان”، كما انضم قسم منهم إلى الكنيسة الروسية الأرثودوكسية، أما القسم المتبقي من نساطرة كردستان فقد عجزت البعثات عن إخضاعهم فقد دعتهم بـ”الآشوريين”.

يلحظ شبه تام بين الآشوريين  والكرد في الخصائص الفيزيولوجية والسيكولوجية كالخشونة والروح الحربية، لكن لغتهم آرامية شرقية، وننوه حسب مقال كتبه موفق نيسكو أن معظم عوائل الآشوريين والكلدان الجدد يحملون ألقاب العشائر الكردية مثل: زيباري، برواري، سورجي، بارزاني، داسني، جيلو وغيرهم” كونهم يعيشون ضمن المناطق والعشائر الكردية، وربما بعضهم من أصول كردية اعتنقوا المسيحية، حيث لا تختلف عاداتهم وأزياؤهم عن الكرد.

كما ننوه أن ما نشر من قبل معظم الباحثين وأغلبهم مسيحيون، حول عدم صحة انتماء الآشوريين والكلدان الحاليين إلى الأثنية القديمة في بلاد الرافدين غير ذات أهمية، فالآشوريون أدرى بذلك، وطالما أنهم اختاروا الانتماء لذاك الشعب العريق بمحض إرادتهم يستوجب احترام توجههم.

 السريان:

يعتبر السريان من أقدم الطوائف المسيحية في الشرق الأدنى وللتسمية دلالة دينية- مذهبية وليست قومية حسب شهادة المطران الأسير يوحنا إبراهيم أثناء لقاء معه في نهاية القرن العشرين، حيث المؤرخون اليونان هم من أطلقوا تسمية السريان عليهم تمييزاً عن الآراميين الوثنيين، بعد أن تخلّوا عن أصولهم الآرامية الوثنية، لكنهم يتكلمون لهجة آرامية غربية متميزة عن اللهجة الشرقية التي يتكلم بها الآشوريون والكلدان الحاليين، كانت توجد طائفة كبيرة من السريان في جبال طور عابدين في ماردين شمال كردستان لكن أغلبهم هاجروا إلى سوريا ويتكلمون لهجة خاصة تدعى “طورية”، وكان أسلافهم الآراميين قد شكلوا عدداً من الممالك الصغيرة قبل الميلاد منها في حران و”بيت آغوشي” في تل أرفاد شمال حلب، وقد دخلوا في صراع مع الحثيين والآشوريين والخلديين (سكان آرارات)، وأغلب السريان ينتسبون إلى الكنيسة السريانية الأرثودوكسية، لكن بعضهم تبنّوا الكاثوليكية بفعل التبشير الكاثوليكي، ويتواجدون في سوريا وفلسطين ولبنان وماردين وقليلاً في الموصل، كما لهم طائفة في الهند يرأسهم “مفريان” وهي مرتبة دون البطريرك، ويبلغ تعدادهم حوالي نصف مليون نسمة.

 

الإرساليات المسيحية  

     كانت البعثات التبشيرية المدفوعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد باشرت أعمالها منذ سنة 1820، بتقديم المساعدات الإنسانية للفقراء كالخدمات الطبية والمواد الغذائية والمؤسسات التعليمية تمهيداً لهدايتهم إلى الكاثوليكية أو البروتستانتية، حيث كان مسيحيو الشرق يعتنقون الأرثودوكسية، لكنها كانت تبيت خلف تلك الأعمال أهدافاً اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وقد ركزت بداية على الطوائف الفقيرة من الدروز والمسيحيين من الأرمن والسريان في لبنان وسوريا وإيران والعراق، كما عمدوا في لبنان إلى الاهتمام بالثقافة العربية لتكون عصر النهضة المرتقبة مستندة على الطوائف المسيحية الموالية للغرب، لكن نشاط البعثات الأمريكية البروتستانتية كانت الأقوى لأنها كانت تحظى بدعم حكومي مباشر، حيث كان هوى الكاثوليك مع فرنسا والأرثودوكس مع روسيا، وقد بلغ عدد المؤسسات التبشيرية البروتستانتية الأمريكية أكثر من مائتي مؤسسة، وثلاثة وثلاثون مدرسة متنوعة إضافة إلى الجامعة الأمريكية في لبنان التي شيّدت من قبل جمعية البروتستانت، أما الجامعة اليسوعية فقد شيّدت من قبل جمعية الكاثوليك الفرنسية وكلاهما في بيروت.

العلاقات الكردية مع الكلدو- آشور والسريان

عاشت المكونات المسيحية بسلام ووئام مع إخوانهم الكرد دون تمييز، وقد أشاد كثيرون من الرحالة الأوربيين أنه من الصعب التمييز بين الكردي وأحد المكونات المسيحية الأخرى من حيث العادات والتقاليد وحتى اللغة حيث أغلبهم يتحدثون الكردية مثل الكرد، ولم يلحظ أي تمييز أو خلافات دينية بينهم عبر التاريخ، حيث من المعروف أن الكرد وسطيون وبعيدون عن التطرف الديني، واستمر العيش المشترك بسلام حتى القرن التاسع عشر ويثبت ذلك كثيراً من القصص والملاحم الشعبية، لكن الأمور تغيرت بفعل العامل الخارجي وخاصة من قبل الروس والانكليز بعد اندلاع الحروب العثمانية- الروسية ومن بعدها الحرب الكونية الأولى.

بدأت التناقضات الأولى بين “الآشوريين” والكرد سنة 1844 عندما كان الأمير بدرخان يتهيأ لثورة في وجه الدولة العثمانية بغية تشكيل دولة كردية مستقلة، مع أن الآشوريين كانوا يتمتعون بحقوق متساوية مثل الكرد لمئات السنين في كنف أمراء برادوست وبوتان وهكاري، وكان الآشوريون قد نالوا حظاً أكبر من القهر والظلم الاجتماعي والديني من الدولة العثمانية، لكنهم ظهروا كمعارضين لثورة بدرخان بگ التي اندلعت سنة 1847، وربما كان السبب عدم اكتراث بدرخان بهم ولم يدعوهم للانضمام إلى الثورة ويطمئنهم على حقوقهم، وقد استغل الانكليز والأمريكان هذه الثغرة بتحريضهم  لمعارضتها، من خلال البعثات التبشيرية في أورميه وعن طريق رئيسهم البطريرك “مار شمعون بنيامين”، ولذلك أعلن الآشوريون راية العصيان في قرية “تيارێ” على أمير هكاري وحركة بدرخان بگ، وامتنعوا عن دفع الضرائب العادية المستحقة وتحصنوا في قلعة تيارێ، بعد أن تمكنوا من الاستحواذ على الأسلحة اللازمة من الانكليز، وفي خطوة أخرى أعلنوا عن قيام دولة مستقلة انطلاقاً من قلعة تيارێ”، وأشهروا سلاحهم في وجه بدرخان لإضعافه وإخماد ثورته، حيث كان الانكليز يريدون إفراغ إقليم هكاري من الكرد وجعله منطقة آشورية ذات حكم ذاتي، كما كان الانكليز والأمريكان يعملون لتحجيم الدور العثماني من خلال تأليب مكونات المجتمع العثماني على بعضها وليس مساعدتها.

وبسبب الضغط الذي مارسه بدرخان على الآشوريين أجبر مار شمعون ورجاله إلى الفرار نحو الموصل، وإلقاء أنفسهم في حضن الباشا العثماني ولم يكن هذا لصالحه، مع أن الدكتور گرانت رئيس البعثة البروتستانتية حاول إجراء المصالحة بينهما لكنه فشل في مسعاه بسبب تعنت بدرخان، وقد وقع خبر تشتيت القوة الآشورية وقع الصاعقة على ضابط الارتباط الانكليزي “سير ستراتفورد كولينگ”، حيث أبرق إلى السلطان عبد المجيد طالباً منه إرسال نجدات عسكرية سريعة لأن الكرد سيعلنون عن قيام دولة كردية مستقلة، كما تحرك “ستيڤن” القنصل الانكليزي في مدينة سامسون التركية نحو الموصل، حيث مارس ضغطاً على الباشا العثماني للتدخل الفوري ولجم حركة بدرخان، لكن الباشا لم يحرك ساكناً.

لكن الملفت أنه بعد مرور سبع سنوات على التناقض الكردي- الآشوري اندلعت انتفاضة يزدان شير سنة، وقد شارك الآشوريون إلى جانب المنتفضين الكرد بحماس سنة 1854، ويشير هذا إلى أن يزدان شير استوعب الخطأ الذي وقع فيه بدر خان وتجاوزه، لكن بريطانيا تحركت فوراً واعتبرت تحرك يزدان شير تهديداً لمصالحها وتعاظماً للدور الروسي، حيث تمكنت بألاعيبها من إجهاض الانتفاضة.

أما في انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري سنة 1880 مع أن قائدها شيخ ديني مسلم، فقد أيدهم الآشوريون أيضاً وعلى رأسهم البطريرك مار شمعون السابق ذكره ووقف مؤيداً إلى جانبه، حيث كان عبيد الله لا يفرق بين المسيحيين والكرد ويزور كنائس الأرمن والآشوريين، لكن التقارب الكردي- الآشوري أقلقت بريطانيا مجدداً، التي كانت تريد من الآشوريين قمع الانتفاضات الكردية والوقوف إلى جانب الدولة العثمانية وحماية المصالح البريطانية، كما كان الانكليز يلعبون دوراً عدائياً عند حدوث أي تقارب بين الكرد والأرمن أيضاً، ولما وصلت قوات الانتفاضة إلى مدينة أورميه وعلم الانكليز بانضمام ثلاثمائة مسلح آشوري إليها، تمكنوا من تحييد الأرمن والآشوريين والحيلولة دون انضمامهم إلى انتفاضة الشيخ عبيد الله.

العلاقات الكردية- المسيحية إبان الحرب الكونية الأولى

عمل الأتراك بغية التحرر من قبضة الانكليز والروس وبناء العالم الطوراني اعتماداً على ألمانيا، ومع بدء توغل الجيش الروسي في جنوب القوقاز وهجوم الجيش البريطاني على البصرة والزحف شمالاً أصبحت كردستان في أتون الحرب، وكان لا بد من إقحام الكرد إلى أحد طرفي الحرب، وبسبب اصطفاف المسيحيين من الأرمن والآشوريين إلى جانب الحلفاء (الروس والانكليز وفرنسا) أو ما سمي بـ”الجبهة المسيحية”، مع وعود بمنحهم دولاً مستقلة، لم يبق أمام الكرد خيار سوى الاصطفاف إلى الجانب العثماني ودخول الحرب رغماً عنهم، لأن الكرد لم يتمكنوا من عقد صداقات مع الروس والانكليز بسبب غياب تنظيم يجمعهم من جهة، وعدم استساغة الانكليز والروس لصداقة الكرد ربما لأسباب دينية، وإن العلاقات التي عقدت معهما لم تتجاوز مستوى التكتيك في أحسن الحالات، وكانت علاقاتهم مع المسيحيين كذلك بالنمط نفسه، فالعثمانيون كانوا يرون في المسيحيين العدو الأول يليهم الكرد، في حين كان الروس والانكليز يرون في الكرد العدو الأول يليهم المكونات المسيحية، وقد كتب الدبلوماسي الروسي چاخوفسكي: تريد روسيا إبادة جميع المسلمين، في حين كان العثمانيون يريدون إبادة جميع المسيحيين.

فرض التنسيق العسكري بين الحليفين الروسي والبريطاني فتح طريق تواصل بين جيشيهما إبان الحرب، أي بين البصرة وجنوب القوقاز وهذا يمر عبر كردستان، بغية إيصال الذخائر والمؤن حين الحاجة، ولم يكن اختيار هذا الطريق عبثاً حيث يوجد على أطرافه جيوب مسيحية من الأرمن والآشوريين والكلدان والسريان، ولذلك جاهدتا مسبقاً لخلق جبهة مسيحية بين القوقاز وولاية الموصل التي تضم كافة جنوب كردستان ومن ضمنها الشعوب المسيحية، وقد قامت الدولة العثمانية من جانبها بالمثل إلى خلق جبهة إسلامية موازية قوامها اللاز والشركس والكرد والعرب، مستغلة العواطف الدينية الإسلامية، وعندما زحف الجيش الروسي نحو كردستان أبدى مسلحو حزب الطاشناق الأرمني استعدادها للتعاون مع الروس، أما الآشوريون الذين كانوا في حالة التردد، لكن بعد الضغط الروسي على البطريرك “مار شمعون” في أورميه، انضمت ميليشياتهم مكرهة إلى الجيش الروسي، بعد وصوله إلى بلدة “باشقلة” القريبة من مدينة “وان”، وكان الآشوريين أيضاً يحلمون بتأسيس كيان سياسي يجمعهم في أورميه.

لانعدام تنظيم جامع للكرد أبدت بعض العشائر الكردية تعاونها مع الروس كالعشائر المكرية، في حين تعاون الشكاكيون مع العثمانيين، وبالتالي حدث عداء بين المسلمين والمسيحيين من جهة، وبين الكرد أنفسهم وخاصة من الشيعة والسنة من جهة ثانية، حيث نتج عنها حرق عشرات القرى ومقتل آلاف الكرد في أطراف مدينتي أورميه وسلماس، وإعدام رئيس عشيرة مكري من قبل العثمانيين واعتقال سمكو خان رئيس عشيرة شكاك من قبل الروس ونفيه إلى جورجيا، لكن الكرد الذين تحالفوا مع الشركس واللاز إلى جانب العثمانيين تمكنوا من طرد القوات الروسية واستعادة مدينتي وان و أورميه، وبالتالي كانت التحالفات المسيحية والإسلامية بمثابة كارثة حلت على شعوب ومكونات كردستان التي انشقت على بعضها بفعل العامل الخارجي في الحرب الكونية الأولى، حيث عمدت تركيا إلى تفريغ البلاد من الطوائف المسيحية وإذلال الكهنة وتحويل الكنائس إلى مساجد بدعوى نصرة الهلال.

 

العلاقات الكردية المسيحية بعد الحرب الكونية الأولى:

أثناء الاحتلال الروسي لأورمية وسلماس مركز عشائر الشكاك هاجرت عدداً من العشائر الآشورية من اقليم هكاري ربما بتوجيه من زعيمهم “مار شمعون”، بعد أن حنثت روسيا بوعودها تقديم الأسلحة إليهم، لكنهم تسلموا الأسلحة من الجيش الروسي فور وصولهم إلى أورميا، وبانسحاب الروس منها سنة 1917 إثر قيام ثورة لينين كان بإمرة مار شمعون خمسة آلاف مسلح، حيث كان يعمل لتأسيس كيان سياسي مستقل في أورميه وسلماس، ولكون غالبية سكانهما من عشائر الشكاك الكردية فقد دعا زعيمهم سمكو خان البطريرك مار شمعون إلى قرية قريبة من سلماس للحوار وحل الخلاف ووأد الفتنة، وأثناء الحوار تعرض مكان الاجتماع لوابل من الرصاص قتل على إثرها البطريرك مار شمعون وبعضاً من حراسه، وكان هذا الحادث بداية القطيعة والعداوة بين الآشوريين والكرد، حيث اتّهِمَ سمكو خان بتدبير المؤامرة، لكن سمكو نفاها وردَّ التهمة إلى جماعة البطريرك، وبقي الحادث لغزاً لدى المؤرخين حتى اليوم، وربما كان الحادث مفتعلاً من قبل جهة أجنبية مثل روسيا أو بريطانيا أو تركيا حيث لهم مصلحة في ذلك.

وبالتالي لم يكن مشروع التبشير الكاثوليكي أو البروتستانتي ومن بعدها تشكيل الجبهة المسيحية إبان الحرب الكونية الأولى من أجل حماية المسيحيين أو تأمين أية حقوق سياسية لهم، وإنما كان من أجل تأليب الشعوب العثمانية وخاصة الكرد والمسيحيين على بعضهم وتفتيتهم، حيث كانت مصلحة جميع الدول المتدخلة في الحرب وخاصة بريطانيا وروسيا تحجيم الدولة العثمانية والسيطرة عليها وليس إزالتها، وإن مسألة حق تقرير المصير للشعوب حسب ما دعي “مبادئ ويلسون أو لينين”، وتقديم بعض المساعدات الغذائية والطبية أو العسكرية لم تكن سوى ذر الرماد في العيون، سواء بالنسبة للكرد أو الأرمن أو شعوب الكلدو آشور والسريان، وتستمر تلك السياسة نفسها حتى اليوم، بغية استثمار الشعوب المغلوبة على أمرها وابتزاز الدولة التركية، ومثالها الحي وثيقة سيڤر التي ولدت على أيديهم ميتة بعد أن أقرت بعض الحقوق للجميع، وكذلك ما يحدث الآن في شمال وشرق سوريا، حيث يعيش الكرد والمكونات المسيحية معاً بسلام ووئام بعد تضمين الحقوق الثقافية والدينية للجميع، حيث تم إطلاق الشيطان التركي بدعم من الدول الكبرى من أجل تدمير ما تبقّى من ثقافة وحضارة شعوب الشرق الأوسط، لتستغلها تلك الدول لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

مراجع :

– د بهنام ابو الصوف, جدل الهويات ما بين سكان العراق القديم (الاشوريون والكلديون ) و سكان العراق الحديث (الاثوريون والكلدان ).

– د. طه باقر , مقدمة في تاريخ الحضارات , الاشوريين واصولهم.

– رياض رشيد ناجي الحيدري , الاثوروين في العراق 1918- 1936

– شرف د.جورج ، من روسيا حتى قره باخ صراع القوميات في دول آسيا الوسطى والقوقاز ، مركز الدراسات الأرمنية بيروت 1998

قره مان عبدالله، وطن الشمس، الجزء الثالث، دار شلير قامشلو 2017.

– يوسف ملك خوشابا حقيقة الاحداث الاثورية المعاصر.

– موقع العراق- مقال موفق نيسكو.

بالكردية: Bozarslan Zekȋ, Nêrȋnek li dȋroka Kurdistanê, weşana  Doz, çapa yekê, Îstanbol 2004

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نموذج عن الإبادة الثقافية: كنيسة أرمنية في الحي الأرمني بمدينة عينتاب، يشير آثار نقش كتابي إلى تأسيسها سنة 1894 وأزيلت الكتابات الملحقة كما أزيل كل أثر يشير إلى المسيحية، استعمل المبنى كمستودع حتى سنة 1961 ثم أصبح مركزاً للشرطة، وبعدها مكباً للنفايات، وفي عهد الرئيس التركي تورگوت أوزال تحولت إلى جامع، بعد إضافة وصلة على برج الناقوس لتغدو مئذنة ودعي “Kurtuluş Cami” ويعني جامع التحرير، ومع ذلك بقيت معالم الكنيسة ودلالاتها العامة واضحة للعيان.

 

 

 

 

كاتب

التعليقات مغلقة.