مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

الدستور.. المعنى والتطور والمدلول

بقلم د. جلال زناتي

جلال زناتي
جلال زناتي
مدرس التاريخ والفكر السياسي
كلية التربية – جامعة الاسكندرية

نحاول هنا أن نعرض لمعنى وتطور الدستور وما هي أركانه وكيف تطور وما هي طرق وضعة من حيث النظم القانونية لذلك سأمر سريعاً عما أوردته في كتابي دراسات في تاريخ الفكر السياسي الذى صدر عن دار الكتب والدراسات العربية منذ أربع سنوات لذا سنشير الى: ما هو القانون ثم معنى وتطور الدستور.

تقديم

فالدستور هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد شكل النظام السياسي للدولة، وعلاقة الدولة بالفرد من الناحية السياسية فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والحريات العامة.

وأساليب نشأة الدساتير:

1 – أسلوب المنحة:

في مرحلة أولى من حياة الدول كان الحكام أيا كانوا ملوكا أم غير ذلك ينفردون وحدهم بتملك وممارسة السلطة وفي محورها السلطة التأسيسية سواء من الناحية القانونية أم من الناحية الفعلية. ومن ثم فقد ظهروا بمظهر المتفضل على شعوبهم بإصدارهم من جانبهم دساتير توضح في مظهرها الحد من سلطاتهم ووضع قيود عليها لصالح شعوبهم، أن هؤلاء الملوك أو الحكام تنازلوا بإرادتهم عن جزء من تملكهم للسلطة تجاه شعوبهم برضائهم ظاهرياً وان كانت تيارات التغيير قد أجبرتهم واقعياً على الإقدام على هذه الخطوة.

2 – أسلوب العقد أو التعاقد:

ظهر الشعب كعنصر متكافئ في أسلوب نشأة الدساتير عن طريق العقد أو التعاقد إذ يذعن الحاكم لسبب أو لآخر ترجمة لتيارات التغيير واتجاهات الشعب لنيل حريته والمشاركة في حكم نفسه بنفسه سواء تم ذلك عن طريق ثورة أو انقلاب أو إذعان الحاكم لإرادة الشعب خوفاً وتخوفاً وإقراراً بالحاجة الماسة إلى التغيير.

3 – أسلوب الجمعية التأسيسية:

وهذا الأسلوب يفترض قيام جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب “نيابة” عنه يناط بها مهمة وضع الدستور بحيث يكون الدستور الذى يصدر عنها واجب النفاذ باعتباره عن الشعب الذى مثلته.

4 – أسلوب الاستفتاء الشعبى:

هذا الأسلوب يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية وهو أسلوب الاستفتاء الشعبي. ويلاحظ أنه ليس بشرط أن تكون جمعية تأسيسية نيابية هي التي وضعت الدستور المطلوب الاستفتاء عليه وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية. قد قامت بتحضير مشروع الدستور، ثم من بعد يعرض على الشعب للاستفتاء كما حدث بالنسبة للدستور المصري سنة 1971.

نهاية الدساتير

1 – الأسلوب العادي وهو أسلوب السلطة التأسيسية:

تقوم السلطة التي وضعت الدستور بإلغائه بذات الوسيلة أو بوضع نهاية له.

2 – أسلوب الثورة أو الانقلاب:

هذه طريقة أصبحت مألوفة الآن خاصة في الدول الحديثة المولد. وهذا الأسلوب يلعب في الحياة العملية الدور الرئيسي عن طريق القوة من خلال انقلاب عسكري أو ثورة أيا كانت التسمية المهم إلغاء الدستور السابق وإصدار اعلان دستوري جديد.

سمو الدساتير: ويعنى أن يكون للدستور السمو على ما عداه من تشريعات وان يكون له مكانة الصدارة عليها، ومن ثم تلتزم جميع السلطات في النظام السياسي في الدولة بوجوب التقييد بنصوصه واحترامه وعدم الخروج على حدوده والالتزام به، كقيد حاكم في ممارستها لسلطاتها ومن بعد يمثل السياج العام للحقوق والحريات العامة. وسنعرض لتفاصيل ذلك في السطور التالية.

مفاهيم دستورية

تعريف الدولة: تعرف الدولة في العصر الحديث بأنها “جماعة من الناس منظمة سياسيًا تبسط سيطرتها على إقليم محدد يتمتع بالسيادة” ويعرفها فقهاء القانون الدستوري بأنها شعب يستقر في أرض معينة ويخضع لحكومة منظمة. ومن التعريف يتضح أن للدولة أركان ثلاثة هي: الشعب والأرض والحكومة. وعناصر الدولة, الشعب: يتكون الشعب من مجموع كبير من الناس تجمعهم الرغبة في العيش المشترك، وإن كان لا يمكن تحديد عدد مناسب أو حد أدنى وحد أقصى لعدد الناس أو أفراد الشعب إلا أن كثرة عدد السكان لا شك تعتبر عاملاً هامًا في ازدياد قدر الدولة وشأنها، وقد يتطابق تعريف الشعب مع الأمة وقد يختلف عنها كما هو حال الأمة العربية المقسمة إلى دول, والأرض: يستقر الشعب على أرض معينة سواء كانت هذه الأرض ذات مساحة كبيرة أو صغيرة، وقد أصبحت الأرض كعنصر من عناصر الدولة الثلاث تسمى بالإقليم الذي لا يشمل اليابسة فقط وإنما إلى جانبها المسطحات المائية التابعة لليابسة والفضاء الذي يعلو الأرض والبحار الخاضعة للدولة وفقًا لقواعد السلوك الدولي والحكومة: لا يكفي أن يكون هناك شعب يقيم على مساحة من الأرض لقيام الدولة بل لابد من وجود قوة أو سلطة أو حكومة لفرض السلطة على الشعب في إطار الأرض وأن تعمل هذه الحكومة على تنظيم أمور الجماعة وتحقيق مصالحها والدفاع عن سيادتها، وتستمد حكومة أية دولة شرعيتها من رضا شعبها بها وقبوله لها فإذا انتفي هذا الرضا والقبول فإن الحكومة تكون فعلية وليست شرعية مهما فرضت نفوذها على المحكومين ويضع البعض الاعتراف شرطاً رابعاً من الشروط الواجب توافرها للدولة سواء أكان ذلك اعتراف علني أو ضمني. لذلك فالشخصية المعنوية للدولة إذا توافرت العناصر الثلاثة – والرابع كذلك, وهي الشعب والإقليم والحكومة واجتمعت، قامت الدولة ككيان قانوني يجمع العناصر ويمثلها وأصبحت فردًا بين أفراد الدول التي تكون المجتمع الدولي، واكتسبت الشخصية المعنوية لتمييزها عن الشخصية الطبيعية الفردية أو لمجموعة من الأفراد، ولابد لهذه الشخصية المعنوية المجردة من أن يمثلها فرد طبيعي أو مجموعة أفراد يسمى أو يسمون (أصحاب أو ذوا السلطة)، ولا تتأثر هذه الشخصية المعنوية (الدولة) بموت أو تغيير ممثليها فتبقى حقوق الدولة لها ومقيدة بالالتزامات التي تعهدت بها وتظل القوانين التي سنت فيها مطبقة حتى وإن تغير شكلها ما لم يتم إلغائها صراحة أو ضمنًا، بالرغم من تبدل ممثلو تلك الدولة أو تغيير شكلها أو طريقة تعيين أو تسمية رأسها العلاقة بين عناصر الدولة مع تطور المجتمعات ومقتضيات إدارتها أبدع الفكر البشري عمومًا نظمًا سياسية مختلفة ومتنوعة، إلا أنها جميعًا تقوم على فكرة تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وذلك بتحديد اختصاصات الحاكم وحقوق المواطنين، وإقامة توازن بين سلطات الحكم وحقوق وواجبات المحكومين بما يؤمن الاستقرار وعدم طغيان الحكام. فالحاكم عادة ما يميل إلى الاحتفاظ بصلاحيات مطلقة على حساب الشعب، في حين تناضل الشعوب من أجل تقييد صلاحيات الحاكم وجعلها ضمن إطار التشريعات وبنصوص محكمة أصبحت يطلق عليها اسم الدستور تميزًا له عن التشريعات الأخرى التي تنظم أمور جزئية في المجتمع بينما ينظم الدستور مبادئ وأسس المجتمع وفلسفته وحقوق الأفراد فيه وصلاحيات الهيئات الحاكمة والعلاقة فيما بينها أو بينها والأفراد أو بين الأفراد أنفسهم والفصل في أية منازعات قد تنشأ في الدولة. ومدلول كلمة “الحكومة” قد يقصد بالحكومة نظام الحكم في الدولة وهو بهذا المعنى وسيلة أعمال السلطة العامة أو قيام الدولة بوظيفتها في المحافظة على سلامتها الداخلية والخارجية وحفظ السلام وتحقيق العدالة بين الشعب. وتستعمل كلمة الحكومة بمعنى الدولة أي مجموع الهيئات أو السلطات الحاكمة أو التي تديرها الدولة فيقصد بها هنا السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلا أن الحكومة قد يقصد بها قصرًا وتحديدًا السلطة التنفيذية فقط، أي رأس الدولة والوزراء ومساعديهم المباشرين، وقد يقصد بالحكومة فقط الوزارة فيقال أن الحكومة استقالت أي أن رئيس الوزراء والوزراء قدموا استقالتهم إلى رأس الدولة. وأعتقد أنه في العصر الحديث وفي أغلب الدول فإن لفظ الحكومة أو الإدارة هو اللفظ الأقرب دلالة إلى السلطة التنفيذية لتميزها عن السلطتين التشريعية والقضائية. وقد عرفها هادي العلوي في قاموس الدولة والاقتصاد بأنها: (هيئة تتولى السلطة التنفيذية في الدولة وتكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وتختلف الحكومة عن الدولة لأنها جزء والدولة كل تضم السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية).

نشأة الدساتير وتطورها التاريخي

مدلول كلمة “الدستور” في العالم المعاصر من النادر وجود دولة ليس لها دستور، وأصل كلمة دستور فارسي ومعناه الأساس أو القاعدة، وقد كانت بعض الدول تستعمل لفظ القانون الأساسي أو القانون النظامي قبل استعمال مصطلح دستور، إلا أن كلمة دستور بإيجازها ودلالتها وشيوع استعمالها قد اكتسبت الغلبة وأصبحت تتمتع بشيء من القدسية وهي الأكثر استعمالاً في الدول العربية الحديثة، أو مقابلها أو ترجمتها أو معناها في أغلب لغات العالم. ولقد عرفت بعض المدنيات القديمة الدساتير ومن أبرز الأمثلة على ذلك دستور مصر في عصورها الفرعونية المتأخرة دستور عنخ شاشنقى وكذلك من أهم الدساتير الكاملة دستور بابل القديم أو ما عرف بتشريعات حمورابى وفي الحضارة اليونانية القديمة فقد عرفت المدينة اليونانية وعلى وجه التحديد دستور أثينا الذى وضعه المشرع سولون. وفي مرحلة العصور الوسطى لم يعد هنالك مجال للكلام عن دستور اذ اعتمد الدستور في الغالب على السلك الكهنوتي حيث أصبحت سلطة الدين تسيطر من خلال البابوية على سلطة الدولة في سيفين يمثلان قوة العقيدة وقوة الحكم ولم يعد هناك كلام عن نظم سياسية تعترف بالحقوق والحريات أو تعترف للإنسان بالمساهمة في الحياة السياسية. وساد الجهل الذي شمل سائر مرافق الحياة وهو ما عرف بعصر الإقطاع وكان هذا الواقع وهو واقع خاص بالدول الأوربية تسبب في نهضة فكرية شاملة تلتها نهضة صناعية كبيرة فظهرت الفلسفات والأفكار السياسية التي نادت بالحقوق والحريات وفصل السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها ومن هنا بدأت مرحلة تقييد الحكام بوثائق أطلق عليها فيما بعد بالدساتير وهي مرحلة يحددها الكثير من الكتاب في القرن التاسع عشر وفي مراحل تالية لهذه الحقبة الزمنية أصبحت الشعوب صاحبة السيادة ومصدر السلطة وفق الاتجاهات الفكرية السائدة.

مفهوم الدستور ودلالاته المختلفة

وكما لاحظنا تعددت تعريفات القانون الدستوري حسب وجهات نظر كل فقيه من فقهاء هذا العلم والملاحظ أن جميع هذه التعريفات تدور حول فكرة الحكم وسوف نعرض لتلك التعريفات كما جاءت بكتب الفقه. فمن هذه التعريفات من يرى أن القانون الدستوري. ويعرف الدستور أو القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة وترسم قواعد الحكم فيها، وتضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد، وتنظم سلطاتها العامة مع بيان اختصاصات هذه السلطات, أو هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أمر الحكم في الدولة, ومنهم من يرى أن لا داعي لإدخال الدولة في التعريف حيث يرون أن قواعد القانون الدستوري تبين أمر الحكم في جماعة سياسية في وقت معين حيث يرون أن الدولة أسبق في الوجود من الدستور. والرد على ذلك أن الدولة إذا كانت أسبق في الوجود على الدستور فان الحكومة هي الأخرى تأخذ هذا الوضع لأن الحكومة ركن من أركان الدولة. والإجماع الحاصل بين الفقهاء ألآن أن قواعد القانون الدستوري تتعلق بشأن كل ما يخص الحكم في الدولة فهي تقيم المؤسسات الحاكمة تبين اختصاصاتها والعلاقة بين السلطات وترسم معالم وملامح النظام السياسي كشكل الدولة وشكل الحكومة وحقوق وحريات الأفراد وما يقابلها من تكاليف وأعباء عامة.

مدلولات الدستور: هناك أربعة مدلولات للدستور نعرض لها

أ. المدلول اللغوي: الأصل اللغوي لكلمة دستور هو فارسي الأصل حيث تفيد معنى الأساس أو القاعدة. وكانت الدساتير العربية التي صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين قد استعملت كلمة (أساس) كما هو شأن الدستور العراقي الصادر سنة 1925, تحت عنوان القانون الأساسي. كذلك الدستور المصري الصادر سنة 1923 ويرى الكثير من فقهاء القانون الدستوري أن المعنى اللغوي لمصطلح الدستور يستغرق كافة فروع القانون باعتبار أن هذه الفروع قواعد تنظيمية وهو ما لا يتفق مع حقيقة دلالة القواعد الدستورية.

ب. المدلول التاريخي: ارتبط هذا المدلول لمصطلح الدستور بتاريخ فرنسا الدستوري في عهد (لويس فيليب الاورلياني) حيث قام الفقيه (جيتروا) بتدريس الدستور الذي صدر في ذلك العهد والذي أقام النظام الديموقراطي الحر. وبطبيعة الحال مثل هذا المدلول لا يتجاوز الدراسة التاريخية إلى الدراسة العلمية كما هو ثابت.

ج. المدلول الشكلي: المقصود بالمدلول الشكلي للدستور هو أن كافة القواعد القانونية التي تنظمها وثيقة الدستور تعتبر قواعد دستورية بصرف النظر عن كونها تتناول أمور الحكم أو تتناول موضوعات أخرى غير هذا المعني.

د. المدلول الموضوعي: يقصد بالمدلول الموضعي للدستور هو أن القاعدة القانونية تعتبر قاعدة دستورية إذا تناولت بالتنظيم أمور الحكم في الدولة ولا عبرة بمكان هذه القاعدة سواء اشتملت عليها وثيقة الدستور أم كانت خارج هذه الوثيقة ومصادر القاعدة الدستورية وطرق إصدار الدساتير، أساليب نشأة الدساتير و(أنواع الدساتير)، قد ينشأ الدستور جراء الأعراف التي اتبعت في إدارة شؤون الحكم والدولة دون تدوين تلك القواعد، ومازالت توجد دساتير عرفية كما هو حال المملكة المتحدة العهد الأعظم (الماجنا كارتا) منذ عام 1215م، إلا أن أغلب الدساتير في دول العالم هي دساتير مكتوبة سواءً كانت في وثيقة واحدة أو مجموعة وثائق أو قوانين. وقد ظهرت الدساتير المكتوبة بالمفهوم الحديث بداية في دويلات أمريكا الشمالية ثم في الدستور الاتحادي الصادر سنة 1787 م, لتنتشر الدساتير المكتوبة في أغلب دول العالم، ومن خلال التجربة أصبح الفقه الدستوري يعدد أربعة أساليب لوضع الدساتير وفقًا لما حدث تاريخيًا:

  1. فإما أن يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور.
  2. أو باتفاق إرادة الحاكم مع المحكومين مباشرة.
  3. أو من خلال جمعية تأسيسية.
  4. أو استفتاء على نص الدستور المراد إصداره، ويتقرر الأسلوب الذي يتم وضع الدستور به عادة وفق ظروف المجتمع السياسية وتفاعلها مع التأثيرات الخارجية ومدى تطور الوعي السياسي والمطالبة الشعبية بالحقوق الدستورية. ومن المعلوم أن مصادر القاعدة القانونية بوجه عام هي التشريع والفقه والقضاء والدين والعرف… الخ. إلا أن الفقهاء عندما يتناولون بالبحث مصادر القانون الدستوري يتكلمون عن المصادر المكتوبة والمصادر العرفية وتدخل المصادر المكتوبة في دائرة التشريع، أما المصادر العرفية فلا تعتبر كذلك باعتبارها مصادر مستقلة كما سنرى ذلك. ويرتب الفقهاء على هذا المنهج في البحث عن طرق إصدار الدساتير وأنواعها وسوف نتكلم عن طرق إصدار الدساتير.

أنواع الدساتير: فهي لا تخرج عن كونها دساتير مكتوبة ودساتير عرفية. وكذلك من هذه الأنواع دساتير جامدة ودساتير مرنة والدساتير المكتوبة: تكون الدساتير مكتوبة عندما يتم تدوين القواعد القانونية في وثيقة خاصة سواء تعلقت هذه القواعد بأمر الحكم أم أنها خارج هذا المعنى. المهم أن تكون هذه القواعد قد ثبتت في وثيقة الدستور واتخذت الإجراءات الخاصة الأشكال الخاصة التي تختلف عن الإجراءات والأشكال التي تصدر بها القوانين العادية.

أما الدساتير العرفية: تكون الدساتير عرفية عندما تستند إلى العرف ولا تضمها وثيقة خاصة. والعرف كما هو معلوم تصرف مادي وسلوك معين تقوم به مؤسسات الدولة أو بعض هذه المؤسسات ولا يحصل اعتراض على هذا السلوك بوصفها تتميز بوصف قانوني. وهذا يعني إن للعرف ركنين: الركن المادي والمتمثل بالسلوك. والركن المعنوي المتمثل بحصول الرضا عن هذا السلوك بوصفه قانوناً ملزماً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية دساتير الدول هي دساتير مكتوبة ولعل من الدساتير العرفية هو الدستور الإنجليزي. وهذا لا يمنع بأن تكون ثمة قواعد دستورية عرفية على هامش الدستور المكتوب وهو ما يسمى العرف الدستوري على خلاف الدستور العرفي. والدساتير المكتوبة أو الدساتير العرفية هو ما يعتبر من أنواع الدساتير على حد تعبير الفقهاء. كذلك يصنف الفقهاء أنواع الدساتير بعنوان الدساتير الجامدة والدساتير المرنة ويقصدون بالأولى تلك الدساتير التي تصدر عن هيئة خاصة وإجراءات خاصة مطبوعة بطابع تمييزي عن طريقة وأشكال وإجراءات صدور القواعد القانونية العادية. والآن نخص بالكلام طرق صدور الدساتير على وجه الإيجاز نتيجة لتطور وعي الشعوب وانتشار المبادئ الديموقراطية وبلورة فكرة سيادة الشعب، حصل صدور الدساتير بشكل تدريجي وفقاً لتطور تلك المفاهيم وذلك على الوجه التالي:

  1. صدور الدساتير بطريقة المنحة( دستور المنحة) ( يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور) يكون في حالة ما إذا استقل الحاكم بوضع الدستور دون مشاركة الشعب، ويكون عادة استنادًا على أن الحاكم هو صاحب السيادة في الدولة وليس الشعب، والرأي الغالب في الفقه القانوني أنه لا يجوز للحاكم أن يسترد المنحة لأنها تعلقت بحق الغير (الشعب) فلا يجوز المساس بهذه الحقوق من المانح، والرأي الراجح في الفقه أن دستور المنحة لا يتم تعديله إلا بالطريقة المنصوص عليها فيه ويمكن تعزيز التعديل باستفتاء شعبي على النصوص المعدلة ولقد صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم تسامح الملوك بإصدار الدساتير بهذه الطريقة. وهذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة، وقد صدر الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة.

أما طريقة العقد (دستور العقد) (باتفاق إرادة الحاكم مع المحكومين مباشرة). وهو الذي يتم باتفاق بين إرادتين هما إرادة الحاكم وإرادة المحكومين وبالطبع ما دمنا نتحدث عن عقد فلا يجوز المساس بالعقد بإرادة منفردة من أحد طرفيه سواء بالتعديل أو الإلغاء حيث يتوجب أتفاق الطرفين، وقد تم في البحرين إتباع هذه الطريقة لإصدار دستور 1973 م. والمستقر عليه فقهًا أنه لا يجوز للحاكم أن يخرج على أحكام الدستور أو تعديلها بإرادته المنفردة، بل لابد من موافقة الشعب وهو الطرف الثاني في العقد. في هذه الطريقة اعترف الحكام بمشاركة الشعوب في السيادة وكأن السيادة أصبحت شركة بين الملوك والشعوب فصدرت بعض الدساتير بناء على هذا الاعتبار وهو ما يعبر عن تنامي الوعي الشعبي والخشية من الشعوب. وقد صدر الدستور العراقي عام 1925 بهذه الطريقة. أما طريقة الجمعية التأسيسية (دستور الجمعية التأسيسية) الأصل أن الأسلوب الديمقراطي في إعداد الدساتير هو قيام الشعب مباشرة بوضعها، إلا أن الاعتبارات العملية والواقعية أدت إلى تعذر أو استحالة ذلك خاصة وأن أحكام الدستور تعتبر من المسائل الفنية الدقيقة التي تستعصي على أفراد الشعب، لما تحتاجه من دراسة ومناقشة عميقة، فضلا عن استحالة اللجوء إلى الشعب كله في ظروف الدولة العصرية التي تتميز بكثرة مواطنيها، لذا فقد أبدع الفكر البشري فكرة اختيار الشعب ممثلين له لتولي مهمة إعداد الدستور باسم الشعب ونيابة عنه وتسمى عادة بالجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي، إذا كان كله منتخبًا. تعتبر هذه الطريقة من الطرق الديموقراطية باعتبار الشعوب صاحبة السلطة حيث يختار الشعب جماعة معينة لوضع الدستور، وفقا لأهدافه وطموحاته. وهناك طريقة الاستفتاء الدستوري (دستور الاستفتاء الدستوري) بهذا الأسلوب يتم انتخاب جمعية تأسيسية أو تشكيل لجنة فنية لوضع مشروع الدستور، إلا أن هذا الدستور لا يصبح نافذًا إلا إذا تم طرحه في استفتاء على الشعب ليقول كلمته بشأنه أما بالموافقة أو بالرفض، ويتم اللجوء لهذا الأسلوب أي الاستفتاء فيما يتعلق بتعديل الدستور إذا كان الاستفتاء مقررًا بنص الدستور ذاته وفي هذه الحالة يتم طرح نصوص التعديل ذاتها للتصويت عليه وليس على مبدأ التعديل فقط. في هذه الطريقة يتم اختيار جماعة معينة من الأشخاص لوضع الدستور وقد يكون هذا الاختيار من قبل الشعب أو من قبل القوى السياسية الفاعلة أو الجهة الحاكمة ولا يتخذ الدستور الصفة الرسمية ألا بعد عرضه على الشعب في استفتاء عام. وهو ما يعبر عن التطبيق الفعلي للديموقراطية وذلك بالاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة.

وعن آلية إقرار الدساتير وإصدارها فباستثناء دستور المنحة الذي يصدره الحاكم بمطلق إرادته دون إقرار نصوص الدستور من قبل الشعب أو نوابه المنتخبين فإن من أركان مشروعية صدور الدستور وكذلك تعديل أي حكم من أحكامه، إقرار نصوص الدستور أو إقرار نص التعديل من قبل نواب الشعب أو الشعب ذاته في حالة الاستفتاء الدستوري كخطوة لازمة وواجبة ليتسنى لرأس الدولة التصديق على الدستور وإصداره وإصدار التعديل ونفاذهما، فإذا لم تراع خطوة الإقرار أو هذا الركن، فإن ركنًا من الأركان الضرورية اللازمة لمشروعية التصديق والإصدار يكون ناقصًا ويصبح مثل هذا الدستور أو التعديل فاقدًا للمشروعية الديمقراطية في طريقة وضعه وللمشروعية الدستورية وفقًا لأحكام الدستور النافذ. والشيء المهم في ذلك أن مكانة الدستور في النظام القانوني (سمو الدستور) ويتبين لنا فيما تقدم من الكلام أن الدستور بقواعده القانونية ينشئ المؤسسات ويحدد الاختصاصات وبوجه عام يقيم النظام السياسي في الدولة، ومن المعلوم أن النظام القانوني في الدولة يتكون من مجموعة من القواعد القانونية تندرج حسب مكانة الجهة التي أصدرتها وحسب طبيعة الإجراءات والأشكال التي صدرت بها، وحيث أن الدستور هو الذي ينشئ النظام القانوني فإن قواعده تحتل المكانة العليا في هذا النظام ولا يجوز مخالفة هذه القواعد سواء أكان ذلك بعمل قانوني أو عمل مادي وتتدرج القواعد القانونية حيث تأتي:

أ. القوانين العادية بالمرتبة الثانية بعد الدستور.

ب. وتليها القرارات التنظيمية (اللوائح).

ت. ثم القرارات الإدارية الفردية إلى المنشورات والتعليمات التي تصورها الوحدات الإدارية الصغرى.

وهذه المكانة لقواعد الدستور هو ما اصطلح عليه الفقهاء (بالسمو)، وقد يكون هذا السمو شكليا أو موضوعيا فالسمو الشكلي تتمتع به كافة القواعد التي أشتمل عليها الدستور. أما السمو الموضوعي فيأتي من كون القاعدة القانونية ذات طابع دستوري, أي من كونها تتناول موضوع الحكم في الدولة. ولما كانت القواعد الدستورية تتمتع بميزة السمو هذه فإن ذلك لا يعني عدم إمكانية تعديلها. فليس هناك دستور يبقى جامداً دون تعديل إلى ما لا نهاية، إلا أن التعديل يلزم أن يكون وضعه الأصول الدستورية التي ينص عليها الدستور نفسه، وذلك في الأحوال والظروف العادية أما في الظروف غير العادية كحالة التوارث والانقلابات فالوضع مختلف حيث ستكون أمام وضع سياسي جديد يترتب عليه دستور جديد حسب توجيهات وأفكار الجهة التي أحدثت التغيير. وكلامنا هنا بصدد الظروف العادية، فقد يكون اقتراح التعديل من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية أو اشتراك السلطتين أو أن يكون التعديل باقتراح الشعب، وإذا كان الدستور ينص على الجهة التي يحق لها اقتراح التعديل فليس ثمة مشكلة بناء على ضرورة الالتزام بحكم الدستور. أما إذا لم يوجد نص مثل هذا سوف يحصل الخلاف حول الجهة التي يحق لها اقتراح التعديل، وحتما لهذا الخلاف لا بد أن يكون للشعب دوره في هذا الأجراء وإلا يعتبر ذلك عدم الاهتمام بإرادة الشعب وينتهي الأمر إلى مشاكل سياسية تضع النظام السياسي في حالة من عدم الاستقرار. وقواعد القانون الدستوري على الوجه الذي تقدم بيانه لا تجوز مخالفتها من أية جهة ولأي إجراء لكن ما هي ضمانات ذلك؟ وهنا صنف فقهاء القانون عن نوعين من الرقابة:

أ. الرقابة السياسية: تتمثل هذه الرقابة في هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا وهي رقابة سابقة على إصدار القانون محل الرقابة وهذه الرقابة ميزتها أنها وقائية ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه إذا كان مخالفا للدستور سوف لن يتم إصداره إلا انه يأخذ على هذه أن أعضاء هيئة الرقابة قد لا يكونون مكونين تكوينا قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ومن جهة أخرى أن الطابع السياسي لتشكيل هذه الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات السياسية وهو ما لا يتفق مع الهدف من هذه الرقابة.

ب. الرقابة القضائية: من المعلوم أن وظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على درجة كبيرة من الأهمية حيث يتعلق الأمر بدماء الأفراد وأموالهم وحرياتهم.. الخ ومن جهة أخرى يفترض في القضاء قدر كبير من التكوين القانوني والحياد والنزاهة والاستقلالية وهذه الأمور مجتمعة تشكل ضمانة فاعلة لرقابة دستورية القوانين. وهنا تفرعت الرقابة إلى صورتين

أ.الصورة الأولى: الرقابة الأصلية: وتتمثل هذه الرقابة في تشكيل محكمة خاصة تحت اسم المحكمة الدستورية العليا أو تناط مهمة الرقابة بأعلى محكمة في البلاد. ومن ميزات هذه الرقابة أن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور وان لهذا الحكم حجية مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون، كذلك من ميزات هذه الرقابة أن أي فرد يرى في قانون معين مخالفة للدستور يستطيع أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء هذا القانون.

ب. الصورة الثانية: الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية: هذه الرقابة تعتبر رقابة فرعية ولا يحق لأي مواطن الطعن بعدم دستورية القوانين بصورة أصلية بمعنى آخر إذا رأى المواطن أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن بهذا القانون بل ينتظر إلى أن يكون في موقف محل دعوى قضائية يطبق عليه القانون فيها وعند ذاك يبادر في الطعن في القانون. وفي هذه الحالة على القاضي النظر في صحة هذا الطعن فإذا تبين له صحته يتوقف عن تطبيق القانون فحسب ويكون قرار الحكم هنا خاصاً بالقضية المعروضة فقط لذلك قيل بأن هذا الحكم حجيته نسبية أو قاصرة. ومعنى ذلك أن المحاكم الأخرى بل المحكمة نفسها غير ملزمة بالحكم الصادر في هذه القضية ويتضح أن هذا الحكم يعتبر مجرد امتناع عن تطبيق القانون باعتباره قانونا غير دستوري على عكس حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يقرر إلغاء القانون.

أما القانون هو مجموعة القواعد العامة والمجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتقترن بجزاء يوقع على من يخالفها وفي هذا المعنى يقال قانون تنظيم الجامعات، وقانون الشهر العقارى وقانون إيجار الأماكن، وقانون المرور، إلى غير ذلك. وتتميز القاعدة القانونية بخصائص ثلاث:

أولا – القاعدة القانونية عامة ومجردة:

هذه الخاصية أهم خصائص القاعدة القانونية، فالقانون يهدف أساسا إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، وهذا لا يتأتى إلا إذا انطبق تطبيقا عادلا ومتساويا على جميع الأفراد، دون نظر إلى ذواتهم، فالقاعدة القانونية مجردة في نشأتها عامة في تطبيقها.

ثانيا – القاعدة القانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع:

تتميز القاعدة القانونية، بأنها قاعدة لتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، وذلك مؤداه أن القاعدة القانونية لا توجد إلا في مجتمع، ولا تنظم إلا السلوك الخارجي للإنسان.

القاعدة القانونية لا تنظم إلا السلوك الخارجي للإنسان:

وإذا كان القانون ينظم سلوك الأفراد في المجتمع، فإنه لا يعتد إلا بالمظهر الخارجي لهذا السلوك. أما ما يكمن في النفس وما يستقر في ضمير الشخص من مشاعر وأحاسيس فلا شأن للقانون به طالما ظل حبيس الصدر.

ثالثا – القاعدة القانونية قاعدة ملزمة وتقترن بجزاء يكفل احترامها:

فتزويد القاعدة القانونية بالجزاء هو الذى يكفل طاعتها ويحمل الأفراد على احترامها وعدم الخروج عليها. وبدون الجزاء تفقد القاعدة صفة الإلزام لأنها تصبح عندئذ مجرد نصيحة أو توصية يكون للأفراد الحرية في إتباعها وفقا لهواهم ومشيئتهم. أما صور الجزاء فهى:

أولا – الجزاء الجنائى:

يعتبر أشد صور الجزاء وهو يترتب على مخالفة قواعد القانون الجنائي، ويتمثل في العقوبة التي توقعها السلطة العامة على من يرتكب جريمة من الجرائم التي حددها هذا القانون.

وتنقسم الجرائم بحسب خطورتها إلى ثلاث أنواع هي الجنايات كالقتل العمد، تليها الجنح كالقتل الخطأ والسرقة البسيطة، ثم المخالفات كمخالفات قواعد المرور.

وتتدرج العقوبة في شدتها تبعا لجسامة الجريمة المرتكبة، فالعقوبات المقررة بالنسبة للجنايات هي الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد، أما الجنح فعقوبتها تتمثل في الحبس والغرامة التي يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه مصري، وأما المخالفات فعقوبتها الغرامة التي لا يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه مصري.

ونظرا لان الجريمة تمثل اعتداء على المجتمع، فإن النيابة العامة، باعتبارها ممثلة للجماعة، هي التي تقوم بمتابعة مرتكبها وتقديمه للمحاكمة، وذلك عن طريق الدعوى العمومية، وتختص الدولة وحدها، بتوقيع العقوبة على الجاني.

وإذا ما ترتب على الجريمة حدوث ضرر خاص للمجنى عليه، كما في جريمة الضرب أو الجرح أو السرقة أو القذف أو السب، فإنه يستطيع المطالبة بحقه في التعويض عن طريق الدعوى المدنية.

وبناءاً على ما تم عرضه فان مواد الدستور التي ترتبط بالشخصية الاعتبارية للدولة وللأفراد يفسرها القانون وما يفسر مواد القوانين هي اللوائح.

 

كاتب

التعليقات مغلقة.