مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

عشائر وادي الفرات

جاسم العبيد

ينبعُ نهرُ الفرات من أرمينية، ويدخل سوريا عند منطقة جرابلس (كركميش)، ويخرج من سوريا عند منطقة البوكمال الواقعة على الحدود السورية العراقية، وتسمى في التاريخ القديم (الفراض) وتبعد عن ماري العمورية بـ11 كم تقريباً. ويبلغ طول نهر الفرات 2400 كم تقريباً منها 675 كم في سوريا .

ظهرت آثار الحضارات الأولى للإنسان القديم على ضفاف الأنهار، وعلى ضفتي نهر الفرات منذ العصر الحجري الأول قبل 9000 سنة،  تتناثر حوالي ست وثلاثون أثراً ظاهرة للعيان اليوم وتحتاج إلى من يكتشفها ويكتب عنها، بل هي تبكي دماً لأبنائها الشرفاء الذين أهملوها وتركوها للأيادي العابثة وللصوص الفسّاد الذين نهبوها وباعوا مقتنياتها للغرباء بأبخس الأثمان. ومن هذه الآثار (كركميش – الرقة البيضاء – الرقة السوداء – بالس – حلبية وزلبية – رحبة الفرات – ديرحنظلة – ماري العمورية – الدالية – ترقا – تل أبو الحسن – دورا أورابوس – الجابرية – حميمة- الدير العتيق – عين أباغ ـ …. هذا غيض من فيض)

ولدت هذه الحضارات ثم اندثرت وانقرضت. واستوطنت قبائل وعشائر عربية وغير عربية ضفاف نهر الفرات شامية (غرب النهر) وجزيرة (شرق النهر)

والقبائل العربية مقسمة منذ القدم إلى ثلاثة صنوف:

العرب البائدة: وهي قبائل سادت فترة من الزمن ثم بادت ولم يبق منها أثر بسبب ريح صرصر أو وباء أو طوفان. ومنهم (طسم – جديس – جاسم – عبيل – أميم – عاد ـ  ثمود)

العرب المستعربة: وهم عرب الشمال (العدنانيون) أو عرب الحجاز، وجدهم إسماعيل بن إبراهيم الخليل، هاجر كثير منهم إلى العراق أو بلاد الشام أو المغرب العربي. ومن هذه القبائل (قيس – تغلب – بكر بن وائل – عنز بن وائل – وفي العصور المتأخرة لهم تسميات جديدة – منها البقارة – المشاهدة –ربيعة – آل البيت (الحسينيون والحسنيون)

العرب العاربة: (عرب الجنوب) ويدعون القحطانيون، هاجروا من اليمن أثر تهدم سد مأرب ومن هذه القبائل (سبأ وهو أب لعشرة قبائل وهم – حمير وكهلان والأشعريون ـ مراد ـ مذحج) بقوا في اليمن بمناطق نجران و(غسان – عاملة – لخم – وجذام) هاجروا إلى بلاد الشام، فالغساسنة سكنوا حوران و(لخم ـ المناذرة سكنوا العراق وكانت عاصمتهم الحيرة) – وعاملة في لبنان – وجذام في الأردن وفلسطين)

وتفرعت من هذه القبائل عشائر كثيرة عبر التاريخ الطويل منها (طي ومنها شمر وحلفاء جلهمة (طي) اليوم: هم الجوالة – حرب – الشرابيون – الغنامة – بني سبعة –الراشد –وآخرين) ومن مذحج (مالك) أخو طي بن هدد تفرعت قبيلة سعد العشيرة، ومن سعد العشيرة تفرعت القبائل الزبيدية وهي عديدة واستوطنت العراق وبلاد الشام وهاجرت إلى وادي الفرات قبل ستمائة سنة من بئر هداج في شمال غرب الحجاز من تيماء في حادثة الحنية ناقة جبرين السبق

واستوطنت على ضفتي نهر الفرات ومن هذه القبائل الزبيدية (الجحيش – الجبور – الدليم –السعيدـ البوبناـ البوسلطان – الفليتة – البوشعبان – العبيد ـ البومانع والعكيدات)

ولو سرنا مع نهر الفرات من جرابلس إلى البوكمال وعلى الضفتين (شامية يمنى ويسرى جزيرة) لوجدنا أن نسبة القبائل الزبيدية القاطنة هناك تزيد على 90 بالمائة عن باقي القبائل.

فمدينة جرابلس يسكنها السعيد والدمالخة وطي والبوشعبان وفدعان وقيس وكرد. والفدعان قبائل من عنزة، وشيوخهم فايز العبيد الغبين وحاجم بن مهيد يستوطنون الزيدي ومنطقة سلوك.

ومن القنطري وسلوك إلى الرقة تستوطن قبائل البو شعبان المنحدرة من قبيلة العبيد الزبيدية والقادمة منذ وقت طويل حوالي عام 1650 م من حويجة العبيد وتكريت من العراق.

وهذه القبيلة عريقة في التاريخ، استوطنت مناطق دير الزور ثم رحلت إلى أعالي الفرات. وتنقسم قبيلة البوشعبان العبيدية إلى (العفادلة، ويتفرع من العفادلة ست عشائر منهم البريج – الموسى – الغانم -أحوس – مدلج – والذياب) شيوخهم محمد الهويدي وأولاده من بعده ومنهم:

أبو سفيان بوزان الهويدي الذي جده لأمه معمو بن إبراهيم باشا المللي الكردي، ويستوطنون محلة المشلب في الرقة ويملكون قصر هارون الرشيد)

أما الولدة فشيوخهم محمد الفرج السلامة وشواخ البورسان، وأولادهم من بعدهم. وتنقسم الولدة إلى (ست عشائر كبيرة منها الناصر وهم المشيخة والجعابات والبومسرة ــ….). وهم كرماء وأجواد ومسالمين ومتميزين في علاقاتهم الاجتماعية وطباعهم جميلة متآخين في مدينة الرقة مع العشائر والقبائل الأخرى من كرد وفدعان وحسون وقلعيون وطي ودمالخة وجبور وغرباء وقيسيون وبياطرة عكيدات وعجيل وآل البيت من السادة الحسينيون وتركمان وحديديون وبوخميس وبوخليل.

ومن البوشعبان السبخة وشيوخها أنور الراكان وأولاده من بعده.

مدينة الرقة، وأسميها الحمامة البيضاء من كل الأطياف البشرية والقبائل والعشائر والأديان والمذاهب استوطنتها وعاشت سعيدة مسرورة هانئة على شط الفرات والكل يخدم بعضه البعض متآخين متعاونين، رسمة فسيفسائية جميلة بل وردة جورية تشم منها أطيب العطر من عرب وكرد وتركمان وأرمن وسريان.. من بدو وحاضرة وكما قال الشاعر:

الناس للناس من بدو وحاضرة          بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

  نسير مع النهر وقد غادرنا الرقة واقتربنا إلى الكسرة (جزيرة) حيث قبيلة البقارة الحسينية وشيوخها الموزر السالم. طبائعهم جميلة وعوائدهم كريمة من أجواد العرب أهل الذبح والسلخ، مقريي الضيف وجوههم  مبتسمة دائماً.

تبعد الكسرة عن ديرالزور حوالي 40 كم، وتقطن هذه القرى الممتدة من الكسرة إلى ديرالزور قبيلة البقارة. وشيخ البقارة العام كان أسعد البشير، ومن هذه القرى – زغير حوايج ذياب ومحيميدة والصعوة وحوايج البومصعة وسفيرة فوقاني وسفيرة تحتاني وشقرا والجنينة والحسينية وحطلة والصالحية ومراط ومظلوم. ثم نصل إلى قرية خشام وهي من عشائر العكيدات (البكير عنابزة ومشرف) وهم أشداء قاوموا الاستعمار الفرنسي عام 1921 م وظهر منهم القائد حمود الحمادي الذي قطع رأسه الفرنسيون. يتميز العكيدات بالطبائع الجميلة،  فهم أشداء وكرماء لا يهابون الموت وعندهم الأنفة والكبرياء والتعنت وصعوبة الانقياد نخوتهم الأبرز. قاوموا الاستعمار الإنكليزي والفرنسي ولهم تاريخ معهم مثل دكة السنغال والنسورية والمدكوك ودكة كسار الجراح وحمود الحمادي ورمضان شلاش.

 

ثم الطابية جزيرة، وسكانها خليط بشري منهم عكيدات وبوخابور وجحيش وبوسلطان. ثم جديد بقارة وهم من قبيلة البقارة الحسينية، ثم الدحلة ثم الصبحة وسكانها من قبيلة المشاهدة وفيها زبيد (فليتة) وبكير من العكيدات، ومنها إلى البصيرة (قرقيسيا) في التاريخ القديم وسكانها خليط بشري منهم عكيدات بكير والبوشلهوم وفليتة والبوفريو والبوفهد وديريون ومن الميادين (بومصطفى) وسنانيون وقيس وراويون وعانيون. وتقع البصيرة على ملتقى نهر الخابور بالفرات

ثم قرية الشحيل وهم من العكيدات (الصالح الحمد – الموسى الصالح والطلاع ويجاورهم البوعزالدين في الزر) وأهل الشحيل شجعان لا يهابون الموت وأهل شهامة ومروءة وكرم وجود. ثم قرية الحوايج ويسكنها العكيدات (جماعة سليمان الظاهر وصالح الظاهر وبعض البيوتات الأخرى من مشاهدة وقيس). أما ذيبان فهي ناحية المشيخة للعكيدات، ففيها خلفة هفل العبدالله العلي الظاهر شيخ العكيدات بالمعمورة. ثم الطيانة ففيها القرعان، ومنها عارفة العكيدات ووادي الفرات (تركي المنادي) ثم الشنان أيضاً” من القرعان ثم قرية جمة من البوحسن عكيدات ومن بعدها درنج (بوحسن عكيدات) ثم سويدان بوحسن، لنصل إلى الجرذي الغربي والشرقي فهم (بورحمة) عكيدات ومن بعدها أبو حردوب فهم (عكيدات شويط) وفيها بيوت للعانيين سادة. من بعدها ثلاث قرى للشعيطات وهم عكيدات (أبو حمام والكشكية وغرانيج) وفيها بيوت عريقة (أبو صبعة والرجو المحمد والعبد الجزاع) وقد قاوموا الإنكليز وأسقطوا ثلاث طائرات لهم عام 1919 م وتشردوا في الآونة الأخيرة وذبح منهم الكثير في أحداث 2011 م.

تأتي قرية البحرة وهم عكيدات من الإذار يتبعون الشامية من الدميم (الجراح)، وهم أشداء وظهر منهم رجال أقوياء مثل جاسم البغل. ومن بعد البحرة منطقة هجين، ففيها من قبيلة العبيد(البوحردان) ومن بيوتاتهم الصبيخان. ثم الشعفة من البومريح (عكيدات) والسيال الشرقي والسوسة والباغوز ثم حدود العراق (القائم) أو حصيبة.

أما الضفة الغربية للنهر أي الشامية فمن عين البيضا وحمام صغير وحمام كبير وقلعة النجم وصندلة وقشلة يوسف باشا وكباسين وعارودة، فهي قبائل البوشعبان والبوبنا وقيس ودملخية مجادمة وطي وقبائل أخرى. ومسكنة حيث البوبنا وذياب الماشي والمحمودية ودبسي فرج ودبسي عفنان والغجر وأبو هريرة والثورة ففي الغالب من عشائر البوشعبان والصفصافة والمنصورة والسحل ورطلة وحويجة الشنان فهي من العشائر الزبيدية – بوشعبان ودبش وقيس وبومانع –  ثم غانم عاي والعطشانة ومعدان والقصبي والتبني فهي خليط من هذه العشائر.  أما القرى التالية : (البويطية – الطريف – العنبة والمسرب الشميطية – الخريطة – عياش) فهي قرى عشيرة البوسرايا وشيخها مهنا بن فيصل الفياض وسابقاً الشلاش.

أما مدينة دير الزور، فهي مدينة حديثة عمرها لا يتجاوز ثلاثمائة سنة، وكانت تسمى دير الشعار ودير العصافير ودير الرحبة ثم دير الزور. وسكانها من البقارة و العكيدات وقيس والبوشلهوم وجنابيون وجواشنة حريث من طي وقلعيون ومسيحيون وأرمن. وسابقاً فيها عائلات يهودية وعنزة عرفة وسبعة ورولة وشمر، ثم تأتي قرية الجفرة عند المطار حيث الويسات من آل البيت والطابية شامية ثم قرى البوخابور (العبد والمريعية وموحسن) وهم من حلف العكيدات (سادة) وقد قاوموا الفرنسيين وقتلوا ريتشارد الجنرال القائد الفرنسي في معركة الشروفية. ثم قطعة البوليل والطوب فهم من قبيلة شمر عبدة وشيخهم اليوم مطشر بن فرهود الصالح الموسى الهيال.

ثم قرية سعلو فهم عكيدات من البكير، ثم الزباري من قبيلة المحامدة دليم ثم (بقرص فوقاني وبقرص تحتاني) من عشيرة البوسرايا، ثم مدينة الميادين خليط بشري من البوخليل والبوناصر والويسات والسنانية والبومصطفى والمشاهدة والعانيون والراويون وآلوس وكرابلة عراقيون وعكيدات وأكراد. ثم الطيبة أما محكان (جحيش) ثم القورية (قرعان) والعشارة بوحسن ويسات بوغانم جوابرة وآخرين دبلان وصبيخان والكشمة (عكيدات شويط) الدوير بورحمة

ثم تبدأ قرى البوكمال (الصالحية الطواطحة والعباس والمسلخة) عكيدات من الجراح دميم (المجاودة عزة) وشيوخهم العشبان – الرمادي من العبيد – السيال من البومريح – قرية حسرات من الحسون والغبرة كذلك. السكرية مشاهدة – الهري خليط بشري ثم البوكمال ثم حصيبة أو القائم في العراق.

إن هذه المكونات العشائرية الكبيرة والصغيرة والبيوتات المختلفة عاشت مع بعضها البعض عبر مئات السنين بكل ما تملكه كلمة أخوة الشعوب من معنى تام. عاشت قوية أمام كل خطر داهمها أو حدث أصابها بفعل الإنسان أو الطبيعة أو الوحش.

وهناك القصص الكثيرة لإجارة الضعيف وحمايته وصد الوباء والريح الصرصر عنه.

عاشت هذه العشائر على ضفاف نهر الفرات معاً، تشرب من مائه العذب الزلال وكدره المر المخلوط بالرمال، متزاوجة من بعضها البعض خال وابن أخت تمتلك صفة المروءة والشهامة والعزة والأنفة والكبرياء، لا تقبل الخنوع ولا الضيم ولا الذل.

 

كاتب

التعليقات مغلقة.