مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

البوتينيّة… ودولةُ الإيديوقراطيّة -1-

رامان آزاد

رسائل استراتيجيّة تأكيداً للقوةِ

وسّع حلفُ الناتو مجالَ عمله بانضمامِ بلدان الجوارِ، وأضحت على مشارف روسيا، فكان الردُّ الروسيّ بعودةِ تحليقِ القاذفاتِ الاستراتيجيّةِ إلى أوروبا وقال الرئيس بوتين في 18/11/2014 لقناة ARD الألمانيّة: “قررنا بعد عام 1992 وقفَ تحليقِ طائراتنا الاستراتيجيّةِ، فأصبحت جاثمةً في المطاراتِ، وفي الوقتِ نفسه استمرَّ الطيرانُ الأمريكيُّ بالقيامِ بالدورياتِ المنتظمةِ على المساراتِ السابقة وخاصةً على مقربةٍ من حدودنا لهذا استأنف طيراننا التحليقَ في مناطقَ بعيدة”.

وعلى نحوٍ غير مسبوقٍ اقتربت طائرةٌ روسيّةٌ حربيّةٌ في 12/12/2014 من طائرةِ الخطوطِ الإسكندنافيّةِ في الأجواءِ الدوليّةِ جنوب السويد، ولم تستجبِ الطائرةُ الروسيّة لنداءاتِ السلطاتِ السويديّةِ، وما بين آذار وتشرين الثاني 2014 رصدت شبكةُ القيادةِ الأوروبيّةِ 40 حادثة تورط بها سلاحُ الجو الروسيّ، والسفنُ الروسيّةُ، وفي سلوكٍ استفزازيّ ينطوي على عرضِ القوةِ عاود طيران قاذفاتِ تو-95 الاستراتيجيّةِ الروسيّةِ للتحليقِ عام 2007، باتجاه السواحلِ الأمريكيّة بغايةِ اعتراضِ مهامِ القواتِ الأمريكيّةِ في البحارِ.

لا تدّخرُ موسكو مناسبةً لتؤكدَ حيازتها لقوةِ الردعِ على المستوى الدوليّ، وتتطلع إلى أن تشكّل رافعةَ قوةٍ لسياستها الخارجيّة. فقد دشّن فلاديمير بوتين حملته الانتخابيّة في 1/3/2018 أمام المجمعِ الفيدراليّ مرحلةً جديدةً من المواجهة مع واشنطن، إذ كشفَ خلالها النقابَ عن حيازةِ روسيا أسلحة استراتيجيّة نوويّة جديدة لا يمكن اعتراضها أو مجاراتها، وتطويرِ صاروخ كروز جديد وصفه بأنّه “لا يُقهر” وهو صاروخ “كينجال” أو الخنجر القناص عالي الدقة، ذي السرعة الخياليّ (10ماك/سا) والذي يمكن تحميله للطائرة ميغ-31 وهو مخصّص لتدمير كل أنواع القطع البحريّة، ويمكنه الوصول إلى أيّ مكانٍ بالعالم. وأكد أنّ الفترةَ المقبلةَ ستَحملُ ما وصفه بشعارِ “الانتصاراتِ المشرفة”، فقد أراد بوتين أن يكسب المعركة من غير قتالٍ وعبر التهديدِ، وهو ردٌّ مباشر على الاحتفالية بالانتصار الذي جرى في واشنطن وإعلان مشروع “أمريكا للقرن الجديد”، وهو “نصرٌ بلا حرب” الذي تحدّث عنه الرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون في كتابه، وقال “التفوقُ الاقتصاديّ لا يغني بأيّ حال عن العسكريّ لأنّ موازين القوى العسكريّة تحكمُ العلاقاتِ الدوليّة، ومثال ذلك؛ اليابان القوية اقتصاديّاً، لكن لا يمكنها مجاراة الولايات المتحدة في نفوذها العسكريّ”. رسالة بوتين قرأها أعضاءٌ بمجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطيّ، فكتبوا رسالة لوزير الخارجيّة ريكس تيليرسون قالوا فيها: إنَّ الوقت قد حان لمفاوضاتٍ استراتيجية مع روسيا.

استأنفت روسيا إنتاج القاذفة الخطرة تو-160، والمسماة “ناقلة الصواريخ” تحليقها، وتجاوز مدى رحلاتِ طيرانها أجواءَ بحرِ البلطيق وأوروبا غرباً، لتحلقَ في كانون الثاني 2019 شرقاً فوق المحيط المتجمّد الشماليّ قريباً من الحدودِ الأمريكيّةِ. وفي إطارِ التعاونِ العسكريّ مع فنزويلا وصلت قاذفتان استراتيجيتان تو-160 وطائرة نقل إيل-62 إلى البحرِ الكاريبيّ، وأُعيدت التجربةُ لاحقاً في 13/12/2018.

في الاجتماع السنويّ لقيادات القواتِ المسلّحة في 27/12/2018 أعلن سيرغي شويغو بأن القوات البريّة استلمت 2200 نموذجاً من الأسلحة والمعدات الحديثة المطورة، وذكر نسبة التزويد بالأسلحة الحديثة لكلّ صنوف القوات، بما فيها الصواريخ الاستراتيّجية ومنظومات الدفاع الجويّ ودعم القوى الجويّة والفضائيّة الروسيّة. حديث بوتين هو ردٌّ مباشرٌ على الاستراتيجيّة الدفاعيّة والنوويّة الجديدةِ للبنتاغون، ويمكن وصفه بسباقِ تسلّحٍ جديدٍ بين موسكو وواشنطن، إذ يستعيرُ مفرداتِ الحربِ الباردةِ ويذكر بها. ويبدو أنّ الرئيسَ بوتين ينتهجُ أيديولوجيةً سياسيّةً جديدة يرجّح مبدأ المصلحة السياسيّة بغطاءٍ براغماتيّ، لاستعادةِ الأمجادِ السوفيتيّةِ السابقةِ.

ففي 24/12/2019 قال الرئيس بوتين في اجتماعٍ موسّعٍ في وزارةِ الدفاع: “إنّ الأسلحةَ والمعدّاتِ العسكريّةَ الروسيّةَ يجب أن تتفوّقَ على مثيلاتها الغربيّةَ من حيث النوعيّةِ، فالتعادلُ لا يمكن أن يرضيَ روسيا”. وأكّد مواصلة تطوير الجيش والأسطول البحريّ وتحديثَ معداته بنسبة 70% العام المقبل.

في 27/12/2019 بدأت روسيا والصين وإيران مناورات عسكريّة بحريّة مشتركة في بحر عُمان، في رسالة ذات دلالة بعيدة تبدأ من أهميّة الخليج بالنسبة للولايات المتحدة والتأكيد على رسم حدود المواجهة بين محورين، في عالمٍ يتغيّر.

 

رسائلُ الميدان السوريّ واختبارُ الأسلحةِ

منذ وصوله إلى السلطة في خريف 1999، أثناء حرب الشيشان الثانية، لم يخفِ فلاديمير بوتين نواياه. بل إنّه تفاخر صراحةً بطرحِ مفهومه للسياسة الخارجيّة وفكرته عن روسيا ورؤيته للعلاقاتِ الدوليّة. وقد طبعت فلسفته السياسيّة بتكوينه زمنَ الاتحادِ السوفييتيّ وعمله في الاستخباراتِ الروسيّة في ألمانيا الشرقيّة. ولا ينفكُّ يشيرُ في أحاديثه إلى مرجعيّةِ الاتحاد السوفييتيّ وأن تأخذ روسيا دوره، وهذه المرجعية لا تتعلقُ فقط بالحنين إلى نظامٍ يعي بوتين ضروراتِ تطوّره الحديثِ، بل بتحليلِ موازين القوى الراهنةِ وإجراء مقارنةٍ مع الولايات المتحدة كمبنىً أساسيّ للسياسة الخارجيّة، فالاتّحادُ السوفييتي كان قوةً عظمى مقتدرةً لعبت دوراً منسجماً مع مكانتها التاريخيّةِ. وأدّى انهياره، ليس كنموذج لتنظيمِ للمجتمعِ، وإنّما كعاملِ تنظيمٍ واستقرارٍ للنظام الدوليّ، إلى إعادةِ توزيعِ الأوراقِ لمصلحةِ الغربِ عامة والولايات المتحدة الأمريكيّة خاصة.

في خطابه السنويّ في البرلمانِ، في 25/4/2005 وصف الرئيسُ؛ فلاديمير بوتين انهيارِ الاتحادِ السوفييتيّ بأنّه “الكارثةُ الجغرافيّةُ العظمى في هذا القرنِ، بالنسبةِ للأمّةِ الروسيّةِ، كان ذلك مأساةً فعليّة”. ولا يخفى في كلامِ بوتين الحنينُ إلى الحقبةِ الشيوعيّةِ، وليكون أحد أهم عناوين سياسةِ المستقبلِ، وتطويرِ سياسةٍ خارجيّةٍ تقومُ على التعاونِ مع الصينِ والهندِ والعالمِ الإسلاميّ.

لا شكَّ أنّ الرئيس الروسيّ بوتين يعتبر أنَّ بلادَه المستهدفةُ الأولى من قبل الإرهابِ الدوليّ المرتكز على الجماعاتِ الإسلاميّةِ المتشددة، ولديه مخاوف من دورٍ قادمٍ للإسلاميين، على خلفيةِ الحساسيّةِ الخاصةِ من التياراتِ الإسلاميّةِ التي ارتبطت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بالوضع الروسيّ الداخليّ، خلال الحربِ على التطرّفِ والنزعات الانفصاليّةِ شمال القوقاز. فالتياراتُ التي بدأت معتدلة في هذه المنطقة مالت إلى لتطرفِ الدينيّ لاحقاً، ولكن الساسةُ الروس يربطُون نشوءَ الجماعاتِ الجهاديّةِ بواشنطن اعتباراً من دعمِ الجهاديين الأفغان خلال حقبةِ الاحتلالِ السوفييتيّ لأفغانستان، ويعتقدون أنّ وجودَ “داعش” جزءٌ من خطةٍ أمريكيّةٍ، ويستشهدون باعترافِ بريجنسكي مستشار الأمن القوميّ أنّ الرئيسَ الأمريكيّ كارتر فوّضه بتمويلِ المجاهدين في أفغانستان ضدَّ الاتحادِ السوفيتيّ. والحلُّ لمواجهةِ التهديدِ الأمريكيّ، إظهارُ قوةِ روسيا، دون التعويلِ على الجهدِ الدبلوماسيّ.

في تدخّلها العسكريّ في سوريا أرادت موسكو اختبارَ أسلحتها الحديثةِ والترويجِ لها لاختراقِ سوقِ السلاح، واستعراضِ قوتها ونشرت منظومة الصواريخ إس-400، لتبعثَ رسائلَ للداخلِ والعالمِ عن قوتها العسكريّة وأساطيلها، فاختبرت أحدث ما في ترسانتها العسكريّة وتكنولوجيتها الجديدة.

وكشفت تصريحاتُ المسؤولين الروس جوانبَ مهمةً من أهدافِ تدخلِ موسكو في سوريا. ففي 7/12/2015 أعلن يوري بوريسوف نائب وزير الدفاع الروسيّ أنّ “الدولَ الأجنبيةَ اصطفّت في طابورٍ لشراءِ الطائراتِ الروسيّة، التي أظهرت قدراتها في سوريا، مثل القاذفة سو-34.

المفارقةُ أنَّ المعركةَ التي تخوضُها موسكو لا تحتاجُ كلّ تلك الأنواعِ الحديثة من الأسلحة. ولكنها أرادت استعراضَ ترسانتها الصاروخيّة، واختبار أحدثِ أنواعِ الأسلحة التي أنتجتها في ظروف المعركةِ الفعليّة، ونقلت وسائلُ إعلامها إطلاقَ صواريخ “كاليبر” من بحر قزوين، كما استخدمت غواصاتِها لإطلاقِ صواريخ مجنّحة. وأشار الرئيس الروسي بوتين، في مؤتمره الصحفيّ السنويّ في 17/12/2015، إلى أنّ العملياتِ في سوريا “تعدُّ تدريباتٍ عسكريّةً منخفضةَ الكلفةِ في ظروفِ حربٍ حقيقيّةٍ”. إذ لم تتحمل موسكو كلفة إضافيّة فقد أعلن الرئيسُ بوتين أمام العسكريين العائدين من سوريا، أنّ تمويلَ الحربِ في سوريا تمّ بتحويلِ ميزانيّة وزارة الدفاع المخصصة للتدريب والمناورات. ومنذ التدخلِ الروسيّ وحتى 30/11/2019 اختبرت موسكو حوالي 600 قطعةَ سلاحٍ مختلفةَ الأنواعِ وأجرت تعديلاتٍ على الحوّاماتِ. وعلّق نيقولاي بيتروف على الحربِ السوريّة في مقال بعنوان “سقوط بوتين: الأزمة القادمة للنظام الروسيّ” فقال: “بالنسبة لروسيا التدخلُ في سوريا يشبهُ لعبةَ كمبيوتر، فهي حربٌ بلا كلفةٍ، ولا تتطلّبُ ضحايا من الشعب الروسيّ”.

باستعراضِ أنواع الأسلحةِ التي حضرت بها موسكو إلى سوريا، نجد ثقلاً نوعيّاً يتجاوزُ أهدافَ المعركةِ المرادِ خوضُها، لتحملَ دلالاتِ مواجهةٍ ذاتِ مدى يتجاوزُ الميدان السوريّ، فقد استقدمت طائرات سو-25 وحوامات مِي-24 لتأمين الدعمِ الجويّ للقوات البريّة في عملياتها ضد قواتِ المعارضةِ المسلحةِ، فيما المقاتلاتُ سو-34 لحمايةِ المنطقةِ الساحليةِ، وبعد إسقاطِ القاذفةِ سو-24 في 24/11/2015 أضافت منظومةَ صواريخ إس-400. كما حرّكت موسكو قطعاً من أسطولِ البحر الأسودِ إلى شرق المتوسط بما فيها حاملة الطائرات كوزنيتسوف، وأحضرت منظوماتِ أسلحةٍ لا علاقةَ لها بطبيعةِ المعركةِ، بل الهدفُ إغلاقُ مناطقِ سيطرةِ الجيشِ السوريّ بإنشاءِ منطقةِ حظرٍ جويّ فوقها. وبتجميع الصورةِ يتضحُ أنّ موسكو تسعى إلى دفعِ الأطرافِ الميدانيّةِ والسياسيّةِ والدول الإقليميّة الداعمة للقبولِ بنموذجِ الحلِّ الذي تقدّمه وفقَ منطقِ القوةِ، ما يعيدُ للأذهانِ العبرةَ المستفادةَ من حربِ البوسنة، عندما دفعتِ الولاياتُ المتحدةُ أطرافَ النزاعِ لتوقيعِ اتفاقِ “دايتون” للسلام في 14/12/1995، بعدما شنّ الناتو بقيادةٍ أمريكيّة غاراتٍ جويّةً مكثّفةً على صربِ البوسنة اعتباراً من 30/8/1995.

 

ماذا ومن بعد بوتين؟

وجود بوتين على رأس هرم السلطة في بلدٍ تمسك الدولة بقوة على ملكيّة الموارد الطبيعية الهائلة، وتتحكم بكلِّ وسائلِ الإعلام، وفي ظلِّ قبضةٍ أمنيّة شديدة، يستبعد إمكانية أن تطيح به أيّة انتخابات، إضافة إلى التوق الحاد لإظهارِ القوّة والنفوذ في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتيّ. فيما تعزّز ظروف التنافس والسياسة الأمريكيّة لاستهداف التوازنات الدوليّة من ثبات النزعة “البوتينيّة” في روسيا.

خلال الحملة الانتخابيّة الثالثة وصف “كيريل” بطريرك عموم موسكو الرئيس الروسيّ بأنّه “معجزة الرب”، مضيفاً: “إصلاحيّ أرسلته العناية الإلهيّة لينقذ البلاد”. وبذلك فالبطريرك يصعّب مهمة إيجادِ البديلِ، ويضفي على الرئيس هالات القداسة، ليتجاوز الاختبار الانتخابيّ، لكن ماذا بعد أن استوفى الرئيس فرص الترشح؟ هل من الممكن أن يُلوى عنقُ الدستورِ فيُعدّل مجدداً ليبقى الرئيس، فالرئاسة الروسيّة كانت محدّدة بأربع سنوات، وتمّ تعديلها لتصبح ست سنوات مع ولاية بوتين الثالثة.

لكن بمرور الوقت فإنّ ثمة قلقاً سيزداد لجهة مستقبل السياسة الروسيّة، مع استنفاد بوتين فرص الترشح للرئاسة، إلا بعد تغيير الدستور، إلا إذا اقتدى بالرئيس الصيني شي جين بينج وجعل الرئاسة أبديّة، في عام 2024.

أسس فلاديمير بوتين نظامَ حكمٍ مطلقٍ قوامه الفرد القائد للدولة والأمة، وتمكّنَ من الإمساكِ بكلِّ مراكز القوة وتطويعِها لتتحوّلَ إلى أدواتٍ في إمبراطوريته، ليعودَ بروسيا إلى مرحلةِ ما قبل الشيوعيّة حيث نظامُ الاستبدادِ الفرديّ، والذي استندت إلى ثنائيّة الهويةِ الأرثوذكسيّة والحق الإلهيّ للقيصر بالحكمِ، وكان آخر رموزها القيصر نيكولاي الثاني الذي رفضَ احتواءَ المتغيراتِ الاجتماعيّة والثقافيّة التي وصلت إلى روسيا وكانت نتيجة التحولاتِ الكبرى التي عصفت بالعالم بعد الثورةِ الصناعيّة، ومن المؤكد أنّ الصورةَ على سبيلِ المقاربةِ وليس المطابقةِ، ذلك لأنّ ثمّة إصرارٍ من الكرملين على القراءة التقليديّة للمجتمعِ الروسيّ، ورفضٍ لقراءةِ الواقع المتغيّر والمعولم، واعتبارها منقطعةَ الصلةِ عن المجتمعِ والميراثِ الثقافيّ الروسيّ، وسعي مستمرٍ لعزلِ هذه التوجهات وإدانتها بالانسلاخِ عن الهويةِ والعمالةِ للغربِ، بالتوازي مع التأكيد على الولاء لقائدٍ يتبنّى أيديولوجية تحقّق وحدة الأمة والجغرافيا. وبذلك تترسّخُ سلطةُ الفردِ عبر التماهي المجتمعيّ في شخصه.

وإذا كان بالإمكانِ في الحقبةِ السوفييتيّة التكهن بشخص الزعيم القادم فهو أحد شخصياتِ الإطار الضيقِ المحصور بالمكتب السياسيّ للحزب الشيوعيّ، إلا أنّه يصعب التكهن بخليفةِ بوتين، كما لم يستطع حزب روسيا الموحّدة أن يكون إطاراً سياسيّاً جامعاً كالحزب الشيوعيّ سابقاً، وهذا ما خلق مشاعر القلقِ حول المستقبل والخوفِ من فقدان التوازنِ بغيابِ القائد وضبابيّة الرؤية في مرحلة ما بعد البوتينيّة، ولكنه بنفس الوقتِ مؤشر عقمٍ سياسيّ. ذلك لأنّ دولة الإيديوقراطيّة التي يقودها بوتين قوامها منهجه السياسيّ، وليست نظريةً ثابتةً، ونزول بوتين عن مسرح الأحداثِ يفتحُ المجالَ أمام المعارضةِ التي صمتت مرغمةً نحو ربعِ قرنٍ ولديها الكثيرُ لتقوله “إن” أُتيحت لها الفرصةُ.

كاتب

التعليقات مغلقة.