سردار هوشو
المقدمة
بداية علينا أن نبين أنّ التطرف ليس حالة تختص بها ديانة أو طائفة أو قومية ما بحدّ ذاتها، إنّما هو حالة إنكار ورفض للآخر المختلف عنه فكريّاً أو دينيّاً أو قوميّاً لدى أتباع أيديولوجية ما، ليس له طابع ديني بحت، فهو يمكن أن يضرب أي فكر بشري؛ علمانيّاً كان أو دينيّاً، فهو ظاهرة مركّبة ذات أبعاد متعدّدة، يمكن القول: إنّ التطرّف هو نوع من المغالاة (السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو القومية أو الاجتماعية) لمجموعة قيم وأفكار تؤمن بها فئة ما من مجتمع ما، ويعتبرها مطلقة الحقيقة، بل وتتعدى ذلك إلى فرضها على الآخر المختلف قسراً وبالقوّة.
التطرف : هو تلك الثقافة المنغلقة تجاه الآخر فرداً كان أو جماعة، هو حالة خطاب فكري ينتمي إلى نشأة الأيديولوجيات المغلقة، فعمل التنظيمات المتطرّفة ليس سلوكاً عشوائيّاً تقوم به مجموعة من المتطرفين المعادين للحداثة، وأساليب الحياة المعاصرة، إنّما هو تجسيد لمنظومة أفكار لها عمقها النظري والتاريخي، التطرّف هو فعل وجودي مؤسّس على العلو والاعتداد بالذات وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة الدينية أو غير الدينية، وكما نوّهنا آنفا أنّ التطرف ليس حالة خاصة بدين أو طائفة أو قومية ما، لكن يبقى التطرّف الدينيّ أبشع أشكال التطرف البشري، لأنّه يرتبط بالمقدس الذي يتمّ تفسيره وتأويله من قبل رجال الدين، وهو الذي سوف نحاول أن نتوسع في تحليله واستكشاف جذوره التاريخية، والعوامل التي تلعب دورها في نشر هذا الفكر في مجتمعاتنا الشرق أوسطية (الإسلامية).
ورد في لسان العرب: طرف كل شيء منتهاه، ومعناه الوقوف في الطرف، وهو يقابل التوسط والاعتدال، التطرف حديث الساعة، حيث تعدّ مشكلة التطرف من القضايا الرئيسية في مجتمعاتنا الشرق أوسطية، والكل يقاربه من زاوية، ويحلل من زاوية، ويستخلص إلى تعريف وفهم هذه الحالة واستنتاجات حوله، التطرف الديني: يمثل حالة من الجمود العقلي، وتعطيل المقدرات الإبداعية، وعدم القدرة على إيجاد حلول جديدة في عالم سريع التغيير، مما يشكّل انتشاره في أيّ مجتمع عائقاً كبيراً على تطور المجتمع، ومواكبته العصر، وتهديداً خطيراً جدّيّاً على وجوده، واستمراره، فهو ذا منحى رجعي ثقافي وفكري وفني، إنّه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً، وتعطيل للطاقات الإنسانية واستنفاذها في الصراعات والعداوات المصطنعة من قبل أصحاب الفكر المتطرف، تلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وانتشار الأمية والتخلف العلمي وقضايا الفقر وفشل خطط التنمية البشرية والفشل السياسي والتسلط الحكومي وإلغاء دور العقل في البناء والتطوير والحداثة وأسباب خارجية (حالة الاستغلال الذي تمارسه الحكومات الغربية على خيرات وثروات مجتمعاتنا الشرق أوسطية) كل هذه الأسباب تلعب دورا كبيرا في ظهور حالات تطرف ديني أو قومي أو قومي بغطاء ديني.
الإسلام السياسي
ظهر مصطلح الإسلام السياسي لتوصيف جماعات وأحزاب حاولت استخدام الدين للوصول إلى السلطة، جماعات تؤمن بأنّ الإسلام ليس عبارة عن ديانة، إنما هو نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات دولة وسلطة (الإسلام دين و دولة) وهذه الجماعات والحركات والأحزاب بدأت بالظهور بشكل قويّ وفعّال على الساحة الإسلامية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وزوال الخلافة الإسلامية سنة /1924/ على يد التوجّه العلماني المدعوم من الغرب المسيحي، وما ضاع معها من قوة ومجد الإسلام، وما هذه الحالة المعيشة من تخلف واحتلال معظم البلدان الإسلامية والتراجع العلمي والفساد الأخلاقي إنما هو ردة فعل ونتيجة لزوال الخلافة الإسلاميّة، فسعى قسم منهم للمطالبة بعودة الخلافة بغية إرجاع الحضارة الإسلامية إلى أمجادها الأولى حين كانت تقود وتهيمن على العالم وهذا هو الهدف الظاهر، أمّا الهدف الحقيقي في فكر ووجدان هذه الجماعات والحركات هو السلطة وليس شيئاً آخر، ومن أهم هذه الحركات أو الأحزاب (السلفية، الأخوان المسلمين، القاعدة، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة، وحزب الله والثورة الإسلامية في إيران وحركة طالبان وحزب العدالة والتنمية التركي وكثير من الفرق الدينية المسلحة التي تتماشى فكريّاً أو عمليّاً مع هذه الحركات والأحزاب التي تعبر الحدود القطرية السياسية للدول والجمهوريات، وهي الحركات اليمينيّة المتعصّبة الإسلامية، وهنا لابدّ أن نميّز بين نوعين من اليمين؛ وهذا التمييز قائم على طبيعة الوسائل التي يسعون إلى تطبيقها في الوصول إلى هدفهم الأساسي؛ وهو قيام “الخلافة الإسلامية” أو الدولة الإسلامية، فمنهم من يلجأ إلى استخدام العنف والإرهاب (وهم الّذين يسمّون بالجهاديين) أو اليمين المتطرف الإسلامي، ومنهم من يلجأ إلى استخدام الوسائل السلمية بما فيها العمليات الديموقراطية، والانتخابات، ويرفض العنف كنهج لتحقيق ذات غاية، وهؤلاء يسمون باليمين التقليدي (الغاية ذاتها مع اختلاف الوسيلة).
اليمين الإسلامي المتطرف
السلفية: المطّلع على أدبيات وأيديولوجية الجماعات السلفية يعلم بأنّ هذه الجماعات تستقي فكرها عموما من أئمة ثلاثة هم رموز الفكر السلفي وكتبهم هي الأكثر قدسية لدى تلك الحركات وهم: (ابن قيّم الجوزية، تقي الدين أحمد ابن تيمية، والإمام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية) ، كما يُعتبر أبو الأعلى المودودي هنديّ الأصل ومن بعده (سيد قطب) هما الأصل في منشأ فكر السلفية الجهادية التكفيرية في القرن العشرين ولغاية الآن حيث قاما بإنشاء ما يسمى بفكر(الجاهلية المجتمعية)، والتي تتلخص بتكفير المجتمعات بما فيها الإسلامية الحالية، كونها لا تطبق حكم الله وربوبيته وفق رؤاهم ونهجهم، معتبرين أنفسهم وفكرهم أنهم الإسلام الحقّ، وما غير ذلك فهو كافر حتى من المسلمين، ويجب عليهم تقويم الجميع، وإخضاعهم بالقوة والعنف لحكم الله، والصحيح والذي هم أهله لا سواهم من العالمين.
يعتمد المنهج السلفي على فكرة نبذ البدع (لأنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وفكرة الفرقة الناجية التي استقواها من الحديث النبوي الشريف: تنحسر اليهود عن إحدى وسبعين شعبة والنصارى على اثنتين وسبعين شعبة و أمتي (الإسلام) على ثلاث وسبعين شعبة كلهم في النار إلا واحدة وهي من كان على ما أنا عليه أنا وأصحابي) وهذه الفكرة جعلت المنهج السلفي أصل كل المناهج التكفيرية الجهادية المتطرّفة، لأنّها تقوم على أنها هي وحدها الفرقة التي على الصواب، وعلى نهج السلف الصالح، وهي الوحيدة التي على حق، وكلّ الجماعات الأخرى على باطل، وهي كافرة؛ لذلك يمكن القول: إنّ كل الجماعات الجهادية المتطرفة خرجت من عباءة السلفية، وبالتالي فكلّ الجماعات الجهادية المتطرفة، هي جماعات سلفية كتنظيم الجهاد المصري وتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
جماعة الأخوان المسلمين والقاعدة
كان العديد من المفكرين والعلماء المسلمين في حالة الرثاء والندب بعد زوال الخلافة الإسلامية المتمثلة بالإمبراطورية العثمانية وضياع هيبة وقوة ومجد المسلمين بانهيار هذه الإمبراطورية، وازداد هذا الشعور في نفوس المسلمين بإلغاء الخلافة الإسلامية من قبل مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924م، ما دفع بعض الجماعات والحركات إلى المناداة بإعادة الخلافة الإسلامية والإمبراطورية، ومنها كانت جماعة الأخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الشيخ (حسن البنا) سنة 1928م وحلّ بعده (سيّد قطب) وكان هدفه إقامة الخلافة الإسلاميّة، وتطبيق شريعتها في المجتمع، وكانت هذه الحركة سبباً في انتشار وظهور الكثير من الحركات المتطرفة في العالم العربي والإسلاميّ، حيث كانت لأدبيات الأخوان المسلمين تأثيرٌ كبير في نشر التطرّف واللجوء إلى العنف والإرهاب، بغية الوصول إلى السلطة والحكم وتصفية الخصوم، فالإسلام السياسي الذي تروّج له جماعة الأخوان المسلمين يتفق في مضمونه مع الفكر الجهادي السلفي أكثر من كونه متّفقاً مع الدين الإسلامي عامة، وكان العباءة التي خرجت منها القاعدة وحركة حماس وتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة وغيرهنّ من تنظيمات جهادية عنفيّة، و من أهم منظريها: (سيد قطب، عبدالقادر عودة، ومن المعاصرين الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد أحمد الراشد وفيصل مولوي) حيث قاموا بتشكيل جهاز عسكريّ يقوم بعمليات اغتيال وقتل وتصفية للخصوم، وممّا قاموا به في هذا الإطار اغتيال الرئيس المصري (أنور السادات) سنة 1981م، وعندها تمّت ملاحقتهم، ممّا اضطر الكثير من قياداتهم إلى الهرب إلى الخارج وخاصة أفغانستان، حيث هناك الأرضية الأكثر خصوبة لفكرهم وتوجههم، وبالفعل تحوّلت أفغانستان إلى ساحة جهادية، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة، والمعسكر الغربي أو الرأسمالي وحلفاءهم في المنطقة مثل السعودية سهّلوا وشجّعوا عبورهم إلى أفغانستان لمقاتلة الجيش الأحمر السوفيتي هناك وهو الخصم القوي للغرب وقتذاك فقاموا باستغلال هؤلاء المتشددين للدفاع عن مشروعهم في الشرق الأوسط والعالم عامة وقد نجحوا في ذلك، فضلاً عن فتاوى الشيخ الفلسطيني (عبد الله عزام) التي دفعت بالشباب المتحمّس إلى الانضمام إلى صفوف المقاتلين (المجاهدين) ضد الكفار الشيوعيين السوفييت في أفغانستان، وبالطبع خدمة للكفار الغربيين الصليبيين، وقد تعاملت معظم دول العالم الليبرالي تاريخيّاً مع جماعة الأخوان المسلمين كجدار حماية للأنظمة ضد التحدّيات والمخاطر التي شكّلتها الحركات والتنظيمات والنزعات الأيديولوجية الراديكالية اليسارية والقومية، وكجدار واق من خطر الحركات والجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية والجهادية، ومع دخول عصر العولمة باتت الجماعة نفسها تشكّل تهديداً للأنظمة، وعقب الحركات الاحتجاجية تبدّل تعريف الجماعة من جدار حماية إلى الحزام الناقل للتطرف والعنف، ويذكر الصحفي الأمريكي (مارك كورتيس) في كتابه (التاريخ السرّي لتآمر بريطانيا مع الأصوليين): تم دعم هؤلاء المجاهدين وجماعات المقاومة من أهالي أفغانستان الّذين ارتبطوا بهم بمليارات الدولارات كمعونة وتدريب عسكريّ قدّمته أساساً السعوديّة، والولايات المتحدة، والباكستان، وبريطانيا أيضاً، وكان لبريطانيا بالفعل تاريخ طويل في دعم القوى المتأسلمة، والعمل إلى جانبها في الوقت الذي عبر فيه السوفييت الحدود الأفغانية، لكنّ التآمر مع المجاهدين في أفغانستان كان شيئاً مختلفاً عن هذه الوقائع السابقة، كان جزءاً من العملية السرّيّة الأشدّ اتّساعا له، وليتحوّل منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا ما يؤكد من خلال تحالفاتهم، وتوجهاتهم، أنّهم حركات طموحها الأهمّ والأسمى هو الحصول على السلطة، واعتلاء صهوة الحكم في أيّ مكان متاح في العالم، وهذا مهّد بشكل كبير إلى تشكيل حركة يمينية متطرفة عرفت باسم؛ (الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين) وما يعرف بتنظيم (القاعدة) حيث بدأت فكرة الجهاد العالمي عنواناً رئيسيا لنشاط القاعدة، وهذه الحركة جاءت نتيجة تزاوج الأيديولوجية الجهادية القادمة من مصر، والسلفية الوهابية القادمة من السعودية، وكان المنتج عن هذا التزاوج السلفي الجهادي الأخواني (تنظيم القاعدة) وترجم هذا التزاوج بتحالف بين (أيمن الظواهري المصري، وأسامة بن لادن السعودي) وتشترك القاعدة مع السلفية في مرجعيّتها حيث يعتبر تراث وأدبيات ابن تيمية، إضافة إلى أفكار سيد قطب هما المنهل لهما وأهم كتبهم المقدسة.
وبعد التحولات والتغيرات التي طرأت على الساحة العالمية عامة والإسلامية بصورة خاصة وبداية ما يسمى بظهور الربيع العربي وكذلك مقتل زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) سنة 2011م، والذي يُعدّ الزعيم الروحي لكل الحركات الجهادية والمتطرفة الإسلاميّة باختلاف مسمياتها في القرن الحادي والعشرين، صارت هذه الجماعات تسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية محدّدة تركز على الأهداف المحلية للبلدان الإسلامية، وظهرت هذه الاستراتيجية بوضوح في كيفية عمل جبهة النصرة في سوريا التي تشكلت في سنة 2011م خلال الأزمة السوريّة حيث أنها دعت وشجعت على حمل السلاح في وجه الحكومة، ثمّ في وجه كلّ من لا يتماشى مع رؤاهم وفكرهم، ويُعدّ (أبو محمد الجولاني) أميراً لها، وهي تنتمي إلى تيار السلفيّة الجهاديّة (تنظيم القاعدة)، كما أنّها تتلقّى الدعم والمساعدات والكوادر البشرية من السلطة التركية، ومن ورائها داعمون آخرون كدولة قطر وجمعيات وأفراد على مستوى العالم، حيث شهد الشمال السوري عدة عمليات عسكرية بمشاركة الاستخبارات التركية مع عناصر جبهة النصرة التي صنفت كمنظمة إرهابية في العديد من بلدان العالم ، مثلا مشاركتها في الحرب على الأكراد في عفرين وشمالي حلب وقبلها في رأس العين وتل أبيض وكوباني وممارسة التطهير العرقي والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي في تلك المناطق، ولا يقتصر الدعم التركي على الدعم العسكري واللوجستي بل تعداه إلى إقامة معسكرات تجميع وتدريب للمتطرفين القادمين من مختلف أنحاء العالم، ثم تسهيل عبورهم إلى سوريا للقيام بالعمليات العسكرية وممارسة العنف والإرهاب بحق أهل وسكان البلاد، وقد استغلوهم في محاربة مخاوفهم من قيام كيان كردي في شمالي سوريا وحتى مخاوفهم من التوصل لحل سوري واستقرار للسوريين قد يثمر على ديموقراطية على حدودهم .
الدولة الإسلامية في العراق والشام:
الباحث في نشأة هذا التنظيم المتطرف الإرهابي فكريا وعقائديا سيجد أنه خرج وترعرع في كنف تنظيم القاعدة الإرهابي الذي كان صناعة أمريكية غربية سعودية أخوانية بامتياز، الزعيم الروحي لهذا التنظيم هو الأردني (أبو مصعب الزرقاوي) والذي التقى بابن لادن ونائبه الظواهري سنة 1999م و أوكل إليه مسؤولية معسكر تدريب الإرهابيين غربي أفغانستان، وهناك التقى وعمل مع (عبد الله المهاجر) الذي كانت لكتاباته المتشددة الأثر الكبير في تكوين شخصية أبي مصعب الزرقاوي وتعطّشه لإراقة الدماء فقد ورد في كتابه؛ (مسائل في فقه الجهاد): إنّ قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصودٌ، بل محبب إلى الله ورسوله، وسببا في التقرّب إلى الله.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول التي قام بها وتبنّاها تنظيم القاعدة، تغيّرت أوضاع الجهاديين جذريّاً، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف دولي، وغزت أفغانستان واجتاحت أراضيها بحجة محاربة الإرهاب، ثم غزت العراق ممّا اضطر أسامة بن لادن إلى الاختباء، و قام الزرقاوي بالفرار إلى العراق، وأثناء قيام التحالف بقيادة أمريكا غزو العراق وإسقاط نظام (صدام حسين) البعثيّ، وما نتج عن ذلك من انهيار للدولة العراقية ومؤسساتها، ففتح المجال أمام الجماعات الجهادية المتطرّفة إلى الظهور، وحينها أنشأ الزرقاوي تنظيم التوحيد والجهاد، وتحالف مع بقايا نظام صدام حسين ليجتمع بذلك الجهاديّون المسلمون مع القوميين العراقيين السنة الناقمين على انهيار دولتهم في سنة 2006م، قتل الزرقاوي بغارة أمريكية وبعدها بشهور قليلة ظهر تنظيم جديد عرف باسم (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق) وينضوي تحت لوائه فرع تنظيم القاعدة في العراق، وقتل زعيما التنظيمين كذلك بغارة أمريكية، فظهرت شخصية جديدة على الساحة (إبراهيم عواد البدري) الملقب بأبي بكر البغدادي الذي أعلن تنظيماً جديداً أسماه؛ (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وأعلن نفسه خليفة على المسلمين، وأميراً للمؤمنين، وقائداً للدولة الإسلامية التي عمدت إلى انتشار القتل والتكفير والذبح والقيام بأفظع الجرائم، وارتكاب أبشع المجازر بحق المدنيين العزّل من كل الطوائف والأثنيات والأعراق، والتي ترجع بمنبعها ومبادئها إلى جماعة الأخوان المسلمين، حيث يقول الدكتور(إبراهيم عبد) الأستاذ في جامعة عين شمس وخبير الحركات الإسلامية: إنّ الدولة الإسلامية في العراق والشام والجيش الحر وجبهة النصرة تكوّنت نتيجة دعوة القرضاوي؛ رئيس الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين للجهاد في سوريا، هي جزء من التنظيم الإرهابي العالمي الذي يسمّى بالتنظيم الدولي للأخوان الذي أُنشئ في أواخر الأربعينيّات بقيادة سعيد رمضان؛ صهر حسن البنا؛ مؤسس حركة الأخوان المسلمين، وكان مقره الرئيسي في سويسرا، والغرض من هذا التنظيم هو إرضاء القوى الاستعمارية المتمثلة في الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل وحلفائهما لكي يبقوا في الحكم الى أبد الآبدين.
وهنا يظهر لنا جانب آخر من جوانب هذه الحركات اليمينية الإسلامية المتطرفة غير أنها جماعات تعم في الأرض فساداً وقتلاً وتدميراً للبشر والحجر باسم الدين، هو ارتباطهم المباشر وتلقّيهم الدعم المادّي واللوجستي من قوى اليمين المتطرف الغربي المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، والبراغماتية التي تربط طرفي اليمين الغربي والإسلاميّ، ويكشف عن مدى تبعيّة، وتسخير هذه الجماعات وخدمتها الدول الرأسمالية والاستعمارية، بغية الحفاظ على مصالحهم، وإنّ كلّاً منهما يخدم الآخر، فما نجده اليوم من خطابات الكراهية والسلوك العدواني تجاه الجالية المسلمة في أوروبا يتّخذه اليمين المتطرف الإسلامي كشماعة تدعم به موقفه وصحة آرائه حول الآخر المختلف، بأنّه عدوّ يريد قتلنا، وإلغاء ديننا، مستغلّاً بذلك زيادة عدد مجنّديه من الشباب المسلم، وزجّهم في صفوف الحركات المتطرفة الإسلامية، وفي مقابل ذلك تقوم هذه الجماعات التكفيرية بأعمال إرهابية تستهدف الغرب كأحداث 11 من أيلول، وتفجير السفارات الأوروبيّة، وذبح الصحفيين الأجانب، وتفجير القطارات، معطياً بذلك الشرعية لليمن المتطرف في الغرب، وقوى الرأسمالية العالمية بغزو البلدان الإسلاميّة، وإنشاء قواعد عسكرية لها وتوسيع نفودها، متذرّعة بحجة مكافحة هذه الجماعات الإرهابية كما حدث في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا، والسيطرة على ثروات هذه البلدان، كما يمكن ملاحظة جانب آخر سوداوي يظهر في نشاط هذه الجماعات اليمينية الإسلامية المتطرّفة في فترات الاستبداد تكون هذه الحركات في حالة سكون، ولا تظهر على المشهد السياسي والاجتماعي، ولكنها تنشط مع نشاط حركات الوعي التحرّريّ، وتخمد بخموده، وهذا ما حدث في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن، فما أن ظهرت حركات تحرّرية مطالبة بتغيير الوضع القائم نحو المزيد من الحرّيّات، والمزيد من الانفتاح، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومواكبة الحداثة والمعاصرة، نجد أنّ الحركات المتطرّفة تظهر على الساحة، فتستلم زمام الأمور، وتضفي عليها طابعها الإسلامي المتطرف، ما يعطي الذريعة والحجة للقضاء عليها وإخمادها.
كما يمكن إضافة عناصر جديدة تثبت العلاقة الوطيدة بين معظم الحركات الأصولية والأخوان المسلمين، إنّ معظم جماعات اليمين المتطرف تحمل وتتبنى أفكار (حسن البنا)؛ مؤسس جماعة الأخوان المسلمين، وكذلك منهج العنف الناتج عن منهج ورؤى سيد قطب خليفة (حسن البنا) في قيادة هذه الجماعة، والمنطق الرئيسي لجميع الحركات الإسلامية المتطرفة والأخوان المسلمين واحد؛ وهو التستر بعباءة الدين الإسلامي بدعوى إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية بغية الوصول إلى السلطة، ويذكر الدكتور (جمال سند السويدي) في كتابه (السراب): وبتسليط الضوء على فراغ، ولاواقعية شعاراتها المركزية (الإسلام دين ودولة، الإسلام هو الحل، دولة الخلافة، الحاكمية)، وهذا ما يتأكد اليوم بالملموس مع تنظيم داعش البربريّ، والذي يشكل بامتياز دولة السراب والأوهام.
يتبع
التعليقات مغلقة.