مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

الإسلام الديمقراطي

دلال خليل

دلال مهدي
دلال خليل

نحن الآن في أمسّ الحاجة إلى توضيح معنى الإسلام تفسيراً ديمقراطياً معتدلاً، لأن الإسلامَ له نفوذ كبير جداً، وله عدة وجهات وتيارات متعددة هذا ما هو متعارف عليه المجتمع نتيجة اختلاف في الأفكار والتفاسير، ولتنظيم نمط الحياة لأن معرفة الدين الإسلامي الحقيقي الذي أصبح موضوعاً مهماً جداً اليوم، وأصبح كل من يدّعي التحضّر والتمدن يتناولون هذه القضية ويحاولون تشويه الدين الإسلامي على أنه الأساس والسبب في التخلف والدمار ولم يحاولوا الغوص في التفاصيل بما هو أقرب للحرية والعدالة لأن هناك معركة ومواجهات ساخنة بين مجموعة من يتبنون الأيديولوجيات والأنشطة السياسية وبين من يحمل الفكر الإسلامي الديمقراطي الحر هذه المواجهات التي تهدد الاستقرار في المنطقة.

لقد أصبح الإسلامُ الديمقراطي يواجه الكثيرَ من الأسئلة، وليس من الخطأ أن نعملَ سوياً من أجل إرساء دعائم فكرة الإسلام الديمقراطي وشرحها شرحاً دقيقاً للمساهمة في رفع مستوى الوعي الديني الصحيح في المجتمع وتبيان رسالة الدين الإنسانية والعادلة وتجنب الادعاءات المغالطة التي تحصل باسم الدين والإسلام.

يمكننا القول بأن الإسلامَ الديمقراطي هو دينُ المحبة والسلام وهو الدين الذي يجلب الطمأنينة ويزرع الأمن والأمان لمليار إنسان وأكثر في العالم. ونستطيع أن نوصفَ الإسلام بأنه أساسُ نهضة أي أمة، لما فيه من الحرص على كرامة الإنسان وحريته إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم:(ولقد كرّمنا بني آدم).

الإسلام يستطيع أن يبني علاقات متينة ورائعة داخل جميع المجتمعات رغم اختلاف الثقافات والأديان, ولدى العودة إلى الماضي وجعله أساساً ودستوراً لإكمال مسيرة الحياة الطبيعية الحرة, ونعمل على إبراز مجموعة من القيم الراسخة في القرآن الكريم والثقافات المتنوعة، وأن نستمدّ كل فكرة من جذورها ونقارنها بواقعنا لنستطيع أن نلائم الواقع وندرس ما تعارف عليه المجتمع الذي أصبح قانوناً عفوياً والإسلام لم يفرضه.

نعتبر هذه الدراسة هي أساسٌ لأي حركة إصلاحية، لأن كلّ ما فُسّر من قبل ليس قالباً إلى مالا نهاية، بل التجديدُ دائماً هوما يعطي الرونق والحيوية لأي شيء ولا نكون متشبثين بما حاولوه بعض السياسيين من قبل.

إن الإصلاحَ السياسي المفروض باسم الدين أصبح عبئاً كبيراً على المجتمع. نجعل الإسلام الديمقراطي مقاومة للشر الذي نعيشه وبدورنا نستطيع أن نعقل بعض منظومات الحكم ليكون بمثابة معالجة كل داء. أصبحنا بحاجة إلى شرح معنى الإسلام الحقيقي وخاصة بعد تزايد الصعوبات والإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية. ومن عملنا عدم التعارض بين الإسلام والحداثة السياسة والاجتماعية. الفكر العميق تعطينا القوة والمتانة، وهو الآلية الناجحة ضد أي فكر جامد. نحن لا نريد قطع الشجرة من جذورها إنما نريد أن نبين جمالية هذه الشجرة.

عملنا اليوم هو الفصل بين الإسلام الديمقراطي والإسلام الراديكالي. نود في هذا البحث أن نتناولَ علاقةَ الإسلام والديمقراطية، هل هي علاقة تفاعل ممكن الاستفادة منها أم هي علاقة تنافر, وهل اليوم نحن بحاجة إلى شرح معنى الإسلام الديمقراطي

ولأننا نعيش مرحلة يتبين لنا مفهوم الإسلام الديمقراطي بشكل خاطئ, فقد تحولت جميع المقاصد والمفاهيم الإسلامية إلى صراعات غير متناهية وتؤدي إلى النزاعات بين المجتمعات، مما أدى إلى غضب الأمة الإسلامية مما أصابهم من إحباط نتيجة تخلف العالم الإسلامي من ركب الثقافة العالمية المعاصرة واجتمعوا على أن الإسلام يمارس الأسلوب التعسفي ويتفاءلون عند الأفكار التقدمية، ولبيان سماحة الإسلام وعدالته يجب أن نطالع القرآنَ والسنة.

نحن كأمة إسلامية نحافظ على مبدأ الشريعة الإسلامية وتراثه وبدورنا نصب جهودنا في تفاصيل الحياة اليومية، وهدفنا هو الحفاظ على قواعد الإسلام وقيمه ولا نخشى الحياة الحديثة ولا نجد خطراً على المجتمع الإسلامي بل نميل إلى التكيف مع البيئة المحيطة التي نعيش فيها ونستوعب جميع التغييرات الحاصلة نتيجة التقدم.

بدورنا نستطيع أن نطرحَ أو نشرح معنى الإسلام الديمقراطي، شرط أن يكون خطابنا خطاباً فعالاً وجذاباً ونقوم بمناقشة جميع القضايا التي تؤدي إلى الإصلاح والحفاظ على روح الإسلام وتعاليمه لا إلى التفكك.

ويمكننا القول بأن هناك ثلاثةُ محاور أساسية في الإسلام تجدر بالدراسة:

1: العقائد

2: العبادات

3: المعاملات

العقائد والعبادات توقيفية تستمد مشروعيتها من الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة قطعية الدلالة ولا نستطيع أن نتحدث فيها لأنها ليست موضوع بحثنا، أما المعاملات فيمكن أن نستمد من قوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)

وهو ما يتعلق بشؤون الإنسان ومعاشه ويشمل العلاقات المجتمعية والاجتماعية وصوره اختيار الحاكم وسبل عزله.

في الإسلام تعددت الصورُ والنماذج في حالات اختيار الخلفاء الراشدين, فأبو بكر اختير في حالةً متأزمة حفاظاً على الوحدة، وعمر تم بيعته باقتراح شبه تعيين من أبو بكر, وعلي بويع بالخلافة في حالةٍ من تفكك الوحدة الإسلامية، وعثمان اختير من بين مجموعة ولا مانع من الاستفادة واختيار سبل أخرى يضمن الاستقرار والعدل لأنه الغاية من نزول الرسالات يقول الله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)

إن بناء الإنسانية وعمارة الأرض هو رسالة جميع الرسالات السماوية ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن الديمقراطية التي جاء بها الإسلام لها أهداف دنيوية وروحية في آن واحد وهو غاية الإنسان، وهدفه تحقيق سعادة الأمة.

يؤكد الدين الإسلامي على ضرورة المحافظة على خصوصيات القوميات الأخرى وعدم التمييز بينهم على أساس الفكر أو العقيدة، لأن الإسلام لم يكن ذا أفق محدود ولم يخاطب جماعة أو أمة معينة، الإسلام لم ينظر إلى إنسانية الإنسان، هناك مسؤولية فردية وقد تكرر وجودها في القرآن الكريم (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي أن الإنسان لا يحاسب بذنب ارتكبه آبائه وأجداده.

وإذا تأملنا في سيرة النبي (ص) عند قدومه إلى المدينة، فيتضح لنا أنه أقر ما كان من علاقات واتفاقيات لم يمنع أمر مبدأ التعدد الديني داخل المجتمع الواحد في وقت كان التعصب الديني قد بلغ مداه، اتضح لنا في وثيقة المدينة بأن الرسول (ص) أقر ما كان من علاقات واتفاقيات وروابط في الجاهلية استمر عليها مادامت لترسيخ الروابط يقول الرسول: (لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) لقد عرف المجتمع الإسلامي أول دستور مكتوب في عهد النبي (ص) يعترف بالمواطنة غير مبنية على الانتماء الديني كما هو شائع في الدول والحضارات المعاصرة لصدر الإسلام والنظم السياسية التي جاءت بعد ذلك.

في عهد النبي عند كتابة الوثيقة كان المجتمع متكون من مجتمعين وثقافتين مختلفتين تماماً (المسلمون واليهود) كان النبي يسعى لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المؤمنين على المستوى الأضيق أي على مستوى العشائر والقبائل، وقد اعتبر اليهود جزءاً من الأمة المشكلة حيث يقول في البند (25) (وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم)

وقد جاء الإسلام بمبدأ الحرية الدينية والفكرية كما في قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) ونرى أيضاً في بنود الوثيقة من (1_13) يؤيد هذا المنحى (المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين) وذكرت البنود الأخرى بعض القبائل المشمولين بالوثيقة… (ربعتهم) أي أمرهم واتفاقهم الذي كانوا عليه من قبل (يتعاقلون بينهم) أي دفع دية القتيل حسب الاتفاق. وثيقة المدينة عملت على إبقاء العادات والتقاليد المتعارف عليها التي لم تكن شراً، يعني ابقاء ما كان متعارضاً مع مبادئ الوثيقة التي تحمل معاني الخير والتعاون نستطيع أن نؤكد إن الوثيقة أبقت جميع الأمور التي كانت سائدة ضمن المجتمع آنذاك، وحافظت على جميع قيمهم وعاداتهم ودياناتهم شرط أن يعملوا سوية على صد أي هجوم خارجي يتعرضون له وعدم مخالفة المبادئ الإنسانية.

الآن نحن نحاول جاهدين أن نعمل كما عمل الرسول (ص) حيث تعامل الرسول مع واقع متعدد الأديان والأعراف والطوائف رغم الاختلاف ليكون الحل الأمثل للعيش المشترك وبناء الإنسانية ورفض كل أشكال العنف والعدوان ليكون الإنسان حراً في اختياره، يقول الله في كتابه العزيز (يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) الاختلاف أصبح نعمة وممكن الاستفادة منها اليوم نقوم بإعادة هذه الصياغة وإعادة كتابة الدستور لنستطيع أن نتجاوز هذه الأزمة.

لدى طرح بعض القضايا قد يختلف الكثيرون في فهمها وإدراكها ويمكننا الانخراط في تحليلها بأساليب سليمة يمكن أن يقبلها واقعنا اليوم. صحيح أننا نواجه أنظمة تحرّم الخوض في النقاش وتجديد الخطاب الديني لأننا نعيش في حالة انقطاع وجمود في البحث والتفكير الإسلامي لقرون، وهذا الانقطاع قد خلف تراكماتٍ وتكلسات من الصعب أن ينفض الغبار عنها إلا بالبحث والتعمق والخروج بالنتائج وتحليلات تفيد المجتمع اليوم، ونقول إن كنا عاجزين عن فتح المجال للنقاش والتجديد والبحث سوف تنهار جميع المبادئ الإسلامية وتبقى مجرد اسم متهم بالقتل والدمار وكبت حرية الأشخاص.

الفكر الإسلامي الديمقراطي المعاصر يحتاج إلى التأمل إلى واقعنا اليوم وما نعانيه كما قلنا سابقاً هناك آليات عمل بها الرسول (ص) في عهد النبوة وعلينا أن نتخذه خطوة إيجابية فعالة لنخرج بنتائج قد يكون ملائماً لجميع الأديان وجميع الثقافات، لأن القضايا التي حصلت في الآونة الأخيرة من محاولة تشويه الدين الإسلامي قد أثيرت الفكر وأثيرت أيضاً جميع العلوم الاجتماعية لنتخلص من هذا التراكمات نتجه إلى الخطاب الديني الجديد وانتقاء بعض الأساليب أو الخطب الدينية وهذا هو عملنا ولا يجرؤ عليه إلا القليلون ونتمحص إلى نظرة أخرى لمفاهيم التعاليم الإسلامية نحتاج إلى مفكرين واقعيين ليناقشوا هذه القضية بكل ثقة وشجاعة للدعوة إلى الإسلام الديمقراطي وإعادة جميع الفروعات إلى أصولها والبحث في تفاصيلها لملائمة العصر الحالي ونجعل باب الاجتهاد مفتوحاً دائماً لأنه يلغي الجمود ويدعو إلى الانفتاح بما ينفع الناس من معاشهم لمواكبة المتطلبات الحاضر والمستقبل.

لهذا نرى أن اختيارَ الديمقراطية كآلية لنظام الحكم، ولا يعني ترك النص القديم الذي هو شورى والديمقراطية كآلية لاختيار الحاكم وعزله، الذي هو أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني لإدارة البلاد وهذا طبعاً لا يتنافى مع الإسلام المنفتح. لنستطيع أن نزيل العوائق التي تمنع من تقدم الأمم والمجتمعات.

الديمقراطية هي الحل الأنسب للتواصل بين جميع الأمم وفهم الآخر، ويمكن معها تحقيق وسط آمن يحقق للكل التعبير عن نفسه وممارسة شعائره الدينية وثقافته وتحقيق الأمن والاستقرار للعيش المشترك بين مختلف الأقوام والمذاهب والأديان والمعتقدات المختلفة وهذا هو هدفنا ورسالتنا والرسالة المشتركة لكافة الأديان السماوية وهو أقرب إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.

كاتب

التعليقات مغلقة.