مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

مجازرُ الأرمن والسريان.. “عقيدةُ الأتراك القائمةُ على القتل”

 مصطفى عبدو

مصطفى عبدو
مصطفى عبدو

ارتكبَ الأتراكُ وما زالوا يرتكبون جرائمَ  ومجازرَ لا تُنسى ولا يمكن حصرها بحق شعوبها جمعاء والشعب الأرمني خاصة، أزهقت خلالها وما زالت تزهق أرواحاً وتعرّضُ حياة الآمنين للخطر وتحظر حرية التعبير وتزعزع الاستقرارَ وتسفك الدماء ولم تتوقف دوامة العنف طيلة القرون الماضية وماتزال مستمرة. وهنا سأتناول أهمّ هذه الجرائم التي يمكنني وصفها بالهمجية والتي ما كان لها أن تحصل لولا الصمت العالمي، والذي إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الضميرَ العالمي في سُبات عميق.

كلمة مذبحة أو “مجزرة” لها أكثر من معنى وتُطلق على القتل الجماعي لمدنيين عزّل في الحروب، وتُصنف من جرائم الحرب.

وتعرّف مفوضياتُ حقوق الإنسان المذبحة بأنها “قتل وتصفية خمسةُ أشخاص أو أكثر في مكان محدد وعملية مقتصرة ضد أفراد غير قادرين عن الدفاع عن أنفسهم”. يصعب عدّ الجرائم التي ارتكبها العثمانيين الأتراك بحق الشعوب، فمنذ الأزل وأيادي القتل تنهش جسد الشعوب المتعايشة، ومسلسل القتل مازال مستمراً.

يتحدث التاريخُ عن عشرات المجازر، نختار تلك التي اشتهرت بعدد ضحاياها الكبيرة “مجازر سيفو”.

في ذاكرة العالم 24 نيسان هو يومٌ لذكرى المجازر التي تعرض لها الأرمن والآشوريين على أيدي العثمانيين الأتراك, إلا أن الحقيقة هي إن الإبادة شملت أطيافاً عدة من الشعوب أولها الأرمن ويليهم السريان ثم الروم الأرثوذكس وجميع من قادهُ مصيرهُ التعيس إلى أن يكون من سكان تركيا.

تُعْرَفُ هذهِ المذابح بــ (مذابح سيفو) والتي تعني باللغة السريانية (مذابح السيف), في إشارةٍ إلى طريقة قتل معظم الضحايا، كما تُسمى أيضاً بالسريانية (قطلو دعمو سريويو) أي التطهير العرقي، ويُعْرَفُ العام الذي شَهِدَ هذه المجازر بــ (شاتود سيفو) أي عام السيف.

مذبحةٌ بشعةٌ نفذتها العثمانية التركية, راح ضحيتها وخلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ أكثر من مليون ونصف المليون من الأرمن وأكثر من نصف مليون من الآشوريين (سريان وكلدان), ليس هذا فحسب بل هَجَّرَ وشَرَّدَ غالبية من تبقى إلى الأرض الواسعة ليواجهوا مصيرهم هناك حيث الجوع والفقر والمرض والإرهاق.

وزير الحرب العثماني: احرق –  دمر – اقتل

(احرق – دمر – اقتل) هذه الكلمات هي فحوى البرقية التي أرسلها طلعت باشا وزير الحرب العثماني إلى والي ديار بكر. وللعلم تم اغتيال حاكم نصيبين التركي (نوري باشا) عندما رفض دخول الجيش إلى نصيبين, لعلمه بأن هذه العملية ستؤدي لوقوع مذبحة مما استدعى محمد رشيد باشا والي ديار بكر بإصدار أمر باغتياله.

كيف نُشر خبر المجزرة في العالم؟؟؟

أكدت بعض الصحف الصادرة وقتها عن وقوع مجازر بشعة بحق الشعب منها جريدة (واشنطن بوست) وجريدة (نيويورك تايمز) و(لندن تايمز), إضافةً إلى عدة تقارير واردة من القنصليات ورجال الدين من مختلف المذاهب, والكثير من الشهود العيان الذين عاشوا المأساة ونجوا من المجازر ونقلوا ما شاهدوه, ومازالت أحاديثهم الحية تعيش في عقول وقلوب الأبناء والأحفاد، كما أن الصحفَ التركية في تلك الفترة تتباهى بالقضاء على (الكفرة) حسب زعمهم.

أسباب ودوافع المجزرة

أعطى الباحثون عدة أسباب لعمليات الإبادة التي نفذها العثمانيون الأتراك بحق هذه الأقليات, واتفق جميع الباحثين على أن السبب الرئيسي وراء هذه المجازر هي خشية تركيا من انضمام هذه الشعوب إلى الروس، وخوف تركيا من انفصال أجزاءٍ واسعةٍ من الامبراطورية مثلما حدث في دول البلقان, حيث نالت معظم هذه الدول استقلالها.

هناكَ سببٌ آخرٌ هو إن محاولات تتريك الشعوب القاطنة ضمن الدولة أدت إلى ردودِ أفعالٍ معارضة, واستعمال العثمانيين العنف في محاولةٍ منها لدمج تلك الشعوب وأنصارها ضمن الدولة التركية.

إنكار المجازر من قبل الأتراك

تعتبر تركيا وأذربيجان الدولتان الوحيدتان اللتان تُنكران حدوث مجازر في عهد الدولة العثمانية، فالأتراك يَدَّعونَ بأنه لم تكن هناكَ أيةُّ خطةٍ منظمةٍ لإبادة الأرمن والآشوريين في أراضيها, كما تعتبر إن أعداد الضحايا مُبالغٌ فيها.

محاولات متكررة لإخفاء الحقائق من قبل الأتراك

حاولت الدولةُ التركية الحديثة إخفاءَ الوثائق والصحف الصادرة في تلك الفترة, لكنها لم تُفلح بالرغم من وضعها إمكانيات مادية وبشرية كبيرة لهذا الهدف، ولأجل تحريف الحقائق التاريخية ومحاولتها أيضاً البحث عن الجُناة الحقيقيين حسب رأيهم، فوفقاً للمصادر العثمانية التركية نفسه, ومن خلال الوثائق الرسمية الصادرة من وزارة الدفاع والداخلية العثمانية, ورسائلها الموجهة إلى ولاة الولايات التركية ورسائل هؤلاء الولاة إلى الحكومة المركزية في اسطنبول, والتي تؤكد تنفيذ هذه المذابح بحق الشعب الأرمني والسرياني الآشوري الكلداني.

وثائق رسمية تركية تؤكد وقوع المجازر

البروفيسور (دافيد كاوند) قَدَّمَ بعض الوثائق القيمة والتي لاتدع مجالاً للشك والريب, وكشف من خلال هذه الوثائق عن وجود وثائق رسمية تركية محررة آنذاك والتي تؤكد وقوع المجازر، والبروفيسور من خلال هذه الوثائق استطاع أن يحدد عدد السكان والقتلى في كل منطقة.

الأرمن الغريغوريون عدد السكان (60 ألف) قُتِلَ منهم (58 ألف).

الأرمن الكاثوليك عدد السكان (20020 ألف) قُتِلَ منهم (11010 ألف).

الكلدان (11020 ألف) قُتِلَ منهم (10100 ).

السريان الأرثوذوكس (84725) قُتِلَ منهم (60725) .

البروتستانت (725) وقُتِلَ منهم (500) .

اعتذار كردي عن المجازر التي حدثت

أما بالنسبة إلى دور الكرد في تلك المجازر, يذهب بعض المؤرخين إلى إن السبب الرئيسي وراء تورط بعض من المحسوبين على الكرد في هذه المجازر هو الانسياق وراء (حزب تركيا الفتاة) ومحاولة الأتراك إقناع هؤلاء من المحسوبين على الكرد بأن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم, بالرغم من المجازر التي ارتكبها الجيش العثماني ضد المدنيين الكرد في (بيازيد) وغيرها من المدن الكردية, إلا أن سياسة الترهيب والترغيب دعت بعض العشائر الكردية إلى الوقوف مع الأتراك, كما استغلت ميليشياتٌ كرديةٌ الفوضى في المنطقة لفرض هيمنتها والحصول على بعض الغنائم والمكاسب.

هذا ولم تحظَ مذابح سيفو باهتمامٍ رسميٍ عالمي واسع, غير إن السنوات الأخيرة شهدت اعترافاً من دول ومنظمات بالمجازر التي حدثت.

حتى أن بعض الشخصيات والمؤسسات الكردية قامت بالاعتذار عن دور الكرد في مجازر الأرمن والآشوريين واليونان مثل عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. كما أصدر البرلمان الكردي في المنفى بياناً بمناسبة ذكرى هذه المجازر جاء في البيان :

” لقد تم التخطيط والإعداد للإبادة من قبل, كما تم استخدام الخيالة الحميدية المكونة من عشائر كردية للقيام بالإبادة التي لم يكن التاريخ يعلم بها شيئاً. خلال هذه المجازر قتل الملايين من الأرمن والآشوريين كما تم ترحيل ملايين آخرين من أراضيهم إلى كافة أصقاع المعمورة. في هذه الذكرى المأساوية للمجازر التي حلت بالشعب الأرمني الآشوري السرياني، نشاركهم الحزن ونلقي باللوم وندين بأشد العبارات الدولة العثمانية ومن تعاون معها من بعض العشائر الكردية”.

الأرمن في مانفيستو الحضارة الديمقراطية 

يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في المجلد الخامس مانفيستو الحضارة الديمقراطية صفحة \142\:

” أن حضورَ الأرمن القوي في المجال الاقتصادي كان سبباً في استهدافهم من قبل منافسيهم المتربعين على عرش السلطة (المقاولون اليهود – البرجوازية التركية ورؤوس الأموال التركية), فعندما انتفض الأرمن في سبيل إنشاءِ دولةٍ قوميةٍ لهم وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام الهجوم المضاد من قبل إدارة الاتحاد والترقي, بناءً على قرارها المذيل بتاريخ 24 نيسان 1915, فَطُرِدوا من وطنهم الأم الذي قطنوه آلاف السنين وأبيدوا على طرقات النفي, في حين حكم على الباقين منهم بحياة الشتات مدة طويلة من الزمن.

أي أن أرمن الشتات واقعٌ قائم ولكنه واقعٌ سوداويٌ محطمٌ ومنهار, فالدويلة القومية الأرمنية المشادة ربما كانت ستغدو منبعاً للسلوان.

ولا ننسى هنا دور البرجوازية التركية في الإبادة, وعن نصيب الاقطاعيين الكرد أيضاً فيها, فالأمر لا يقتصر على إبادة الأرمن وحسب بل إن هؤلاء كانوا بمثابة العناصر المجرمة الأصلية في إبادات الكرد أيضاً، وفي الفترات نفسها وبأشكالٍ متغايرة, ولايزالون مواطنين على أداء دورهم اللعين بوصفهم حماة قرى في الإبادة الكردية التي لا تنفك قائمة حتى الآن, إذ يضاعفون أموالهم وممتلكاتهم مقابل إنكار الكردايتية وقد يتظاهرون بالكردايتية الزائفة إن تطلب الأمر.

 

كاتب

التعليقات مغلقة.