مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

الإبادة والفرمانات ضد الكرد الإيزيديين

حسن ظاظا

يعيش أبناء الديانة الإيزيدية  في بلاد الكرد وكردستان، وهم منتشرون في قرى ومدن باكور وباشور، وفي روج آفا شمالي سوريا في كل من حلب وعفرين والجزيرة “في قرى الحسكة و عامودا وتربه سبي”، وهي ديانة كردية قديمة منذ تكوين الكون وهم مؤمنون بالله الواحد الأحد، وكلمة  (إيزي أو خودا) باللغة الكردية تعني (الخالق نفسه بنفسه.. سلطان نفسه)،وهذا يعني أيضاً: إن الشعب الكردي، من أوائل الشعوب التي آمنت بالله الواحد الأحد، وإن الديانة الإيزيدية هي الأولى بين كل الديانات، وجدت مع تكوين الكون والطبيعة على الأرض بعد العهد المائي.

وأبناء الديانة الإيزيدية هم الكرد المحافظون على دينهم وعرقهم الآري، وعاداتهم وتقاليدهم الكردية الأصيلة. ومنذ انتشار الغزو الإسلامي والفرمانات العثمانية، وحرب الإبادة العرقية والدينية مستمرة بحق أبناء هذه الديانة والشعب الكردي عامة، وكذلك التهجير القسري للكرد، والتغيير الديمغرافي للقرى الكردية المحتلة شمال الموصل وشنكال التي عرّبت من قبل الأنظمة المتعاقبة على الحكم في العراق.

منذ الغزو الإسلامي وحرب الإبادة مستمرة بحق الشعبين الكردي والسرياني والمسيحي شمال الموصل، وخصوصاً بحق أبناء الديانة الإيزيدية، حيث اجتمعت مراكز الدين عندهم والمرجعية الدينية في قضاء شيخان إلى الشمال الشرقي من الموصل، وقضاء شنكال إلى الغرب منها حتى الحدود السورية وشمال كردستان في منطقة جبل الطور وماردين وآمد التي تم غزوها أثناء الغزو الإسلامي, حيث عرّبت إلى (ديار بكر)، وفي أرمينيا على الحدود التركية الروسية عموماً, وحول تفليس في القفقاس, ثم في كردستان إيران، أما في سوريا يعيش أبناء الديانة الإيزيدية في روج آفا بجبل الكرد (عفرين) المحتلة اليوم من قبل الغزاة العثمانيين الممثلين بحزب العدالة الإسلامي الإخواني الذي يقوده رجب طيب أردوغان, وفي مقاطعة الجزيرة أيضاً, وفي شمالي كردستان ينتشرون في منطقتي قارس وويران شهر, وفي المدن الكردستانية كلس ومرعش وعنتاب, ومعظم القرى والمدن الكردية على امتداد الحدود التركية السورية.

مارس الأتراك القمع والقتل بشكل ممنهج ضد الشعوب الكردستانية من كرد وسريان وأرمن وكلدان وآشور ومسيحيين وإيزيديين, حيث شنّ الجيش العثماني حرب الإبادة العرقية والدينية في مجازر جماعية لكل هذه الشعوب باسم الدين وشعارات إسلامية كاذبة وهمية لا أساس لها.

قبل ظهور الإسلام, كان الكرد يعتنقون الديانة الإيزيدية, وعندما جاء الغزو الإسلامي اعتنق قسم منهم هذا الدين الجديد بالسيف عنوةً, والتهديد والترهيب, وقطع الرؤوس. كما فعلت داعش اليوم في شنكال بحق الكرد الإيزيديين, وسريان الموصل وإقليم كردستان. وهي سياسة عثمانية موروثة  لحزب العدالة والتنمية.

 

الأصالة الإيزيدية الكردياتية

ليس من شك في أن الإيزيديين يفتخرون بعرقهم الآري وقوميتهم الكردية, ومهما يكن هناك من الغموض الذي يحيق بدينهم, فإنّ شيئاً من ذلك ليس له أثر في ما يعود إلى الوضع الاجتماعي الذي هم عليه, بما فيه العادات والتقاليد والأزياء والأخلاق السامية, والآداب واللغة, فإنه في هذه الأخيرة مئة في المئة, وهم يتكلمونها على مختلف اللهجات. ولو شاعت فيها بينهم أحياناً لغات أخرى يضطرون إلى استعمالها مجاراة للمحيط والوسط, على أن منهم في العراق وسوريا من يتكلم العربية، وفي تركيا من يتكلم التركية، وهكذا في أرمينيا وروسيا وإيران، حيث يتكلمون الأرمنية أو الروسية أو لغات إيرانية..، لغات يعمدون إلى استخدامها خارج بيئتهم في قضاء ما لهم من الحاجات مع الأقوام التي يعيشون معها، وهم إلى ذلك يتّسمون بالصدق والنزاهة والجد وحب الحرية والاستقلال، فهم على العموم يتحلون بالأخلاق الحميدة، والسجايا الطيبة التي يتحلى بها أبناء الديانة الإيزيدية والشعب الكردي بشكل عام، وتراهم غالباً ما يستنكفون عن مزاولة الأعمال التجارية، مفضلين عليها الأعمال الزراعية وتربية الدواجن والمواشي، بقناعتهم بأن فيها أساليب مليئة بالكذب والغش، وأسباب الشتم والسب، وما إلى ذلك من دناءة الخصال التي قد لا يسلم معها معبودهم (إيزي أو خودا) وقداستهم الطاووس ملك الطبيعة من بعض القذف من جانب الأقوام الأخرى.

ثم إن الإيزيدين عاشوا منذ وجودهم يتسمون بالسلم ولم يكونوا على مر الزمن عدوانيين للشعوب والأقوام الأخرى، على الرغم من العيش والعزلة في مجتمعهم، لكنها عزلة أدبية وطبيعية نجمت عن هذه الأخلاق وجاءت نتيجة سكنها في جبال كردستان العالية، ومع ذلك تعايشوا مع سائر الشعوب، بغير جنس الكرد من الأمم التي جاورتهم أو خلدتهم كالأراميين-السريان في سوريا والعراق، والأرمن في أرمينيا وغيرهم، ولكنهم  حافظوا على الدم الكردي الأصيل، محافظة لا تجد لها مثيل، ليس فقط بين الكرد المسلمين، بل بين سائر شعوب الأرض. ورغم المجازر الجماعية والفرمانات العثمانية، إلا أن الديانة الإيزيدية باقية وحية في قلوب الشعب الكردي منذ آلاف السنين وتكوين الطبيعة والكون.

وهي ديانة الآباء والأجداد وهذا ما يثبت إلى حدٍ يعتد به إلى أصالة الكردي والكردايتي فيهم, ولأن الديانة الإيزيدية وما يتصل بها من بعض الآداب والأخلاق العالية السامية, والعادات والتقاليد, ما يؤيد حكم القاضي بكرديتهم, على ما سبق بينته لكم مستنداً فيه الأحوال والأوضاع الاجتماعية واللغوية على وجه الخصوص, وهذه الأدلة هي من صميم التراث الديني الإيزيدي منذ آلاف السنين قبل الميلاد, وحتى الآن لم ترد تحت قلم كاتب.. ولا باحث، إنها أدلة على أنها ديانة اعتنقها الكرد وآمنوا بها وبالله الواحد الأحد بحيث تعود بها إلى ما قبل الميلاد, وما قبل الغزو الإسلامي إلى يوم كانت ديانة (زورو استر) في بلاد فارس وما إليها من خيرة الأديان وأرقاها وأوسعها انتشاراً يوم كان حراس هياكل (النار المقدسة..أوماغ) نخبة من الكرد منتقاة يقومون بغفارتها (حراستها) أثناء الليل وأطراف النهار على ما درج فيه الفاتيكان مثلاً, من عرف هناك منذ قرون باسم (الحراس السويسريين).

من هذه الأدلة.. أن البياض الذي في مذهب (زورواستر) كان يرمز إلى براءة النفس ونقاوة الأعمال وهو الكسوة الوحيدة المقبولة عرفاً, حيث الآثار والرقم المكتشفة والكسوة هي تنسب لملابس (زورواستر) إلى الديانة الإيزيدية, على أن الإيزيديين يرتدون في المراسم الدينية والحفلات والأعياد الملابس البيضاء, تنكشف اليوم لعين التاريخ عن الوجه الكردي الصحيح, وذلك أن ننظر فيها النظرة العرقية, مجرد عم انساق له سواد الكرد خلال التاريخ من عواصف التيار الديني الذي باسم الغزو الإسلامي راح يبيد ويكتسح في الشرق خصوصاً الشعوب الكردستانية وشتى البلدان والشعوب.. والمذاهب والأديان عند ظهورها, بما في ذلك تقديس النار أو تكريمه على مذهب (زورو استر) وقد كان عصرئذ في من اعتنق الإسلام بديانة العرب, واندمجوا بهم سياسياً, باندماجهم بهم في الإسلام حتى فقدوا أو كانوا يفقدون روح القومية فيهم والحس الوطني, منهم من ظل محتفظاً ولو في قليل أو كثير من النسخ والتشوش تزيد فيه الأيام ونوب الدهر والمذاهب المجاورة, بشيء من روح (زورو استر) وتعاليمه, ونخبة من تقاليد (زورو استري) ومظاهر عبادته.

هؤلاء هم بالحصر الكرد الذين عرفوا بالإيزيدية، أحفاد الكرد من أبناء الزورواستر أو  (ماغ) وحراس هيكلها في سبيل الحفاظ على قوميتهم تجاه ما نكبت به بلادهم من حرية مسلوبة وسيادة ضائعة واستقلال مفقود، هؤلاء من تمسكوا بالكردية بما ساعدهم على الزمان في صون روحها نقية قوية لم يفتؤوا يؤمنون بحيويتها، من خلال التضامن الديني والذي اشتهر باسم الإيزيدية، وكانت أصوله راسخة ولما نزل تربة كردستان أو بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) “مهد الزورو استر”، هؤلاء الكرد الإيزيديون الوحيدون الذين إذا انتهى أحدهم من الصلاة دعا إلى الله قائلاً: (ارفع العرش وخذه إلى كردستان) وهذا الصلاة أو الدعاء عند الإيزيديون قديمة، يعقل جداً أن تكون من نفس الكردي الإيزيدي تترد في طياتها مراراً في النهار منعشاً فيها روح الأمل باستعادة ما فقدت كردستان يوماً من أراضِ وقرى، ومدن وتجزئة وسيادة واستقلال في حرب الإبادة الإسلامية للكرد الإيزيديين وشعوب كردستان.

 

محاولات لطمس حقيقة وتاريخ الإيزيدية

لماذا يسعى البعض إلى اعتبار الإيزيدية قومية وليس دين له أصوله التاريخية وطقوسه الخاصة الملتزم بها مثله مثل أي دين آخر؟ وهؤلاء لا يختصر وضعهم على آخرين من غير الإيزيديين.. بل هناك إيزيديون يكررون ذلك بدون الكشف عن القومية الحقيقية التي ينتمي لها أبناء الديانة الإيزيدية، البعض يقول إن الإيزيدية دين وقوميتهم هي القومية الكردية، و أخرون يخلطون ما بين الإيزيدية كدين وقومية وهو يخلق لدى الآخرين عدم فهم وإدراك الحقيقة.

من المعروف تاريخياً ومن خلال الطقوس والأدعية، إن الديانة الإيزيدية تكونت منذ تكوين الخليقة والطبيعة وهي ديانة مستقلة وقوميتهم الكردية، ومنذ الغزو الإسلامي لكردستان عانوا من الجور والظلم والاضطهاد بسبب اعتناقهم لدين من أعرق وأقدم الأديان والذي يمتد إلى العصر السومري، وهم من الأوائل الذي آمنوا بإله واحد.

وحسب ما نشر من أبحاث عديدة من قبل باحثين وتاريخيين، إن عبادة الشمس ظهرت منذ 1380 قبل الميلاد، وهنا تكمن حقيقة الديانة الإيزيدية في عبادة (خودا) أو (الله)، حيث اعتبر الإيزيديون أن الشمس نور الله.. أو خودا الواحد الأحد والشمس نوره المقدسة.. والشمس هي الحياة على الأرض، وحاول البعض تشويههم وتشويه معتقداتهم بانتسابهم إلى ملل وخلفاء إسلاميين دون معرفة أن امتدادهم أقدم بكثير من الديانات الأخرى, ومن بين هذه التشويهات والادعاءات الترويج إلى العروبة لاسم مغاير عن الحقيقة من (الإيزيدية) إلى (اليزيدية) وربطهم بـ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، وذلك بهدف تعريبهم, وهي محاولة يائسة لتشويه تاريخهم وحتى إلغائه, لكن الدراسات والبحوث الهائلة التي قام بها الكثيرون (على الرغم من حاجتنا إلى المزيد من المعرفة والمعلومات عنهم) أثبتت أن الإيزيدية دين قديم منذ آلاف السنين, له طقوسه وأصوله وليس له ارتباط بالأديان الأخرى ما عدا التوحيد بشكله الإيزيدي, صحيح أن الكثيرين منا لا يعرف بشكل دقيق النشأة والظهور والطقوس, وذلك يعود إلى عدة عوامل كون الإيزيدية ليست ديانة تبشيرية وطقوسها سرية تقريباً عن الغرباء وعدم تسجيل (نصوصها) بسبب ممارسة الاضطهاد والقهر منذ الغزو الإسلامي لكردستان وحتى عصرنا اليوم والإسلام السياسي الذي كان وما يزال دين الدولة الرسمي في أكثرية البلدان الإسلامية والعربية واتهامهم سابقاً بشتّى التهم المفبركة فضلاً عن الآراء المتباينة التي خصت اصولهم القومية والدينية.

إن المحاولات الرامية لفصل الإيزيديين عن قوميتهم الكردية واعتبارهم شعب بدون تاريخ تدل على الكراهية والتطرف الديني والقومي تجاههم, وتؤدي إلى حرمانهم من حق الانتماء القومي والديني بتغيير تاريخهم وإبادتهم, وهذه المحاولات لا تقف عند هذا الحد, بل تحاول تشويه معتقداتهم الدينية، لكي تخرج باستنتاج يقضي بعدم منحهم حقوقهم في حرية ما يعتقدون وما يؤمنون به من معتقدات، وإضاعتهم وإضاعة حقوقهم التي يجب أن يحميها الدستور والقوانين التي تسن بخصوص الأديان الغير الإسلامية، ولهذا يحتاجون ليس إلى التضامن والتأييد لحقوقهم فحسب، بل الوقوف ضد جميع المحاولات المسعورة التي تحاك بشكل تآمري ضدهم، ونشر الحقيقة عنهم لإلغاء كل مظاهر الاستحواذ والتزوير وإلغاء النظرة العدوانية التي يتبناها البعض من المسلمين المتشددين الذين يقفون بالضد من حرية المعتقد والرأي الآخر في سبيل المصالح السياسية التي تخدم توجهاتهم الرامية للكسب السياسي والمادي والمتاجرة على حساب الأكثرية من الإيزيديين، إن هؤلاء يحاولون تصوير الديانة الإيزيدية بأنها ليست دين توحيدي بل وضعي ولهذا يخلطون ما بينها وما بين القومية التي ينتمون لها وهي القومية الكردية، والكرد أولى الشعوب التي آمنت بالله الواحد الأحد ومعظم الأديان السماوية اقتبست تعاليمها من هذه الديانة الكردية وتراثها المقدس.

 

حرب الإبادة اليوم.. امتداد للغزو الإسلامي

وها هو التاريخ يعيد نفسه ونحن نعيش هذه الأيام أجواء أيام الغزوات الإسلامية الأولى، فعاد الإرهاب التكفيري الداعشي، وعادت الفصائل الإرهابية المسلحة بأسماء وشعارات إسلامية مختلفة، وعاد قتل الأبرياء بالجملة, فهذه المسيرة الدموية الطويلة خيبت آمال الإيزيدية وسلبتهم إرادتهم وأضعفت من قوميتهم ومزقت صفوفهم فباتوا عرضة للانحلال والذوبان, فإن الجميع يخشون قول الحق خوفاً من أن يتهموا بالتمرد، فتتعالى أصوات الفتاوى من كل ناحية, ويهب الجهاديون المدعومون اليوم من سلطان الدواعش العثماني رجب طيب أردوغان، فيحصدون أرواح المئات من أبناء الديانة الإيزيدية رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً, وتنهب الأموال وتسبى النساء وتحتل القرى والمدن وتحرق المنازل وتهدم المزارات, فهذه التراكمات الدموية ملأت قلوب الإيزيدية قيحاً وألماً فكتموا تذمرهم واستيائهم, فزادت ضغوط المظالم فوق ما يتحمله البشر, ومع ذلك هم صامدون, وحتى التنفس بات عسير الانعدام، ونسيم الحرية حرموا منها،  فإما الاختناق أو الانفجار, فتظهر بين الحين والآخر ردود فعل الإيزيدية أكثر ألماً.. وأكثر حزناً بسبب وجود الإرهابيين وممارساتهم.

وبسبب عدم الفهم الصحيح لحقيقة وجوهر الديانة الإيزيدية وخاصة من قبل المسلمين المتشددين جرى وضعهم في خانة عبادة (ابليس) وهذا هو الخطر بعينه، ومن هذه البوابة انطلقت الإبادة ضد أبناء الديانة الإيزيدية، ولنا في هذا الميدان أمثلة كثيرة نختصرها كما وجدناها في المصادر التاريخية، وكما سمعناها من آبائنا.. وكما شاهدناها بأنفسنا وما حدث في بلاد الخالتية في شمال كردستان من الإبادة الجماعية ضد سكانها الإيزيدية إضافة إلى الاستيلاء على عشرات القرى ونهب الأموال وسبي النساء من قبل المتشددين. وحدث ما حدث وقتل المئات من أبناء الخالتية واستولى المسلمون على عشرات القرى بدعم من الباب العالي العثماني، وقتل المئات وهاجر الآخرون إلى هنا وهناك، ولا زالت أغنية الحملة (داي دلان ترن) في أذهان الإيزيدية وهي تذكرهم بأسماء أبطال المعارك من أمثال مجوي شيخا، وهكاني بير وكلشي جلوي.

 

فرمانات الإبادة العثمانية

الحملات التي تعرض لها الإيزيديون منذ بداية العهد العثماني وحتى القرن الثامن عشر هي: حملة حسن باشا عام 1715م، وحملة أحمد باشا عام1733م وحملة سليمان باشا عام 1752م، ثم حملة نادر شاه التي تواصلت من العام 1732م وحتى عام 1743م، ثم جاءت حملات الجليليين والحملة على إمارة شيخان، وذهب ضحية هذه الحملات المتواصلة على الكرد أبناء الديانة الإيزيدية أكثر من عشرة آلاف شهيد من الأبرياء الإيزيديين العزل والمسالمين، ولم تسلم شنكال من حرب الإبادة والحملات المستمرة عليها منذ تلك الفترة وحتى الآن.

وفي القرن التاسع عشر كانت هناك حملة علي باشا عام 1802م، وحملة سليمان باشا الصغير عام 1809م، وحملة ارنجه بيرق عام 1835م، وحملة رشيد باشا كريدلي أوغلو ما بين 1845-1846م ، وحملة طيار باشا عام 1846- 1847م، وحملة أيوب بك 1891م، ثم حملة الفريق عمر وهبي باشا عام 1892م وجاءت بعدها حملة بكر باشا عام 1894م وثانيهما حملة جزيرة بوتان على قرى الإيزيديين وحملة محمد باشا السوراني (ميري كورد) عام 1832-1834م ثم جاءت حملة بدرخان بك عام 1844م بدعم من الباب العالي للقضاء على الإيزيديين مقابل الاعتراف به على إمارة (بوتان).

إن الإرهاب المتواصل والمنظم من الجيش العثماني والمجموعات الإرهابية التي مارست وارتكبت الجرائم الشنيعة باسم الدين والدولة والقومية ضد أبناء الديانة الإيزيدية المسالمين والأرمن والآشور معتنقي الديانة المسيحية، ولم يسلم أبناء الشعب السرياني من مجازر (السيفو) الذين كفرهم وأباح قتلهم من يصنفون أنفسهم بالمؤمنين بالله والدين, ولم يستثنى الملالي الكرد من هذه الجرائم وتحريضهم تحت شعارات إسلامية لخدمة الباب العالي العثماني.

لقد سخرت الطبقات الحاكمة في المنطقة الإسلام ومحتواه الفلسفي كدين بما فيها القرآن والأحاديث التي تنسب للنبي (محمد) إلى أداة للعنف وتمجيد القمع, وتبيح قتل الآخر, التي هي جوهر الفكر التكفيري الذي استند عليه من نفذ تلك الحملات التي ذهب ضحيتها الإيزيديون, الأرمن, والآشور, والسريان, واليهود, وغيرهم على يد العثمانيين الترك وآخرون الذين سخروا الدين لصالح غزواتهم, التي أطلقوا عليها الفتوحات الإسلامية.. فبين العلم والسياسة ثمة خيط واهٍ لا يجوز لرجل العلم المساومة عليه وإن كان السياسيون لا يجرؤون قول كلمتهم الصريحة والواضحة بخصوص الأنفالات وحملات الإبادة المتواصلة التي سميت بالفرمانات العثمانية, فإن رجل العلم الموثق للتاريخ مطالب بقول كلمته دون مواربة وتنميق ومجاملة, فما جرى من فظائع وشنائع وحملات إبادة مارست خلالها قطع الرقاب والسبي والاغتصاب والحرق والتدمير والاختطاف بما فيها اختطاف الأطفال والفتيات عبر عهود مختلفة عبر التاريخ, شارك فيها الترك العثمانيون, العرب، الكرد, والفرس الصفويين من المعتنقين للدين الإسلامي, يعكس جوهر هذا الدين وجزءاً يسيراً من التاريخ المغيب الذي لا يجب السكوت عنه.

إن إماطة اللثام عن هذا التاريخ الدامي والمخجل، تتطلب جرأة في اختيار التعابير غير المجاملة، والغوص في أعماق الأحداث المأساوية لمعرفة وتشخيص الدوافع والمبررات الفكرية، التي اعتمدها المجرمون الذين خططوا ونفذوا تلك الحملات، بعد أن أفتى العديدين من ملالي الكرد وشيوخ العرب، وأئمة الإسلام التكفيري السياسي بفتاوى تبيح قتل وذبح الإيزيديين والمسيحيين، وسبي نسائهم وحرق زرعهم وتدمير قراهم.. إن تحليل الدور الفكري للإسلام التمهيد للقمع عبر هذه الحملات أمر لا مفر منه، وهنا لابد من ذكر الأنفال وما حل بالإيزيديين في حروب وحملات الإبادة العثمانية الجماعية لهم، التي ذهب ضحيتها الآلاف من الإيزيديين في تلك الحملات جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ من قرى بعشيقة وبحزاني، وشنكال ودوغات، وختارة وبوزان، و داكا وملا جبرا وبعدرة ومجمع خانك، وايسيان الذين غيبوا في حملات الأنفال السيئة الصيت عام 1988، وقد جاء تغيب تلك المجاميع لسببين.. الأول أنهم اعتبروا الإيزيديية وحسب تصنيف النظام البعثي المقبور في العراق الذي مارس سياسة التعريب للإيزيديين، ولهذا أقدم حزب البعث العراقي على قتل وإعدام أكثر من ألف إيزيدي  في عهد المجرم صدام حسين، ولم تسلم القرى السريانية من البطش العثماني وحزب البعث والتهجير القسري لجميع المكونات التي تعرضت للتهجير والتغيير الديمغرافي في المنطقة، مع العلم أن الرقم التاريخية تثبت أن السريان والكرد والآشور والكلدان هم أوائل الشعوب وأقدمها منذ آلاف السنين، كما إن جميع الرقم المكتشفة في شنكال تدل على أن الكرد الإيزيديين هم أولى الشعوب التي سكنت شنكال منذ الألف الثالث قبل الميلاد.

 

أصل تسمية الإيزيدية

كمدخل للغور في عمق الديانة الإيزيدية لمن يريد التعرف على تفاصيل أكثر سعةً وعمقاً للكشف عن تاريخ هذه الديانة الكردية القديمة والغارقة في القدم والتعرف على بعض المداخل والقضايا التي تغيب أحياناً عن البحث والتنقيب في التاريخ الإيزيدي القديم، ينبغي التوقف ملياً أمام ظواهر لا يمكن لها أن تكون عابرة في الميثولوجيا الإيزيدية أو في ثنايا التاريخ.

تعد الإيزيدية من المواضيع التي تناولها الكثير من الباحثين والكتاب بالدراسة والتحقيق, وقد اختلفوا حول أصل تسمية الإيزيدية, فمنهم من سماها الإيزيدية، وآخرون سموها الازداهية، والاختلاف في التسمية مرده إن وجود كلمة الإيزيدية في الكتابات المسمارية السومرية بهذا الشكل (ى, زي, دي) وهي تعني الروح الخيرة غير الملوثة والتي اكتشفها أحد الخبراء حسب ما أكد الباحث (خليل جندي) في كتابه (نحو معرفة حقيقة الديانة الإيزيدية)، وهذه لها دلالة عميقة وأكيدة لإثبات قدم الديانة الإيزيدية في الألف الثالث قبل الميلاد.

ويشير الكاتب (دلشاد نعمان فرمان) بأن الإيزيدية هي ديانة الكرد القديمة التي تمتد جذورها إلى الديانات الشمسية والميثرائية, وأن معظم اعتقاداتهم وطقوسهم والمراسيم الدينية تعود إلى ديانة السومريين وغيرها من الديانات القديمة, وهي ديانات غير تبشيرية تجسد وحدانية الله, ولها من العادات والتقاليد بما يميزها من غيرها من الأديان.

ويذكر الباحث (خليل جندي) في كتابه (نحو معرفة حقيقة الديانة الإيزيدية) إن كلمة الإيزيدي ينسب لأبناء  الديانة الإيزيدية, ذلك القوم الذي يؤمن بـ (ئيزى-إيزي) وهي الأرواح المجردة المسؤولة عن الكون وإرادتها، ومنها اشتقت كلمة يزدان- أو خودي(الله).

ووردت تسمية الإيزيدية في مصادر قديمة، فذكر المؤرخ اليوناني (زينفون) في كتابه (رحلة العشرة آلاف) إنه في حدود (401) قبل الميلاد كان يستقر شعب من الكردوخ قرب الموصل (نينوى) يعتنقون ديانة إيزيدية وكان لهم شهرة بارزة في القتال والحروب, وكذلك جرت الإشارة إلى كلمة باراتا سيني كتعريف بالإيزيدية الذين اعتبرهم هيرودت شعب من الميديين الكردوخ، هؤلاء الميديين الذين شاركوا في تحرير نينوى عام 612 قبل الميلاد, أي إن الكرد الإيزيديين هم من سكان جبال نينوى الشمالية منذ آلاف السنين.

 

التركيبة الاجتماعية

تتصف التركيبة السكانية للمجتمعات بالتغيير، وذلك بفعل ما يتسم به من حالة حركية دائمة تتمثل بالتوالد والتكاثر والوفيات والتناقص، وهكذا فلا وجود لمجتمع بشري ساكن وثابت في مقداره وعدده, وما تلك المجتمعات البشرية التي تبدو وكأنها دون تغير لا تظهر عليها آثار التزايد والتناقص سوى أنها مجتمعات تغفي حركة التغيير, ذلك لأن المجتمع البشري باقٍ، أما أفراده الذين يشكلون جملة عدده فمصيرهم الفناء, وهذا يعني أن العضوية في المجتمع في تغير دائم, الذي يهمنا من دراسة المجتمع هنا هو المجتمع الإيزيدي الذي ينقسم إلى عدة فئات كل منها مسؤوليتها وترتيبها.

والمسؤولية عند الإيزيدية موزعة بين قيادة سياسية لها الأرجحية وفيها المتقدم وهو الأمير (أمير الإيزيديين) وقيادة دينية وفيها المتقدم البابا شيخ من سلالة شيخ فخر الدين، وكما هو معروف أن الإيزيدية ثلاث طبقات اجتماعية لكل منها مسؤوليتها وواجباتها، وهذه الطبقات هي (الشيخ- البير- المدير). وظهرت هذه الطبقات على يد الشيخ آري الهكاري الكردي الحسب والنسب عندما عاد من سفره الطويل إلى لالش، حيث وجد أن الديانة الإيزيدية قد أوشكت على الانقراض نتيجة الاضطهاد ات الدينية عليهم من قبل مجاوريهم، فحاول إحياءها وقد أفلح في ذلك، بعد أن أضاف وحذف منها أمور بمقتضى التطور الزمني، فأوجد طبقة الشيوخ إلى جانب البير التي كانت تقوم بالواجبات الدينية قبل حلوله في لالش النوراني، وأوجد لهم وظائف وواجبات لنشرها بين الإيزيديين الذين ظلوا على دينهم وحافظوا عليه بالتوارث عن الأجداد والآباء منذ آلاف السنين، وبقيت هذه الديانة المقدسة التي تضم في تعاليمها و طقوسها الكثير من القيم الانسانية السامية.

 

طبقات الديانة الإيزيدية

 

1ـ الشيخ:

كل فرد من نسل الشيوخ يسمى شيخ أو شيخة، وهم متساوون في الدرجة الروحية ولا يمكن أن يقلب أحدهما بكنية الآخر، وهم يمثلون الرموز المقدسة، وتنقسم هذه الطبقة أيضاً إلى ثلاث شرائح هي: (الأديانية، والشمسانية، والقاتانية)

أ-الأديانية: سميت بالأديانية نسبة إلى (الشيخ أدي) وتشمل أسر (الشيخ حسن، الشيخ شرف الدين، الشيخ زين الدين، الشيخ إبراهيم ختمي، الشيخ موسى، الشيخ يتيما).

ب-الشمسانية: وهم آل فخر الدين وشمس الدين، وعماد الدين، وبابا دين، وسجا دين، وناصر دين  ويصل نسبهم إلى الشيخ مند.

ج-القاتانية: تنتمي هذه السلالة إلى درويش آدم القاتاني وتشمل أسر الشيخ محمد آي البسميرية، والشيخوبكر، والشيخ اسماعيل، والشيخ عبد القادر، أصبح الشيخ محمد الذي هو من ذرية مير إبراهيم ختمي الذي هو ابن درويش آدم القاتاني والذي تنتسب إليه العائلة البسميرية أميراً على الإيزيدية بعد الخلاف الشمساني-الأداني، ويلقبه بعض الكتاب بالأمير محمد الكردي (محمدي باطني)، يذكر إنه يحرم الزواج بين هذه الشائح الثلاث للشيوخ، كما هو محرم ضمن الطبقات الثلاث (الشيوخ، البير، الريد).

2- البير:

تعد من الطبقات الإيزيدية القديمة منذ تكوين الديانة مع تكوين الكون ومنذ العصور التاريخية  القديمة ولكن رجال الدين الإيزيدين يعتبرون إن طبقة البير ظهرت منذ العصور الزرادشتية وعصر الأزداهية القديم، وهذا يعني إن البير شيخ الطريقة والمرشد الديني، وهي أقدم طبقة دينية، وكانت موجودة حتى قبل مجيء الشيخ (آدي الهكاري) إلى لالش، ولا تقل عن طبقة الشيوخ في المنزلة الدينية ويعد التخالط والزواج البير والشيخ والمريد محرماً في الديانة الإيزيدية، كما هو الحال بالنسبة لشرائح الشيوخ والطبقات الثلاث أيضاً.

واجبات الشيخ والبير

للشيخ والبير نفس الواجبات الدينية وإحداهما متمم للآخر، ومن هذه الواجبات:

1-التوعية الدينية والاجتماعية وتعليم المريدية الأقوال والأدعية الدينية.

2-الإصلاح الاجتماعي وتوجيه الإرشادات الدينية إلى مريديه.

3-على الشيخ والبير الحضور إلى دار مريديه, وإذا احتضر لتلاوة الأقوال عليه، ثم القيام بغسله وتكفينه بعد موته.

4-مساعدة المريد مالياً (مادياً) إذا احتاج ذلك.

5-إطعام المريد في المناسبات الدينية في لالش النوراني.

3- المريد:

هو العامة من الإيزيديين، عهد إليهم تأدية بعض الوظائف الدينية ومنهم القوالون الذين يرتلون النصوص الدينية والفقراء الذين يشرفون على خدمة معبد لالش النوراني مع مهام أخرى, وهكذا تم إقامة علاقة دينية اجتماعية معقدة بين الطبقات الثلاث المذكورة، فلكل إيزيدي شيخه وبيره وكذلك أخاً وأختاً للآخرة, عهدت إليهم مراسيم يؤدونها ويكونون مسؤولين عنها, يعتبر المريدون الطبقة الاجتماعية الكادحة والمنتجة وتنتمي إلى عشائر عديدة, وكما ذكرنا بأن لكل إيزيدي  شيخه وبيرة, وهو يقدم لهم الخدمات في المراسم مقابل قيامهم بواجباتهم تجاهه من خلال حضورهم إلى بيته للإرشاد الديني والمريد مطيع لدينه, ويسأل الشيخ او البير عن أصول الدين والطريق الصحيح.

 

العادات والتقاليد

للإيزيديين عادات وتقاليد اجتماعية متعددة منها:

1ـ الولادة والتعميد:

بعد الولادة مباشرة تستقر المرأة في الفراش سبعة أيام تسمى (هة فتي) لاستعادة حيويتها حيث يتم رضع المولود الجديد من حليب امرأة أخرى تسمى (الرضعة الأولى) وبهذا يصبح الطفل المولود أخاً أو أختاً لطفل المرأة التي أرضعته، فيصبح الرضيعان إخوة في الرضاعة ويحرم الزواج بينهم، هذا إن كان أحدهما ذكر والآخر أنثى حتى لو كانت الرضاعة رضعة واحدة فقط، أما التعميد فيتم في معبد لالش في مكان مقدس يسمى (كانيا سبي) أي العين البيضاء، في اللغة العربية، حيث إن أهل المولود يزورون معبد لالش النوراني، و بمعيتهم المولود ويقصدون تعميده في المياه المقدسة، ويقوم البير متولي كانيا سبي بتغطيته في المياه المقدسة ثلاث مرات مع تلاوة دعاء خاص يسمى: (دوعايا موركرنى) عليه، أما اليوم فيكتفي برش الماء عليه.

2-الختان:

يعتبر الختان من العادات التي تمارسها الإيزيدية، ويشترط  على الذكور فقط دون تحديد معينة، ولا يجوز دفن الإيزيدي دون ختان، كما يعتبر الختان من العادات القديمة قبل اليهودية والإسلام، حيث يختار الرجل (كريفه) الذي يريد اختتان أحد أولادهم الذكور رجلاً آخر كي يضعه في حجره وتسقط بضع قطرات من دم المختون على طرف لباسه فيكون الأخير (كريف العائلة) وتعقد بينهما علاقة دم ولا يجوز الزواج بين العائلة التي اختتنت أولادها وعائلة (الكريف)، ويجوز للإيزيدي اختيار كريفه من غير طبقته أو من أبناء الديانات الأخرى أيضاً بحكم الجوار والتعايش المشترك.

3-الزواج:

الزواج من الشرائع الدينية عند الإيزيدية، ولايجوز للإيزيدي الزواج إلا ضمن طبقته، فمثلاً: لا يجوز للشيخ مصاهرة البير والمريد، وضمن طبقة الشيوخ أيضاً لا يجوز الزواج ما بين الشرائح الثلاث التي تتألف منها هذه الطبقة وهكذا الحال بالنسبة لفروع الأربعين للبير.

4- الجنازة والموت:

الجنازة والموت من الأعمال الروحية الدينية والسنن المقدسة لدى الإيزيديين. وتتم مراسيمها كالآتي:

إذا أشرف الإيزيدي على الموت حضر أحد رجال الدين لتلاوة الأقوال الدينية عليه ويرش على وجهه قطرات من الماء, ويحضر أخيه أو أختها في الآخرة.. أو شيخه.. أو بيره ويقوم بغسله, ويتم لبسه بثياب أبيض ثم توضع الجنازة في التابوت الذي يوضع فوق التخت المسمى (داره به ست) ويتكون من خشبتين مشدودتين بالحبال على شكل مستطيل له أربع مقابض ويذهب مجموعة من الرجال بفترة قبل تشييعه إلى المقبرة لحفر القبر وتهيئته, ويجب أن يكون البدء بحفر القبر قبل غروب الشمس, ويحفر القبر بعمق متر ونصف وعرض متر ويكون طولياً من الشرق إلى الغرب بطول التابوت أو أكثر ويتم توجيه وجهه نحو شروق الشمس.

 

المقدسات

 

لالش النوراني:

يعد لالش النوراني من المعابد الإيزيدية القديمة, وهو من أكثر الأماكن قداسة عند الإيزيديين, ويقع في مضيق بين ثلاث جبال وثمانية هضاب مكسوة بالأشجار الباسقة من السنديان والبلوط, هي جبل (عرفات) من الشمال وجبل(مشت) من الجنوب وجبل (حزرت) من الغرب, ويبعد لالش النوراني عن مركز قضاء شيخان حوالي عشرة كيلو مترات على يسار الطريق المؤدي إلى ناحية أتروش, ولالش النوراني كما ذكرنا يعد من أقدس الأماكن الدينية عند الإيزيديين فيه يتعبدون الله الواحد الأحد, ويسمونه لالش النوراني ومقصد حجهم المقدس, ومرجعهم الديني.

 

تداعيات سياسة الإبادة في النمو السكاني للإيزيديين

تسمى الزيادة أو النقصان التي تنجم عن الفرق بين المواليد والوفيات بالنمو الطبيعي, بينما قد يفد مهاجرون من الخارج، فيؤدي هذا إلى زيادة غير طبيعية (هجرة واحدة) أو قد يهاجر السكان إلى الخارج مما يؤدي إلى نقص غير طبيعي (هجرة نازعة)، فالهجرة إذن عامل مهم في حركة السكان ليس فقط من حيث تأثيره في العدد النهائي للسكان بل أيضاً من حيث تأثيره في نسب فئات السن المختلفة ولأننا لا نملك أعداد رسمية عن الإيزيديين ونسبة المواليد والوفيات عندهم, وخاصة الاعتداءات الداعشية الفاحشة على شنكال وقراها, وقتل وذبح العديد من الرجال والشبان والنساء وتشريد الآلاف من الإيزيديين الأبرياء, وخطف العديد من النساء والشيوخ والاطفال كل هذا باسم الدين, والشعارات الإسلامية الواهية الكاذبة لذلك تكتفي فقط بالإشارة إلى عوامل النمو السكاني ونركز على التوزيع الجغرافي لهم.

المواليد:

المجتمع الإيزيدي من المجتمعات المعروفة بارتفاع معدل المواليد ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها:

1-الدين يشجع على الزواج وعلى الإنجاب.

2-العامل الديمغرافي.

3-العادات والتقاليد.

الوفيات:

تزداد نسبة الوفيات في المجتمع الإيزيدي بسبب الفرمانات والهجمات الإبادية التي حصلت بحق الإيزيديين وكان آخرها الهجوم الداعشي باسم الإسلام على شنكال كثيرة والتي تسببت بتشريد الآلاف من أبناء الديانة الإيزيدية، وقتل الآلاف منهم. وتعتبر نسبة الوفيات من وجهة النظر الديمغرافية أهم من نسبة المواليد، لأنها الفصل في تقدير حجم السكان في مجتمع مازالت نسبة المواليد عالية حتى لو كانت نسبة الوفيات دقيقة، إلا انها لا تعطي فكرة  جلية عن الوفيات في المجتمع. بالإضافة إلى وجود اختلافات جوهرية  في نسبة الوفيات بين فئات السن المختلفة التي تتعلق بدورها بالحالة الصحية للسكان.

الهجرة:

تعتبر الهجرة أو حركة النقل أحد العناصر الأساسية  للنمو السكاني حيث تؤثر في حجم وتركيب السكان، وفي القدرة على نموهم العام بالرغم من أن حركة التنقل هذه لا تلعب دوراً قائماً بذاته كما هو الحال بالنسبة للولادات والوفيات، حيث لا تشارك مباشرة في تحديد خصوبة السكان وتوالدهم، إلا أنها ذات أهمية جوهرية في توزيع السكان، وفي تكوين تراكيبهم المختلفة تنعكس عليها آثار اجتماعية وديمغرافية كبيرة ولعبت هذه دورها في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للنظر تحديداً بعد هجمات داعش على مدن وقرى شنكال حيث ساهمت الظروف المتدهورة في هجرة السكان الإيزيديين منها. وكذلك ساهمت نفس الظروف إلى جانب البحث عن فرص عمل في هجرة الإيزيديين من قراهم ومدنهم إلى خارج بلادهم، وقد أدى هجرة الإيزيديين إلى بلدان أوروبا إلى تغيير التركيب الديمغرافي للسكان, حيث ساهمت في نقص عددهم وبالتالي نسبهم من إجمالي سكان المناطق التي يسكنوها, وتتوقف الهجرة على عاملين أساسيين هما:

  • عامل الخروج الاضطراري والتعسفي من البيئة التي يعيشون فيها, بسبب الأوضاع غير المستقرة في مناطقهم ومدنهم وأماكن سكناهم بسبب الحرب والإبادة الجماعية من المجموعات التكفيرية الإرهابية.
  • عامل الجذب إلى البيئة الجديدة المهاجر إليها.

وقبل غزو الأقوام الأخرى باسم الإسلام كانت تركيبة سكان كردستان 70% من الكرد وكانوا على الديانة الإيزيدية و30% من المسيحيين السريان والآشوريين والكلدان والأرمن واليهود، حسب التقديرات التاريخية.

ويتوزع الإيزيديون بشكل خاص في ناحيتي زيلكان وباعدره ومعظم سكان مدينة شنكال من الكرد الإيزيديين، والكرد العلويين، وخلال الفرمانات العثمانية تم تهجير الإيزيديين والعلويين، وشاركت بعض العشائر والقبائل العربية المجاورة لمنطقة شنكال بتحريض من العثمانيين بدافع ديني وطائفي في قتل و ذبح وتهجير أبناء الديانة الإيزيدية واستولت على بيوتهم وأراضيهم، وتعرض الإيزيديون في ناحيتي اتروش، وقسروك، وشيخان وقرى مدينة دهوك، وجزيرة بوتان، ومعظم سكان مدن وقرى شمال كردستان في ولاية آمد وطورعابدين وماردين وويران شهر إلى مجازر عديدة وصدرت 73 فرمان بحقهم. ولم يسلم الكرد العلويون من فرمانات العثمانيين وتحريض الملالي ضدهم. والتاريخ لم يغفر لملالي الكرد الذين ساهموا مع العثمانيين في ارتكاب مجازر السيفو للسريان والأرمن والإيزيديين عبر هذا التاريخ الأسود.

 

الاستنتاجات:

1ـ اتضح من تاريخ الإيزيدية أنها ديانة كردية عريقة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وما يؤكد ذلك هو وجودها في الكتابات المسمارية السومرية القديمة.

2ـ تقع مناطق تواجد الإيزيديين ضمن نطاق جبال كردستان, وهذا الموقع ساعد السكان على الاستقرار والسكن فيها والسبب يعود إلى وجود العيون والينابيع مما ساعد السكان على الاستيطان فيها, ومنها شنكال التي سكن فيها الكرد الإيزيديين منذ آلاف السنين.

3ـ إن الظروف الأمنية السائدة كان لها الأثر البالغ في تدهور التغيير الديموغرافي لمناطق تواجد الإيزيديين.

4ـ من خلال الدراسة تبين بأن الإيزيديين مازالوا متعلقين بعاداتهم وتقاليدهم.

5ـ الإيزيدية ديانة غير تبشيرية، مؤمنة بوحدانية الله، وهي مغلقة على نفسها ومسالمة، وهي ديانة الاعتقاد الصادق والقلب الصافي.

6ـ يرجع التاريخ الدين الإيزيدي إلى آلاف السنين قبل ظهور الأديان السماوية الأخرى، وهي ديانة الكرد الأولى منذ تكوين الكون.

 

المصادر والمراجع:

  • حبيب كاظم عبود, الإيزيدية ديانة قديمة تقام نوائب الزمن, كتاب صادر عن دار آراس للطباعة والنشر- أربيل عام 2007.
  • حسو درويش كتاب الازداهيون، صدر في مدينة بون -ألمانيا عام 1992.
  • الأنصاري, سكان العراق، دراسة ديموغرافية، الطبعة الأولى، دمشق – سوريا عام 1970.
  • كتاب اليزيدية، للمؤلف سمو سعيد، صادر عن دار الزمان للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2009.
  • بهدينان وعشائرها، كتاب تأليف عبد الرحمن بشر، الطبعة الأولى 2006.
  • كاظم عبود، كتاب التنقيب في التاريخ الإيزيدي القديم، صادر عن دار سبيريز للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2006.
  • فرحان دلشاد نعمان، كتاب معاناة الكرد الإيزيديين في ظل الحكومات العراقية /1921/، صادر عن مركز الدراسات الكردية وحفظ الوثائق للنشر، مطبعة جامعة دهوك.
  • كتاب مأساة الإيزيديين، للمؤلف عدنان زيان شمو قادر سليم، صادر عن مطبعة خاني دهوك 2009.
  • مجلة لالش العدد رقم 12 كانون الثاني عام 2000.
  • موسوعة الأديان في العالم.. دار كربيس انتر ناشيونال للنشر والتوزيع.
  • مجلة زهرة نيسان، العدد رقم 38 لعام 2007، تصدر عن الرابطة الإيزيدية في بعشيقة صفحة 24 إلقاء الضوء على سلوك الإيزيدية السيكولوجي.
  • الإيزيديون نشأتهم،عقائدهم, كتابهم المقدس- المؤلف توفيق الحسيني صادر عن دار الزمان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2008
  • مكتبة البيت الإيزيدي في الجزيرة السورية –عامودا- قزلاجوخ، مجلة لالش ايداع في البيت الإيزيدي.
  • لقاءات متكررة للكاتب حسن ظاظا في مراكز لالش الثقافية مع رجال الدين في معبد لالش النوراني.
  • لقاء خاص للكاتب حسن ظاظا مع رئيس المجلس الروحاني البابا شيخ في منطقة شيخان في آب 1913.

 

……………………………

 

 

كاتب

التعليقات مغلقة.