مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

عفرين عروسة كردستان.. تاريخ وتراث عريق وأصالة شعب صامد حتى الآن

 لزكين إبراهيم

لزكين ابراهيم
لزكين ابراهيم

تتميز مقاطعة عفرين بطبيعة خلابة وجغرافية مميزة تتوجها على عرش المدن الكردستانية والسورية الأجمل والأكثر تنوعاً، فالتضاريس فيها تندرج بين الطبيعة الجبلية والسهلية، ما أكسبها غنى بالثروات الباطنية والسطحية وتعتبر منطقة زراعية بامتياز، إلى جانب ما لها من مكانة تاريخية حيث شهدت تعاقب عدد من الحضارات المتلاحقة التي تركت آثاراً شاهدة على أصالتها، كما تعتبر حاضنة لإثنيات ومعتقدات ومذاهب مختلفة، ما بين عرب وكرد، مسلمين وإيزديين وزرادشتية، سنة وعلويين ما جعلها موزاييكاً منوعاً ونموذجاً مصغراً للتعايش المشترك بين الشعوب.

يتلازم مع اسم عفرين اسم زيتونه والزيتون رمز السلام، وبالفعل كانت عفرين بلد السلام لكافة الشعب السوري، ولطالما اعتبرت عفرين موزاييكاً نموذجياً من ناحية الإثنيات والطوائف التي تعيش فيها جنباً إلى جنب، ونأت بنفسها عن طاحونة الحرب الدائرة في سوريا ولتصبح قلعة الخلاص لكل طالب للسلام، ورغم ذلك لم تسلم من محاولات اقتلاع زيتونها وتهديد سلامها، ولأنها رفضت الاستسلام ضلت محاصرة وعرضة للهجمات من قبل كافة المجموعات التي تقاتل على الأرض السورية بالإضافة إلى الدولة التركية طيلة 7 سنوات من عمر الأزمة السورية، ولكن تركيا التي لم تعد تحتمل صمود هذه المدنية فبدأت بشن هجمات وحشية عليها وتقتل البشر والشجر والحجر فيها.

عفرين .. الأصل والتسمية

عفرين (كرداغ – جبل الكرد) هو اسم نهر عفرين، وأطلق على المدينة بعد تأسيسها مطلع القرن العشرين وفقاً لما ورد في كتاب (جبل الكرد – عفرين دراسة جغرافية شاملة) للدكتور محمد عبدو علي.

وتختلف المصادر التاريخية واللغوية حول تحديد الأصل الحقيقي لكلمة عفرين، لكن معظم التفسيرات القائمة في هذا الخصوص ترجح فرضية الجذر اللغوي الهندو – أوربي (الآري) المركب من كلمتي “Ap/Av” والتي تعني باللغة الكردية (الماء) و”riwîn” والتي تعني اللون الأحمر الترابي وبذلك تصبح كلمة “Apriwîn” أو “Apa riwîn” تعني الماء الأحمر الترابي.

وهناك فرضية أخرى ترجع أصل التسمية إلى كلمة  “Aprê/Avrê” والتي تعني مجرى الماء في إشارة إلى المسار الذي يسلكه نهر عفرين.

عفرين عبر التاريخ

تحتل عفرين مكانة تاريخية بارزة في المنطقة، وتعاقبت عليها عدد من الحضارات كالهورية والميتانية والرومانية واليونانية والبيزنطية والتي ماتزال آثارها شاهدة عليها حتى الآن، ففي عفرين عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور تاريخية مختلفة كمغارة دوداريه (Şikefta Duderiyê) والتي اكتشفت فيها بقايا الإنسان (النياندرتالي) وقلعة النبي هوري وعين داره وقلعة سوره (Kela Sûrê) ومدينة سمعان الأثرية والتي تعتبر قلعة سمعان مركزها، وبعض المواقع الأثرية الدينية كموقع (مار مارون) في قرية براد بناحية شيراوا والجسرين الرومانيين في ناحية شرا والينابيع الرومانية في شيه.

ورغم غناها الأثري والتاريخي إلا أن النظام السوري تعمد إهمالها ولم يولها الأهمية التي تستحقها لكرديتها، فبقيت العديد من مواقعها الأثرية ومراكزها التاريخية منسية أو غير مكتشفة حتى الآن. خلال أعوام ثورة روج آفا وشمال سوريا كانت عفرين نموذجاً للمنطقة الآمنة في حماية وحدات حماية الشعب والمرأة وإدراة مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية، ورغم الحصار المشددة الذي تفرضه مجموعات المرتزقة من جهة والدولة التركية من جهة أخرى، وما تبعها من آثار اقتصادية، فإن منطقة عفرين كانت على الدوام الملاذ الآمن لعشرات الآلاف من النازحين من مختلف المحافظات السورية، الفارين من مناطق الاشتباك بين الجهات المصارعة على السلطة في سوريا.

موقعها .. التضاريس والمناخ

تقع مدينة عفرين في الزاوية الشمالية الغربية من سوريا في النقطة  (36°30′36″)على خط العرض شمالي خط الاستواء و النقطة  (36°52′04″)على خط الطول شرقي خط غرينيتش، حوالي (60) كم شمال غرب مدينة حلب السورية على الحدود السورية التركية، والتي تحدها من اتجاهي الشمال (محافظة كلس) والغرب (إقليم هاتاي/إسكندرون)، في حين يحدها من الجنوب محافظة إدلب السورية بلدة دارة عزة ومن الشرق مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي.

وتتنوع تضاريس عفرين ما بين الطبيعة الجبلية والتي تعتبر في معظمها سلاسل جبلية ممتدة من جبال طوروس ، كجبل هاوار (çiyayê Hawar) والجبل الكبير (çiyayê gir) الذي يعتبر أعلى جبالها بارتفاع يزيد عن /1000/ م وقمتي (بلال الحبشي) و قره بيلي (Qere Bêlê) والسهلية المنوعة (سهل شاديا الذي يعتبر امتداداً لسهل العمق وسهول شيه وجندريسه) إلى جانب العديد من الوديان كوادي النشاب (geliyê Tîran) ووادي (Sari Sînê) ووادي شيه (geliyê Şiyê)، وعدد من الأنهار كنهر عفرين الذي يعتبر أهم مصدر مائي لها إلى جانب النهر الأسود الذي يفصل بينها وإقليم (هاتاي/إسكندرون) .

كما تغطي الغابات الحراجية الطبيعية مساحات واسعة من عفرين والتي تشكل أشجار الصنوبر جزءاً كبيراً منها إلى جانب السرو والبلوط.

وتتميز عفرين بمناخها المعتدل لقربها من البحر الأبيض المتوسط، والذي يكسبها مناخاً معتدلاً وطبيعة زراعية مميزة تناسب مختلف أنواع الزراعات المتوسطية.

المساحة والديمغرافيا

تبلغ مساحة عفرين أكثر من (202000) هكتاراً أو (2020) كم² وفقاً لإحصاء قامت بها مديرية زراعة المنطقة سابقاً التابعة للدولة السورية.

وجرى تقسيمها إدارياً بعيد الأزمة السورية إلى سبع نواحي هي (شيراوا، جندريسه، شيه، موباتا، راجو، بلبله، شرا) إضافة إلى مركز المقاطعة و/366/ قرية. ووفقاً لسجلات الأحوال المدنية السورية نهاية العام /2000/ م بلغ عدد سكان عفرين (450000) نسمة، ووفقاً لتقديرات بلدية عفرين نهاية العام /2010/ م فقد تجاوز عدد سكان عفرين نصف مليون نسمة، ومع بداية الثورة السورية في آذار من العام /2011/ م وأعمال العنف التي شهدتها مدينة حلب السورية تباعاً والتي اضطرت معها سكان حيي الأشرفية والشيخ مقصود والتي شكّل الكرد غالبيتهم النزوح والعودة إلى قراهم ومدينتهم عفرين مطلع العام /2013/ م ، الأمر الذي تسبب بتضخم سكاني كبير وتجاوز عدد سكان عفرين حينها المليون نسمة وفقاً لتقديرات محلية.

اقتصاد عفرين .. الزراعة والصناعة

عفرين منطقة زراعية بامتياز ذات مناخ متوسطي تتمتع بغزارة مطرية، وتربة خصبة تناسب معظم أنواع الزراعات المتوسطية، ويأتي الزيتون على رأسها والذي يعتبر الزراعة الرئيسية على امتداد المقاطعة والمورد الأساسي لاقتصادها ويبلغ عدد أشجارها حوالي (15) مليوناً (مشتقات الزيتون  كالزيت – صابون الغار – الاستفادة من أغصانها بعد التقليم والاستفادة من أوراق الاغصان كغذاء للحيوانات- البيرين – الخ) ، وزراعة الحبوب كالقمح الذي يعتبر هو الآخر صمام أمنها الغذائي والعدس والشعير، إلى جانب عدد من الزراعات الموسمية كالخضار بأنواعها والفاكهة التي يأتي العنب والرمان على رأسها ما يجعلها نموذجاً مميزاً للاكتفاء الذاتي زراعياً.

وبسبب طبيعتها الزراعية فمعظم الصناعات الموجودة في عفرين هي صناعات زراعية أو صناعات قائمة على الزراعة، تأتي في مقدمتها صناعة زيت الزيتون إلى جانب عدد من الصناعات المشتقة كالصابون وصناعة البيرين ومربى العنب والرمان، عدا عن عدد من الصناعات وهي المهن كالخياطة والحرف اليدوية الأخرى.

وفي عفرين، سوقٌ شعبي، يُعرف محلياً بالبازار، وهو ملتقى تجاري يقام في مركز المقاطعة ويتوافد اليه أهالي النواحي والقرى لتأمين كافة مستلزماتهم، ويعتبر مصدر دخل لمئات العائلات العفرينيّة. كما أن هناك بازارات أسبوعيّة تقام أيضاً في كل نواحي المقاطعة.

و شهدت عفرين مؤخراً، نتيجة الحرب السورية الدائرة منذ حوالي سبع سنوات، ونزوح العديد من المنتجين والصناعيين إليها لتوافر الأمن النسبي مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، نمواً وتطوراً صناعياً كبيراً وزيادة في عدد المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة، من ورش الخياطة والمكاحت ومعامل الألبسة، والصناعات البلاستيكية ومعامل البطاريات وتعبئة مياه الشرب، إلى جانب صناعة الكونسروة وغيرها من الصناعات الغذائية، كما تزايدت أعداد المداجن، والمسامك إضافة إلى افتتاح مبقرة ومعامل لصناعة الألبان ومشتقاتها.

وبعيد الأزمة السورية دخلتها عديد من الصناعات الحديثة نسبياً كصناعة الأغذية المعلبة، والنسيج إلى جانب عدد كبير من ورشات الخياطة والمكاحت ومعامل صناعة البطاريات.

إلى جانب الغنى السطحي لعفرين والذي تعتبر الثروة الزراعية عماده، هنالك الثروات الباطنية كالحديد والرخام، إضافة إلى معادن أخرى ولكن الإهمال المتعمد من قبل نظام البعث وعدم رغبته في تنشيط عفرين اقتصادياً تركتها غير مستثمرة إلى الآن.

خط قطار بغداد.. مساره في عفرين من المدخل إلى المخرج

يبلغ طول الخط المار من مقاطعة عفرين حوالي /61/ كم ابتداءً من قرية ميدان أكبس، مدخلها السوري، التابعة لمنطقة راجو وانتهاءً بقرية قاطمة التابعة لشرا, وتوجد عليه (4) محطات توقيفية للحمل والنقل بناها الألمان آنذاك وهي : “محطة ميدان أكبس, محطة راجو, محطة عفرين قرب قرية قرت قلاق, محطة قاطمة “, ويمر بأربعة أنفاق محفورة في المرتفعات الجبلية ” من ميدان أكبس باتجاه الجنوب “النفق الأول قرب قره بابا بطول 130م, والنفق الثاني قرب جسر هره دَره طوله 165م, النفق الثالث قرب قرية موساكو طوله 540م, النفق الرابع تحت قرية مشعلة في ناحية شرا طوله 235م”.

ويجتاز خمسة جسور حديدية هي: جسر “هره دَره” والتي تعني باللغة الكردية (كل مكان) والذي يُعتبر أحد أهم المعالم التاريخية في المقاطعة، وهي من أكبر الجسور بطول 450م، و97م ارتفاعاً من أسفل وادي حاشوركه ، وجسري كتخ و زرافكه على نهر كتخ, وجسر آستار, وجسر جومكه على نهر عفرين.

يشير التاريخ المدون على العوارض الحديدية لهذا الخط المار من عفرين/جبل الكرد (Çiyayê Kurmênc) إلى عامي 1911 و 1912. ومنه يُستنتج أن الانتهاء من أعمال تمديده في الجبل كان بين عاميّ 1911 و 1912.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قرية ميدان اكبس المتاخمة للحدود السورية التركية نشأت إبان تمديد خط القطار السريع والذي عرف بخط قطار بغداد بدايات القرن العشرين ، فمعظم سكان وقاطني القرية الحاليين هم في الأصل من قرى ميدونو بناحية راجو ، الذين توافدوا إلى مبنى محطة القطار الحالية والتي تعتبر المركز الحقيقي للقرية والتي ما يزال سكان القرية والقرى المجاورة يطلقون عليها اسم (ستاسيون/Stasyon) والتي تعني المحطة أو الموقف باللغة الفرنسية. كما عملت العديد من العائلات الأرمينية ضمن مبنى المحطة ككادرٍ إداري وفني بالإضافة إلى عدد من سكان ميدان اكبس الأصليين في مرحلة إنشاءها.

وقد عمل في بناء هذا الخط المئات من أبناء المنطقة وساهم بخلق فرص عمل لمئات العائلات العفرينية وتنشيط اقتصاد عفرين ككل حينذاك، وكان يدخل عبر محطة ميدان اكبس يومياً ما يتراوح بين 150 – 200 مقطورة محملة بمختلف صنوف المواد والبضائع والمواشي متجهة إلى مدينة حلب مروراً بمختلف مناطق الشمال السوري دخولاً إلى الأراضي العراقية ومنها إلى وجهتها النهائية بغداد.

الطبيعة المجتمعية لأهالي المقاطعة وتنوّع معتقدات قاطنيها

ولطالما اعتبرت عفرين موزاييكاً نموذجياً من ناحية الإثنيات والطوائف التي تعيش فيها جنباً إلى جنب، فاحتضنت العرب والكرد الذين يشكلون الغالبية الساحقة من سكانها وبعضاً من التركمان، إلى جانب وجود تنوع في المعتقد، حيث يشكل المسلمون أغلب سكانها معظمهم من السنة مع أقلية علوية تتمركز في مركز ناحية موباتا بشكل خاص، يليهم الإيزيديون والزرادشتية إلى جانب قلة قليلة اعتنقت الديانة المسيحية مؤخراً بعيد الأزمة.

في القرن التاسع عشر توطدت السلطة المركزية في الدولة العثمانية في سوريا وترسخت على حساب الحكم الذاتي المحلي، مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية وظهور طبقة جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار (الاقطاعيين)، وهكذا اختفت العشائر والعلاقات العشائرية وتحولت البنية العشائرية لبنيةٍ إقطاعية كما في باقي المناطق، وتطوّرت العلاقة والبنية الاجتماعية. واستمر الوضع على هذا النحو حتى بداية ستينات القرن العشرين، حيث بدأ بعدها الزعماء الإقطاعيون يفقدون سلطتهم ونفوذهم تدريجياً بعد تفكك وتفتت الإقطاعات وانتهى عصر الإقطاع في عفرين وكافة مناطق سوريا.

وحالياً يعيش في مقاطعة عفرين غالبية كردية مع وجودٍ لأقلية عربية يعود تاريخ وجودها إلى مشروع الحزام العربي في مطلع ستينيات القرن الماضي، وهم متعايشون الآن مع أهالي المقاطعة على مبدأ أخوة الشعوب.

كما عاش الأرمن في عفرين، وهم من الأرمن الذين هربوا من المجازر العثمانية أوائل القرن الماضي، وكانت لهم بصمتهم التاريخية في المقاطعة، وتعيش الآن أسرة أرمنية وحيدة في مركز المقاطعة.

ويختلف سكان المقاطعة في اعتقاداتهم الدينية، وبحسب المراجع التاريخية فإن غالبية سكان المقاطعة كانوا يؤمنون بالديانة الإيزيدية، ومع انتشار الإسلام تحوّل قسمٌ كبيرٌ منهم إلى الديانة الإسلامية، إلا أنّهم حافظوا على قدسيّة الرموز الدينية الإيزيدية، ويتجلى ذلك في زيارة قسم كبير من مسلمي عفرين للمزارات الإيزيدية المنتشرة في المقاطعة. ويحتفل أهالي عفرين بالأعياد والمناسبات الدينية كلٌّ بحسب معتقده. إضافة إلى ما سبق، فإن أكراد كرد داغ (Çiyayê Kurmênc) لا يزالون يُقسِمون بمكونات الطبيعة، كالماء والنار والشمس والقمر، ويكوون أطفالهم بجمرات النار لحمايتهم من الأمراض، ويضيئون الأماكن المقدّسة بالمصابيح والشموع (النار) كطقسٍ أساسي يومي أو أسبوعي.

ويسود في مقاطعة عفرين شكل الحياة القروية بشكل كبير، وذلك كون المنطقة برمتها تقوم على 366 قرية، وتتنوّع مصادرها الطبيعية، لذلك اعتاد الأهالي في عفرين بالاعتماد على الذات لتدبير مستلزماتهم اليومية.

اللباس والتراثي العفريني

ألبسة المرأة تختلف من فئة اجتماعية إلى أخرى، فالمرأة في الأسرة الغنية تلبس القماش الجيد الغالي الثمن، كالمخمل والحرير. أما المرأة الفقيرة، فتقتني الأقمشة الرخيصة من الخام. والصفة المشتركة بين لباس الفئتين، كانت الألوان الزاهية. أمّا أسماء وأنواع اللباس فهي واحدة تقريباً.

فلباس الرأس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان يختلف بين المرأة المسنّة والزوجة الشابة والفتاة. فكبيرة السن كانت تضع الكوفية، والأصغر سناً تضع الطربوش في المناسبات، أو منديلاً خاصاً يسمى جيور أو شاش، ثم استبدلت الكوفية بمنديل خاص (شال) ذي ألوان مختلفة، ويوضع تحته منديل أصغر يكلل الجبهة مع الرأس، يعرف بـ بارني، وهذا الزي لايزال موجوداً لدى بعض النساء المسنّات.

أما الفساتين فهي ملونة تلبس فوق إزارٍ داخلي (كراس/Kiras)، وسروال داخلي (هفال كراس/Heval Kiras) يشبه سروال الرجل، مصنوع من القماش الخام الملوّن، وهاتان القطعتان هما من الخام الأبيض لدى المرأة الإيزدية. أما لباس القِدم، فالمرأة كانت تنتعل (توسم و قب قاب)، وهي أحذية مشتركة بين الرجال والنساء.

وكانت العباءة لباساً تقليدياً واسع الانتشار.  وحينما حل الفرنسيون في هذه البلاد، جلبوا معهم الجاكيت، الذي حل محل العباءة الجبلية التقليدية.

أما من الأسفل فيلبس السروال العفريني التقليدي (شلوار/Şelwer) فوق سروال أبيض فضفاض (دربى سبي/Derpiyê Sipî). وكانت المرأة تشدّه إلى الخصر بخيط طويل وسميك مصنوع من الصوف والوبر المشغول يدوياً، يسمى (بزي/Pizî). أمّا الرجل فيشد خصره بلفافة عريضة مصنوعة من الحرير، يوضع تحتها الخنجر والمسدس وأداة التدخين الطويلة (Şiv) ، إضافة إلى حزام جلدي يسمى بيلسى له جيوب ومخابئ توضع فيها الأدوات الشخصية الصغيرة. وينتعل الرجل حذاء توسم الأحمر المصنوع من الجلد كحذاءٍ تقليدي دارج.

بينما سواد الناس فكانوا يلبسون (داربى سبي / كروس) من الخام الأبيض، وهما قطعتان من الخام الأبيض، وهي تشبه إلى حدٍّ كبير لباس شعوب شبه القارة الهندية. ولازال هذا النوع من اللباس موجوداً لدى كبار السن، ولكنه يلبس تحت الشروال.

وأمّا (كورتكي شفان/Kurtikê Şivan)‏ فهي لباس خاص بالرعاة له قبعة، بلا أكمام، يصنع من اللباد السميك المؤلف من الصوف وشعر الماعز، يلقى على الأكتاف ويغطي كامل الجسم.

عفرين خلال ثورة روج آفا

ومع انطلاق ثورة روج آفا في تموز من العام 2012، وتحرير المناطق الكردية من النظام السوري، شهدت عفرين تطوّرات على كافة الأصعدة وخصوصاً اقتصاديّاً، وأصبحت مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة ومقصداً لعشرات الصناعيين والمنتجين الذين وفدوا إليها من مختلف المدن السورية، الأمر الذي وفر فيها المئات من فرص العمل والكثير من الإمكانيات الاستثمارية، بعدما كانت منطقة صغيرة يغلب عليها الطابع القروي ردحاً من الزمن. كما وشهدت عفرين خلال السنوات الأربع الأخيرة وخصوصاً مع إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية بتاريخ 29/1/2014 نموّاً كبيراً في حركة العمران، إضافة إلى التقدّم الملحوظ في الجانبين العلمي والتقني، حيث افتتح معهدٌ للغة والأدب الكردي باسم (معهد الشهيدة فيان أمارا) الأول في روج آفا، إلى جانب عدد من المعاهد العلمية والتقنية وجامعةٍ سمّيت باسمها (جامعة عفرين/Zanîngeha Efrînê) الأولى من نوعها على مستوى روج آفا، والتي تدرّس فيها عدّة فروعٍ علمية وأدبية وكذلك عدّة معاهد موسيقيّة، وقد لعبت دوراً كبيراً في النهوض بالواقعين التعليمي والتربوي ضمن المقاطعة، ومستشفيين كبيرين (مشفى آفرين و مؤخرّاً مشفى الشهيد فرزندة) وعدّة مخابر طبية والتي كان لها بالغ الأثر في تطوير الواقع الصحي في المقاطعة وكانت مقصداً لأهالي المناطق المجاورة، إضافة إلى افتتاح مطبعتي (آرين و روكسان) إلى جانب العديد من المطابع الخاصة، كما شهدت المقاطعة انفتاحاً سياحياً ضمن الإمكانيات المتوافرة، حيث افتتحت عدة مطاعم على امتداد المقاطعة، كما افتتح مؤخراً فندق تحت إشراف هيئة السياحة (التابعة لإدارة المقاطعة)، لاستقبال النزلاء والوفود الديبلوماسية والإعلامية القادمة إلى المقاطعة.

عفرين مقصد الأمان لآلاف النازحين

في ظل الحرب الراهنة وفي ظل ما يشهده العالم من تجارة بحياة النازحين فتحت مقاطعة عفرين أبوابها لآلاف النازحين من مختلف المناطق السورية، وتقاسمت معهم ما تملكه من الإمكانيات علماً بانها تعاني من حصار خانق منذ 6 أعوام.

وهربا من أتون الحرب الدائرة في سوريا والتي دمرت البشر والحجر والانتهاكات الممارسة من قبل المجموعات الإرهابية والتابعة لتركيا والنظام البعثي بحق الأهالي اضطروا إلى النزوح تاركين خلفهم كل ممتلكاتهم، فقصد آلاف النازحين من أطفال وشيوخ ونساء مقاطعة عفرين منذ عام 2014بعد أن لاحظوا توفر الأمن والأمان فيها إضافة الى ما تقدمه الإدارة الذاتية من خدمات لهم ضمن مجتمع يسوده أخوة الشعوب بعكس باقي مناطق سوريا التي تحولت إلى بؤر لحروب طائفية، وبدورها حملت الإدارة الذاتية على عاتقها المسؤولية لتلبية احتياجاتهم بعكس ما يمارسه تجار البشر وعلى رأسها تركيا بالتجارة بحياة النازحين واستخدامهم في مراهناتها السياسية مع أوربا.

وبعد ازدياد وتيرة تدفق النازحين الى مقاطعة عفرين منذ بداية الازمة السورية وإثر استمرار الاعتداءات على مناطق الشمال السوري اضطرت الإدارة الذاتية الى انشاء مخيم، بتاريخ 27 من أيلول عام 2014 الواقع في قرية باصلة التابعة لناحية شيراوا وعدد العوائل فيها 553، وعدد الأفراد 2430 وعدد خيمها 600 ، ونتيجة لعدم استيعاب المخيم للعدد الهائل دفعت الحاجة إلى إنشاء مخيم أخر في قرية دير جمال بناحية شيراوا وهو مخيم الشهباء الذي يقطنه 275 عائلة نازحة وعدد أفرادها 1560 وعدد خيمها 300. وذلك لخلق نوع من التوازن بين عدد قاطني المخيمين وتخفيف الأعباء عليهم، والنازحون في المخيمين من معظم المدن السورية وخارجها ومنها من مناطق الشهباء مثل (تل رفعت، مارع، شيخ عيسى، بابيص، ام الحوش، الباب، اعزاز، كفر ناصح) وريف حلب الغربي، ومن المناطق السورية الأخرى (القنيطرة، حماة، حمص، الطبقة، ادلب، دمشق) ومن خارج البلاد من مدينة الأنبار العراقية.

المقاومة التاريخية في قسطل جندو

تقاوم قرية قسطل جندو التابعة لناحية شرا بمقاطعة عفرين المجموعات التابعة للاحتلال التركي منذ 7 سنوات، فأبت أن تقع بيدهم، الأهالي والقوات العسكرية تصدوا لأعتى الهجمات بإمكانيات ضعيفة، حتى أصبحت القرية مثالاً يحتذى به في المقاومة.

تقع قرية قسطل جندو شرقي مدينة عفرين بحوالي 30 كم، وغربي مدينة إعزاز بحوالي 5 كم، ويوجد فيها أكثر من مائتي منزل يقطنها الآلاف من السكان.

تتميز القرية بموقع استراتيجي، حيث تقع على مقربة من الحدود السورية التركية، وفيها “جبل برصايا” أو جبل “قسطل محلياً” الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 600 متر، وهذا ما جعلها تكون محط أطماع المجموعات المسلحة، فلم تتوقف الهجمات عليها منذ انطلاقة ثورة روج آفا وحتى الآن.

وفي نهاية عام 2012 بدأ الحراك الثوري في أراضي عفرين، وحينها شبان وشابات عفرين تطوعوا لحمل السلاح وحملوا مهمة حماية أراضي مقاطعة عفرين على كاهلهم، فتوجهت أنظار الجماعات المرتزقة والإرهابية والمدعومة من الائتلاف السوري وتركيا صوبها.

وفي هذا العام بدأت مرتزقة ما تسمى عاصفة الشمال البالغ عدد مرتزقته حينها حوالي 6000 آلاف مرتزق بشن هجوم واسع على القرية، استخدموا فيه أثقل الأسلحة المقدمة إليهم من جيش الاحتلال التركي.

أما أهالي القرية لم يمتلكوا سوى أسلحة كلاشنكوف وعدد آخر من بنادق الصيد المعروفة محلياً بـ “بمبكشن”، حينها مرتزقة عاصفة الشمال قالوا بأنهم سيكونون في منتصف مدينة عفرين خلال نصف ساعة، لكن في الطلقة الأولى قتل قائدهم المدعو عمار الداديخي.

أهالي القرية بالإضافة لعدد من المقاتلين قاوموا حتى النهاية ولم يسمحوا للمرتزقة اللذين هاجموا لعدة أسابيع دون توقف دخول القرية، لم يخرج أحد من القرية وقاوموا حتى انتصروا.

في منتصف عام 2013 سيطر تنظيم داعش مع عدد من المجموعات المحسوبة على ما تيسمى بـ”الائتلاف السوري” على مطار منغ العسكري بعد معركة مع النظام السوري، وعليها توجهت أنظارهم صوب قرية قسطل جندو وجبلها الاستراتيجي، فهاجموا القرية أيضاً.

وحدات حماية الشعب والمرأة حينها كانت في طور التشكيل، وكان هناك عدة كتائب للوحدات ومن ضمن قياداتها الشهيديتن جيندا وروكسان. الوحدات المتمركزة على قمة جبل قسطلة بمساعدة كبيرة من أهالي كل من قرى قسطل جندو، بافلون وقطمة تصدوا للهجمات بكل قوة. الهجمات استمرت حوالي شهر، ولم يتمكن داعش التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.

بعد فشل كافة المجموعات المرتزقة والإرهابية المدعومة بشكل علني وبعضها سري من قبل تركيا المتمثلة ب “داعش” ومرتزقة “لواء عاصفة الشمال” في احتلال القرية، لم تتحمل تركيا ذلك الصمود وتدخلت مباشرة في محاولة احتلال القرية مع جبلها الاستراتيجي.

ومن حينها تتعرض القرية لقصف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته المتمركزين في مدينة اعزاز وريفها بشكل شبه يومي بالقذائف، لكن أهالي القرية رفضوا سابقاً الخروج منها وما يزالون يواصلون السير على النهج ذاته…نهج المقاومة حتى الانتصار.

مقاومة عفرين بدأت من قرية قسطل جندو، وحتى الآن مستمرة في وجه المحتلين والطامعين بروح شهداء عام 2013 ولا تزال عصية على المعتدين.

العدوان التركي الأخير على عفرين واستمرار المقاومة والصمود

أفشلت مقاومة وصمود الشعوب في مقاطعة عفرين مخططات الدولة التركية في احتلال مقاطعة عفرين منذ بدء الأزمة السورية، فإن صمود ووحدة الشعوب في المقاطعة أثارت جنون تركيا حتى باتت تشن هجمات عشوائية وتخطط لمشروع احتلالي آخر في المنطقة، إلا أن الشعوب وجهّتها بتكاتفها وأكدت على مواصلة النضال والصمود.

ومنذ أن كثف جيش الاحتلال التركي تحركاته وتعزيزاته بمحاذاة أراضي مقاطعة عفرين، تتعرض القرى الحدودية في المقاطعة لقصف عنيف من قبل الجيش التركي، وعليه خرج الأهالي بنسائها ورجالها في القرى الحدودية في الكثير من المرات وخاصةً ناحيتي راجو وبلبلة وحملوا السلاح وانتشروا بتخوم الحدود للحماية والدفاع عن المنطقة.

فيما نظم أهالي مقاطعة عفرين ونواحيها والقرى التي قصفها جيش الاحتلال التركي خلال السنوات الماضية العديد من الفعاليات والنشاطات التي لعبت دوراً هاماً في المقاومة أجبرت الجيش التركي الانسحاب من أراضيهم.

وبعد فشل كل تلك المحاولات بدأت تركيا بالتدخل المباشر في معركة أطلقت عليه ماتسمى “غصن الزيتون” في محاولة جديدة لاحتلال عفرين بالقوة، وتتعرض منطقة عفرين منذ 20 كانون الثاني 2018 لهجوم واعتداء سافر من قبل جيش الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة لها بهدف احتلال عفرين بحجج واهية، تنفيذاً للمخططات التركية للمكاسب التي حققتها شعوب روج آفا وشعوب عفرين بشكل خاص. هجمات الجيش التركي ومرتزقته المتواصلة حتى الآن تضمنت غارات جوية استهدفت العديد من المناطق الآهلة بالسكان ما أسفر عن فقدان المئات من المدنيين لحياتهم وإصابة المئات بجروح.

المخيمات أيضاً لم تسلم من ممارسات الاحتلال التركي، وتعرضت لقصف جيش الاحتلال التركي والمجموعات التابعة لها عدة مرات وآخرها في الهجمات الأخيرة التي تشهدها المقاطعة، فباتوا ينامون في العراء خائفين من العودة الى أجواء الحرب التي لطالما عانوا وهربوا منها.

وفي المقابل تتصدى وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية لمحالات الجيش التركي للتوغل داخل اراضي ولاتزال هذه الهجمات مستمرة على عفرين ومقاومة قواتها العسكرية وبمساندة أهلها لاتزال مستمرة وعصية على المحتلين.

ورغم كافة الموازين والاتفاقيات السياسية التي تطال مقاطعة عفرين من قبل الدولة التركية وحلفائها، إلا أن الأهالي لا يزالون في خط الدفاع الأول لحماية أرضهم وشعبهم، ولازالت عفرين بلد الزيتون والسلام والصمود عصية في وجه المحتلين.

 

كاتب

التعليقات مغلقة.