مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

لمحة عن الاستعمار العثماني في كُردستان

د. أحمد محمود الخليل

الغزو السّلجوقي

إنّ الوطن التاريخي للعرق التركي هو وسط آسيا، بدءاً من تركمانستان إلى منغوليا شرقاً، وكانت الشعوب الآريانية (الأفغان، البلوش، الكُرد، الفرس، وغيرهم)، يقفون سدّاً منيعاً أمام الغزو التركي لغربي آسيا، وفي الكتاب الزَّردشتي المقدس (آڤستا) وملحمةِ (شاهنامه) للشاعر الفِرْدَوْسي أدلّة عديدة على ذلك، ولم يكن للأتراك وجود في غربي آسيا إلا على شكل تجّار وعبيد.
وقد بدأ الخليفة العباسي المأمون بشراء العبيد الأتراك، وتجنيدهم في الجيش على شكل (مماليك)، بعد أن فقد ثقته بالجنود العرب والفُرس، ثم سار أخوه الخليفة المُعتصِم بالله على نهجه، وأكثرَ من شِراء العبيد الأتراك، وتجنيدهم في الجيش، وخاصة أن أمّه كانت جارية تركية اسمها (ماردة).
وفي النصف الأول من القرن 11م، تحالف الخليفة العباسي القائم بأمر الله مع السلطان السلجوقي طُغْرُل بك، واستدعى السلاجقةَ السُّنّة من تركمانستان وشمالي أفغانستان، وهم فرع من قبيلة (من قبيلة غُز/أوغوز) التركية؛ واستدعاهم الخليفة القائم بأمر الله ليستقوي بهم على خصومه البُوَيْهيين الذين كانوا قد بسطوا نفوذهم على بغداد، وكانوا ذَوي ميول شيعية، وانتهز السّلاجقة تلك الدعوة، فاتّجهوا غرباً، وغزَوا بلدان الشرق الأوسط واستعمروها، وبموافقة الخليفة العبّاسي القائم ومَن تلاه من الخلفاء، أسّسوا إمبراطورية، تمتدّ من تركمانستان إلى الحجاز.

من هم العثمانيون؟

العثمانيون هم من قبيلة قايي، فرع الغُزّ (أُوغوز) التركية، أي أنهم من أقارب السلاجقة، وانتهز زعماء هذه القبيلة الغزوَ السلجوقي لغربي آسيا، وانتقلت هـذه القبيلة من تركمانستان إلى الأناضول بزعامة أَرْطُغْرُل في عهد السـلطان السَّلجوقي علاء الدين بن كَيْقُباد الأول (1219–1237 م)، وكان عددهم أربعمـئة خيمة (أسرة)، وطلبت منه السماح لها بالاستيطـان في قَرَه جَه طاغ الواقعة بين قَرَه حَصار وبَيلَه جِك، فسمح له بذلك. ونتيجةً للدعم الذي قدّمته هذه القبيلة للسلطان السلجوقي ضد البيزنطيين حاز زعيمها عثمان بن أَرْطُغْرُل على لقب بَگ “أمير” إثر استيلائه على قَرَه حَصار، ثمّ تأسّست نواة الإمارة العثمانية في الشمال الغربي للأناضول على الحدود البيزنطية سنة 1299م، وشرعت تغزو وتتوسّع على حساب الأراضي الواقعة تحت النفوذ السلجوقي وتحت النفوذ البيزنطي.
وفي سنة 1326 م توفّي الأمير عثمان وانتقلت السلطة إلى ابنه أُورْخان، ففتح مناطق جـديدة، واستولى على مدينة بُورْصَه واتخذها عاصمة لإمارته، وبنصيحة من قاضي العسكر چَنْدَرْلي قَرَه خليل أسّس الجيشَ الإنكشاري (يني شاري= النظام الجديد)، وهو نمط من المماليك يقوم على أخـذ صغـار الأسرى من البلاد المغلوبة وتربيتهم تربية عسكرية دينية، ليحترفوا الحرب والجهـاد، وفتحت الدولة العثمانية كثيراً من البلاد بهذه القوات الجديدة.
ثم سار السلطان مراد الأول على نهج والده أُورخان في توسيع رقعة دولته، فضمّ إليها أنقرة عاصمة القَرَه مان، ونهج بايزيد الأول نهج والده مراد الأول، فضمّ مناطق من بلاد البيزنطيين، ودحر حكام الدويلات المنتشرة في الأناضول، وحصل من الخليفة العباسي في مصر على تفويض بحكم الأناضول وعلى لقب “سلطان الروم”. وحينما تسلّم السلطانُ محمد الفاتح الحكم سنة 1451م كانت معظم مناطق الأناضـول تخضع للحكم العثماني، وفي سنة 1453م توّج جهـوده في التوسّع بالاستيلاء على قُسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية.
كان معظم المشرق العربي آنذاك واقعاً تحت السيادة المملوكية، وكي يرسّخ العثمانيون دعائم سلطتهم كان عليهم مواجهة المماليك في الغرب (الشام ومصر) ومواجهة الصَّفويين في الشرق (إيران وأذربيجان). وقد تسلّم السلطانُ سليم الأول عرشَ السلطنة سنة 1512م، واستطاع تحقيق النصر على الشاه إسماعيل الصَّفوي سنة 1514م في معركة “چَلْديران”، واحتل عاصمتها تِبريز، كما أنّه انتصر على المماليك في معركة “مرج دابِق” في شمالي سوريا سنة 1516م، وانتصر عليهم أيضاً في معركة الرَّيْدانية بمصر سنة 1517م، وأصبحت الشام ومصر تابعتَين للدولة العثمانية، ودانت لهم بالولاء كلٌّ من الحجاز واليمن. وفي عهد السلطان سليمان القانوني، الذي خلِفَ أباه سنة 1520م، وبذلك العثمانيون نفوذهم على كافة أراضي العراق سنة 1534م.

كُردستان جيوستراتيجياً:

كانت كُردستان ميداناً للصراع الرئيسي بين الصفويين والعثمانيين، وقد لاقت من الأهوال في هذا العهد ما لا يقلّ قسوة عن الأهوال التي لاقتها خلال الغزو المغولي والتَّيموري، والمشكلة أنّ كلاًّ من العثمانيين والصفويين كانوا يعتبرون السيطرةَ على كُردستان، أرضاً وشعباً، من الأمور الإستراتيجية والمصيرية التي لا يمكن التفريط بها، لذلك كان كلّ فريق يستميت لإدخالها في دائرة نفوذه. ولا ننسى في الوقت نفسه أنّ الصراع العثماني- الصفوي كان اقتصادياً إلى جانب كونه مذهبياً وجغرافياً، وكانت كُردستان مهمّة بالنسبة إليهم؛ لأنّ أجزاء من طريق الحرير العالمي كان تمرّ بها، وكان الطريق البرّي القادم من حدود الصين شرقاً يتفرّع في قزوين إلى فرعين:
• الفرع الأول: يذهب إلى مدينة هَمَذان باتجاه جنوب غرب، وإلى مدينة أَسَدآباد الواقعة على المنحدر الغربي لجبل رَوَنْد، ومن أسدآباد يتجه الطريق إلى مدينة كِرْمَنشاه، ليهبط منها إلى حُلْوان فبغداد؛ وهذا يعني أنّ الطريق كان يخترق إقليم كُردستان الفاصل بين المنطقة العربية العراقية والمنطقة الإيرانية.
• الفرع الثاني: كان يساير بحيرة وان من جهة الشمال، ليصل إلى خِلاط، ومن خِلاط كان ثمة فرع يذهب إلى بَدْليس، ومنها إلى ديار بكر (آمد) الواقعة على نهر دجلة الذي يصلها بالموصل وبغداد، ومن ديار بكر يهبط الطريق باتجاه جنوب غرب ليصل إلى رِها (أُورْفا)، ومن رها يسير إلى عَيْنتاب، ومن ثم يذهب فرع إلى أنطاكيا وآخر إلى إزْمِير.

الصراع العُثماني- الصَّفَوي على كُردستان:

ونعرض فيما يأتي أبرز الأحداث التي جرت في كُردستان حينذاك:
في سنة 1506م غادرت القـوات الصفوية مدينة تِبْريز واتجهت إلى كُردسـتان التي تفصل الهضبة الإيرانية عن العراق العربي والأناضول، في محاولة للاسـتيلاء عليها، لكنّ تلك المحـاولة باءت بالفشل لوقوف الزعيـم الكُردي صـارم بن سيف الدين المُوكَري في وجهها، على أنّ تلك الحمـلة أفلحت في إخضاع عـدد من أمراء كُردسـتان طَوعاً أو كَرهاً للنفوذ الصفوي.
وفي سنة 1507م هاجم الشاه إسماعيل الصفوي حكومة آقْ قُويُونْلو (الخروف الأبيض) في مَرْعَش وأَلْبُستان، ودخـل بقـواته مدينة آمد (دياربكر) فاتحاً، ثم غادرها بعـد أن عيّن محمد خان استاجْلو نائباً عنه فيها.
وفي سنة 1514م كانت چَلْدَيران الواقعة في شمال شرقي كُردستان ميداناً للمعركة الشهيرة التي دارت بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وانتصر فيها السلطان سليم الأول العثماني على الشاه عبّاس الصفوي انتصاراً ساحقاً، ودخل عاصمته تِبريز، ولم يكن السلاح الناري الذي استخدمه العثمانيون -لا سيّما المدافع- هو وحده الذي حسم المعركة لصالحهم، وإنما كان انضمام أمراء الكُرد السُنّيين إلى الصف العثماني من العوامل الحاسمة أيضاً لانتصار سليم الأول.

وفي سنة 1515م ندب السلطانُ سليم الأول الزعيمَ الديني الكُردي الشيخ إدريس بَدْليسي لإثارة الأمراء الكُرد ورؤساء العشائر وحكّام المقاطعات ضد الشاه إسماعيل الصفوي، وحصل هذا الشيخ على ولاء ثلاثة وعشرين أميراً كُردياً للسلطان العثماني في ديار بكر وماردين والموصل وسِنْجار وحِصن كَيْفا والعمادية وجزيرة ابن عُمَر، ووافق هؤلاء على ضمّ مناطقهم إلى الدولة العثمانية بما يشبه الاتحاد الفيدرالي في عصرنا هذا، وقد نصّت المعاهدة بين الكُرد والعثمانيين على ما يلي:
1. تحتفظ كافة الإمارات الكُردية الموقّعة على المعاهدة باستقلالها التام.
2. تستمرّ وراثة الإمارة من الأب إلى الابن، أو تنظّم وفق أعراف القبيلة، ويعترف السلطان بالوريث الشرعي بفَرْمان خاص.
3. يساهم الكُرد في الحروب التي توكل إليهم من قبل السلطنة.
4. تقوم السلطنة بمساعدة الكُرد ضد كلّ عدوان خارجي.
5. يساهم الكُرد بتقديم الهدايا للسلطنة بشكل مصاريف فعلية.
وهذا يعني أنّ النفوذ العثماني بات من الناحية الإستراتيجية ممتداً إلى معظم أجزاء مناطق جنوبي كُردستان وشماليها، وكان ذلك تمهيداً لبسط النفوذ العثماني على بلاد الشام وعلى مصر من بعد. وبالسيطرة على كُردستان وضعت الدولة العثمانية يدها على كثير من الموارد الاقتصادية، فمدينة آمد (دياربكر) الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دجلة كانت محطة إستراتيجية لطرق المواصلات الدولية آنذاك، إضافةً إلى أنّ معظم مناطق كُردستان كانت غنية بالمزروعات والجلود والأنسجة والنحاسيات والفخاريات، ونذكر على سبيل المثال أن دَخْل آمد (دياربكر) سنة 1528م كان يتساوى مع مجموع الدخـل الذي كانت تحصل عليه الدولة من جميع ولاياتها في البلقان؛ إذ قُدّر بخمسة وعشرين مليون آقْجَة عثمانية.

القضاء على الإمارات الكُردية:

بعد أن احتلّ السلطان سليمان القانوني (1530–1566م) العراق، وفرض الاستعمار المباشر عليها، نجح في إخضاع كافة الإمارات الكُردية للنفوذ العثمانيّ أيضاً، وأهمّ تلك الإمارات:
1 – الإمارة الأَرْدَلانية في شَهْرَزُور: يقـع إقليم شهرزور غربي سلسلة جبال هاوْرامان (أَوْرامان = حُلْوان)، إذ أنّ حـدَّه الشمالي نهر دِيالَى، ويمتد في الجنوب الغربي حتى ممرّ دَرْبَنْدِخان، وتحدّه من الغرب منطقة سُليمانية. وكلّف السلطان قائده حسين باشا بمهمة ضمّ إقليم شَهْرزور، فاصطدم هـذا القائد بحاكم شهرزور مأمون بَگ من أسرة أَرْدَلان، وساقه أسيراً إلى إستانبول، وعلى الرغم من بعض المقـاومة تمكّن السلطان العثماني من ضمّ شَهْرزور إلى الولايات العثمانية في سنة 1561م.
2 – الإمارة الصُّورانية في راوَنْدُوز: تقع راوندوز على جانب نهر الزاب الكبير (الأعلى) في جنوبي كُردستان، وترجع أهميتها إلى صلتها بالطرق الرئيسة في كُردستان.
3 – الإمارة البابانية في سُليمانية: تقع سليمانية جنوبي كُردستان، بين نهر دِيالَى وتخوم كركوك والزاب الصغير، وقد أسند السلطان العثماني حكمها إلى الأمير الباباني بُوداق بن سليمان.
4 – الإمارة البهادينية في عِمادية: تقع عِمادية (آمادي) في شمال شرقي الموصل، وأهـم قلاعها: عَقْرَة ودُهوك وعمراني.
إضافةً إلى هذا دان كثير من حكّام الكُرد بالولاء للدولة العثمانية، ومنهم حكام صاصون في نواحي أرمينيا وحكام دَرْتَنك (زَهاو) وحكام ماهِي دَشْت وحكام كُورْكَيل في جبل جُودي وحكام هَكّاري وحكام حِصن كَيْفا الأيوبيون وحكام باكو وحكام خَيْزان وحكام مُكْس وحكام باطْمان وحكام ميّافارقين.
ودان بعض الحكام الكُرد بالولاء للعثمانيين تارةً وللصفويين أخرى، ومن هؤلاء حكام بازُوكي في مناطق أَرْجِيش وعادِلْجَواز وألشگرد وحكام دُنْبُلي في سكمان آباد وحكام بدليس، ودان حكام كُرد آخرون بالولاء للصفويين، وعلى رأسهم حكام سِنَنْدَج وحكام مُوكَري وأمراء منصوري في سلطانية وزَنْجان وحكام كَلْهُور وحكام اللُّور الصغير في خُرَّم آباد وحكام بِرادُوسْت وحكام تَرْكُور وحكام كاباغي وحكام زَنْكَنه.
وبتدقيق النظر في الصراع العثماني– الصفوي يتّضح أنّ جغرافية كُردستان وقواتها كانت تشكّل عنصراً فاعلاً في حسم ذاك الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك، وقد مرّ قبل قليل دور الكُرد في انتصار العثمانيين بچَلْدَيران، ونذكر -على سبيل المثال أيضاً- أنه في عهد السلطان مراد الرابع (1623-1640م) تمكّن الشاه الصفوي عباس الأول من امتلاك العراق سنة 1624م، فاستعان والي ديار بكر العثماني أحمد باشا بكُرد مَرْعَش وسِيواس والموصل وكركوك وعِمادية لاسترداد العراق، وما كان من الشاه عباس إلاّ أن استعان بقوات كُردية من لُورستان وأَرْدَلان، الأمر الذي أربك أحمد باشا وأضعف موقفه وأحبط خطته.

معاهدة (1639 م) وتقسيم كُردستان:

علمنا فيما سبق أنّ معظم الكُرد وقفوا إلى جانب الدولة العثمانية السُّنية في صراعها المرير ضد الدولة الصفوية الشيعية، وأنهم ساهموا في تحقيق انتصارات العثمانيين الكبرى على الجبهة الشرقية، ونتيجة لذلك اكتفى السلاطين العثمانيون بالسيادة الاسمية على كُردستان، وبقي النفوذ العثماني نوعاً من الشكليات المقتصرة على إصدار الفرمانات (المراسيم) بتسمية الأمراء والحكام الكُرد، وتوزيع النَّياشين والألقاب عليهم، لقاء تلقّي الدعم الكُردي من المال والجنود في الحروب العثمانية المتلاحقة.
وذكر شَرَف خان بَدْليسي أنّ الإمارات الكُردية في العهد العثماني كانت تتمتّع بالحكم الذاتي، فالضفة اليسرى من نهر الفرات الغربي، وجميع مناطق الضفة الشرقية من نهر مُراد صُو (أحـد فرعي الفرات)، كانت تحت حكم الإمارات الكُردية، وكان الأمراء الكُرد يقدّمون الطاعة والهدايا إلى السلطـان، ويقدّمون الجيوش الاحتياطية للدولة.
وفي سنة 1049هـ/ 1639م اتفق السلطان العثماني مراد الرابع والشاه الصفوي عباس الثاني على رسم الحدود بين الدولتين العثمانية والصفوية، ووقّعت الدولتان معاهدة عرفت باسم “معاهدة تنظيم الحدود” تقاسمتا فيها كُردستان، وبموجبها أصبحت الأجزاء الشرقية من كُردستان مستعمَرة تابعة لإيران، وغدتِ الأجزاء الشمالية والغربية والجنوبية مستعمَرة تابعة للدولة العثمانية، وعُزّزت تلك المعاهدة بمعاهدة أَرْضَرُوم الثانية سنة 1847م، ثم باتفاقية تخطيط الحدود سنة 1913م، ثم بمعاهدة لُوزان سنة 1923م، وأخيراً بصكّ الانتداب البريطاني على العراق.

وفي عهد السلطان محمود الثاني، وحوالي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ألغت الدولة العثمانية استقلالية الأمراء الكُرد، وقضت على الإمارات الكُردية المستقلة، وفرضت الاستعمار العثماني المباشر على المناطق الكُردية التابعة لها.

الاستعمار التركي المباشر:

بعد القضاء على الاستقلال النسبي للكُرد، وتجريد المجتمع الكُردي من قياداته الوطنية، استغل العثمانيون القوّة البشرية والاقتصادية الكُردية كما يحلو لهم، سواء كان ذلك في حروبهم الخارجية أم في قمع الانتفاضات الداخلية، وظهر هذا الاستغلال بدرجة كبيرة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني؛ فقد كانت الألوية الحميدية المشهورة باسم “حميدية آلايْلَري” تضم الشراكسة والألبان وحوالي عشرة آلاف من فرسان الكُرد، واستخدمت الدولة هذه الفرق للتنكيل بالأرمن والتضييق على غيرهم من المسيحيين، إضافةً إلى التنكيل بالكُرد أنفسهم في شمالي كُردستان.
وساهمت شخصيات كُردية كثيرة في الإدارة العثمانية، منها:
• إبراهيم باشا: أصله من مدينة مَلَطْيَة، انخرط في سلك الانكشارية سنة 1158هـ، ثم أصبح محافظ بِلْغِراد سنة 1161هـ.
• إسماعيل حَقّي باشا: كان حقوقياً بارعاً، تولّى منصب وزارة المعارف (ت 1329هـ).
• حَجّو باشا: من مواليد وان، وقائد من الطراز الأول، كان الساعد الأيمن لمحمد علي باشا والي مصر، وساعده في القضاء على المماليك، وفي أثناء الحملة الفرنسية على مصر كان حَجّو باشا يهاجم الفرنسيين كالصاعقة، فأطلق عليه محمد علي لقب يِلْدِيرِم حجَو “حجّو الصاعقة”.
وخلاصة القول: إنّ الدولة العثمانية مارست أبشع السياسات الاستعمارية في كُردستان، وعملت بكل وسيلة لنشر الجهل والفقر والخصومات القبلية في المجتمع الكُردي، وتدمير الاقتصاد الكُردستاني إلا بما يخدم مصالحها، وشوّهت الشخصية الكُردية، فأنتجت فِرق المرتزقة من بعض الكُرد، وقضت بالحديد والنار على أيّة انتفاضة أو ثورة كُردية، واختلقت الصراعات بين الكُرد المسلمين وجيرانهم المسيحيين (الأرمن والنَّساطرة)، وليس هذا فحسب، بل ألّبت الكُرد السنّة على الكُرد الأيزديين والكُرد العلويين، ومارست سياسات تفريغ كُردستان من الكُرد، وتوطين التركمان وغيرهم فيها، وهجّرت الكُرد إلى براري الأناضول الغربي، وأبعدتهم عن قياداتهم وجبالهم.
وفي سنة 1923 ورثت الدولة التركية مستعمَرات الدولة العثمانية الباقية، بما فيها كُردستان الشمالية، وورثت أيضاً كلَّ السياسات الاستعمارية التي مارستها الدولة العثمانية ضدّ الكُرد، بل جعلت تلك السياسات أكثر مكراً وتوحّشاً، وما زال الكُرد إلى الآن يعانون من تلك السياسات الاستعمارية الفاشية.

المراجع:
– يِلْماز أُوزْتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/88.
– عبّاس إسماعيل صبّاغ: تاريخ العلاقات العثمانية – الإيرانية، ص27-33.
– المرجع السابق، ص35-36.
– المرجع السابق، ص55.
– المرجع السابق، ص57-58.
– المرجع السابق، ص46-47.
_ المرجع السابق، ص47.
– يِلْماز أُوزْتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/219. عبد الرحمن قاسِمْلو: كُردستان إيران، ص45.
– محمد سُهيل طَقّوش: تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام، ص78-79. و آقجة: وحدة نقدية أساسية في العهد العثماني.
– المرجع السابق، ص13-137.
– المرجع السابق، ص13-139.
– المرجع السابق، ص147.
– المرجع السابق، ص 176-177.
¬- المرجع السابق، ص179.
– المرجع السابق، ص196-197.
– المرجع السابق، ص202-203.
– عبد الكريم شاهين: تراجم أعلام الكُرد، ص4، 5، 14، 25.

كاتب

التعليقات مغلقة.