مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

افتتاحية العدد 23: منابر موقودة

هيئة التحرير
يثور الشرق الاوسط من بعد سبات قرون ليزدهر غصناً على جذور طالما كانت للإنسانية مرقدا في مواجهة أكثر الانظمة اجحافا، ليكون هذا الثوران من اشد انواعه بين قوى الحضارة الديمقراطية والحضارة الرأسمالية على مر التاريخ. لم يكن اختيار الشرق الاوسط ساحة لهذا الصراع وليد الصدفة، بل لأنه المنبع الاصل لجريان نهري الحضارة الديمقراطية والحضارة الرأسمالية. وما ثورات الشعوب اليوم إلا تعبير خالص عن سيلان قيم انسانية متمحور حول امة ديمقراطية رغم عواصف الحداثة الرأسمالية التي تحاول اكتساح كل ما خلقته ذات المجتمعات من قيم اجتماعية وثقافية وانسانية.
يتوجه الشرق الاوسط صوب بناء جديد من بعد الثورات الشعبية التي عمت جميع بلدانها وذلك عبر تشكيل انظمة جديدة على خلاف القديمة، حتى تتمكن الشعوب من التعبير عن نفسها بحرية ومن دون أي رادع، ومازالت هذه المرحلة على قدم وساق مثلما نراه في العديد من البلدان العربية مثل مصر وسوريا. ولكن هناك مساعي للهيمنة الرأسمالية بتفعيل جميع وسائلها في سبيل توجيه مرحلة الانشاء هذه وخاصة عبر استخدام اسلام السلطة والذي يعتبر من أكثر وسائلها تأثيرا في مجتمعات الشرق الاوسط. ان استخدام هذه السياسة ليس بجديد في المنطقة وطالما كان لها مساندين وايادي تحرك ما تبتغيه من وراء هذه السياسة، وذلك ليس لصالح الشعوب وقيمه العقائدية والدينية التي كانت المنبع لمعاييره الاخلاقية والسياسية على مر التاريخ.
تأتي تركيا في مقدمة البلدان التي تسعى الى تحكيم سيادتها في الشرق الاوسط وخاصة في هذه المرحلة المسماة بمرحلة الحرب العالمية الثالثة عبر اسلام السلطة “الاسلام السياسي” لتكون ممثل لسياسة الحداثة الرأسمالية من الدرجة الاولى. حيث لا تخلو سياسة هذه الدولة في الجوهر من مآرب معادية للإسلام حتى وان تظاهرت بغير ذلك، ويتبين ذلك جليا في مواقفها المعادية لمفهوم الامة الديمقراطية التي كانت من أهم القيم التي نادت به جميع الاديان في المنطقة وحربها الدموية ضد الشعب الكردي واهدافه في بناء امة ديمقراطية، وخاصة في الحراك الكردي الساعي الى بناء نظام اداري ديمقراطي ذاتي في سوريا من بعدما اشتعلت مواقد الثورة في هذا البلد. بما ان الحق لا يغلب على امره، فلا يمكن لأية سياسة خالية من مفهوم الامة الديمقراطية الحقة والقيم الدينية لمجتمعات الشرق الاوسط ان تكون الرديف في مرحلة البناء هذه سواء أكان باسم الدين او باي اسم اخر. لذا فان تحويل مكتسبات وانجازات شعوب المنطقة الى نظام كونفدرالي ديمقراطي حر مسؤولية تاريخية تقع على عاتق جميع القوى السياسية الديمقراطية المنادي بحرية الشعوب وسلامتها.

كاتب

التعليقات مغلقة.