مجلة فكرية سياسية ثقافية تعنى بشؤون الشرق الأوسط

ثورة الشرق الاوسط ومقاومة الشعب الكردي والعربي

 

دوران كالكان

دوران كالكان
دوران كالكان

كما تؤثر التطورات الجارية في كردستان على الاحداث في الشرق الاوسط، حيث كان لهذه المنطقة مكانة هامة في التطور التدريجي للانسانية على مر التاريخ بسبب وقوعها في قلب المنطقة وقربها من نهري الدجلة والفرات. وبالتالي فلا مفر من تمحور الصراع العالمي في كردستان والشرق الاوسط، لذا فان جميع الخلافات والتناقضات العالمية متركزة فيها ايضا. وهذا بدوره يؤدي طبيعيا الى وجود صراع ايديولوجي، سياسي وعسكري شامل في منطقتنا.

ان تحول الشرق الاوسط الى مركز لثالث اكبر صراع في العالم، ينبع من هذه الحقيقة التاريخية والراهنية هذه منذ فرض نظام الحداثة الراسمالية هيمنته على العالم. وكما هو معلوم حتى وان كانت الحرب العالمية الاولى وقعت بين الدول الاوروبية انكلترا والمانيا وكانت حرب المحاسبة بين قوى الهيمنة، لكنها كانت حرب تصفية وتقسيم وتجزئة الشرق الاوسط. اي يمكن تعيين القوى العظمى في العالم بقدر تحكمها بهذه المنطقة. كذلك حتى وان كان خط الشمال للمنطقة والاراضي الروسية السوفيتية كانت ساحة كبيرة للصراع، إلا ان الهدف كان بلوغ الهند عبر الاستيلاء على شمال وشرق الشرق الاوسط. وعلى الاقل كان هذا هو الهدف الاساسي من سياسة المانية الهيتلرية المعلنة للحرب. لدى تحول الجزء الغربي للشرق الاوسط الى ساحة اساسية للحرب العالمية الاولى، فانها انتقلت الى شرق مناطق زاغروس ايضا. كما ظهرت ايران كساحة هامة للتوتر والمحاسبة.

اما الان نرى بان مرحلة الحرب المسماة بالحرب العالمية الثالثة تسير كمرحلة حرب الشرق الاوسط، ولا تقتصر في هذه المرة على جهة فحسب، لان المنطقة بغربها وشرقها ضمن هذه الحرب وجميع القوى الرئيسية معنية بها. تُستخدم كافة وسائل النضال بدءا من الوسائل الايديولوجية، العسكرية، السياسية والاقتصادية بفاعلية كبيرة، لذا فانها حرب عالمية شاملة لا تشبه سابقاتها من حيث شمل جميع ميادين الحياة الاجتماعية. لدى تعبير هذا الوضع عن خاصية مرحلة الحرب هذه، فانها تشير الى مدى عمقها وشموليتها وشدتها مستقبلا. خاصة، نرى بان البعد الايديولوجي، الاقتصادي، السياسي والنفسي يتقدم الى درجة تفوقه على البعد العسكري الذي يتراجع الى المرتبة الثانية في بعض الاحيان ويتقدم في الاخرى.

بالطبع تعبر مرحلة الصراع هذه بعمقها وشموليتها عن مرحلة تغيير وتحول في المنطقة. وبالاصل تسعى الانسانية الان الى احراز نتائج كفاحها الذي خاضته على مر قرن العشرين لتخطي نظام الحداثة الراسمالية الذي فات عليه الاوان، وذلك لبناء حياة انسانية كونية جديدة اعتمادا على بناء شرق اوسط جديد عبر مصطلحات ونظريات جديدة. لذا فبقدر ما يتم تثبيت الاطراف المطالبة بالتغيير والمعادية له في هذه الحرب، ينبغي اعطاء اجابة صحيحة على سؤال ما هو الطابع الاساس للتغيير والتحول، لان اكثر الرجعيين يدعون الثورية والحداثة، ويقومون بنفي ورفض القوى التي تمثل ديناميكية التغيير والتحول عبر تسميتهم بالارهابيين والى ما شابه ذلك، اي هناك وسط مختلط وغير واضح المعالم. وفي وسط كهذا بمكان الكثير من الشرائح ان تقدم نفسها بشكل مغاير وخاصة استنادا على قوة الاعلام والصحافة على حد تعبير المثل القائل ” صيد السمك في ماء عكرة”. حيث تسعى ذئاب السلطة وضمن الاجواء الضبابية الى تقديم انفسهم كمعاصرين وديمقراطيين ومتقدمين كمثل سعادة الذئب في الاجواء الضبابية. انطلاقا من ذلك،

 

 

تحليل الحقيقة الموجودة في الشرق الاوسط ضروري لادراك مسيرة الانسانية الحرة والديمقراطية

 

 

 

وتحويلها الى مشروع استراتيجي وتكتيكي.

بالطبع، يحتاج ذلك الى استوعاب الحقيقة التاريخية، وخاصة دور الشرق الاوسط في الخطوات التاريخية ومركزه ضمن هذه الحقيقة. لا يمكن تحليل ما يعيشه الشرق الاوسط تحليلا صحيحا بمنفصل عن التاريخ. كذلك

 

لا يمكن تحليل حقيقة الحرب العالمية الثالثة في الشرق الاوسط بمستقل عن الصراع الموجود على الصعيد العالمي

 

. ان ما يعيشه الشرق الاوسط له علاقة وطيدة بالسوية التاريخية والعالمية، حتى وان بدى وكأنه معني به فقط.

ويمكننا تعداد الخصائص التاريخية للشرق الاوسط على الشكل التالي:

 

1-تعتبر جغرافية الشرق الاوسط وخاصة حوض دجلة والفرات وهلال زاغروس-طوروس اي الهلال الخصيب الذهبي مركز مجتمعية الانسانية. وقد اثبت من جانب علم التاريخ وبشفافية ان هذه الجغرافية هي مركز ثورة الزراعة –القرية والثورة النيولوتية المنجزة بطليعة المراة. انطلاقا من ذلك، يعتبر الشرق الاوسط مركز المجتمعية، والمجتمعية تعني تطور البنية الاخلاقية والسياسية، اي تخطي الفردانية وعدمية التفكير وبناء حياة تعاونية مشتركة على اسس القوانين الاخلاقية والسياسية المشتركة اي تكوين نسيج اجتماعي متين. لذا للشرق الاوسط مجتمعية تمتد لالاف بل لملايين الاعوام من دون نقاش. وهذا بدوره يدل على انه يمتلك بنية اجتماعية سياسية اخلاقية قوية تعبر عن قيمه الاجتماعية. ويمكننا ايجاد قيم المجتمع الديمقراطية في جميع المجتمعات وعلى سويات مختلفة في الشرق الاوسط، بالرغم من تعرضه لتخريبات نظام الحضارة الدولتية على مر خمسة الاف عام. وهذا ما يجعل الشرق الاوسط ان يمتلك ديناميكية التحرر والدمقرطة. ومن المعلوم، ان الامة الديمقراطية تستند على حقيقة تاريخية واجتماعية قوية بهذا الشكل في راهننا. اي هناك مجتمعية قوية. وهذه المجتمعية تعتمد على مجتمع الزراعة-القرية والثورة النيولوتية وحرية المراة. ان مجتمعية بهذا الشكل مجتمعية متقدمة نسبة الى المناطق الاخرى من العالم، بالرغم من تعرضها لانحرافات وتشوهات كبيرة.

2- برهن علم التاريخ بان النظام الذي سميناه بنظام الحضارة المركزية والذي ظهر في راهننا كهيمنة الراسمالية العالمية، ظهر وتطور في هذه المنطقة لينتشر في ارجاء العالم. فهنا نتحدث عن التدول والتحول السلطوي. حيث تطور على اسس بنية المجتمع الهرمي قبل الميلاد باربعة الاف عام، ويُسرد في التاريخ بان هذا النظام تطور بنهب القيم الاجتماعية التي خلقتها الثورة النيولوتية. كما هو معلوم، تطور نظام الحضارة المركزية على النهب بدءا من عهد السومريين في اوروك الواقعة في في موزوبوتاميا السفلى. ولدى انتشار دول المدن السومرية في الارياف وتوجهها صوب موزوبوتاميا العليا، خرج نظام بابل واكاد واشور من بعدها لتتحول الى امبراطوريات. ونعلم بان هذا التغيير شمل حوض النيل غربا والهند شرقا وبعدها شملت اسيا وافريقيا واوروبا والعالم برمته.

ان الحضارة الدولتية المركزية التي بدات من موقع سومر-اوروك تعاظمت كالتيهور وانتشرت لتضع العالم تحت هيمنتها. لقد ظهر هذا النظام الذي يتم تناوله كظاهرة لا يمكن للانسان والمجتمع من دونه، كنظام قمع واستيلاء على جميع القيم الاجتماعية بالرغم من انه ظهر من ضمن المجتمع. باختصار، ان الشرق الاوسط منطقة ومركز لظهور النظام الاستعماري القمعي وساحة لتطور الهيمنة السلطوية الدولتية وميلاد الحضارة الدولتية المركزية التي ظهرت مبكرا لتستمر طويلا.

كما فُرض على كل فاتح اراد التطور في خضم هذه الحضارة ان يستولي على الشرق الاوسط وحوض دجلة والفرات ليعلن نفسه الاحد الازلي. لذا نرى بان كل نظام دولتي قوي في التاريخ تحامل على موزوبوتاميا وسعى الى الاستيلاء على الشرق الاوسط حتى يكون فاتح العالم. وبذلك كانت مناطق الشرق الاوسط وعلى راسها موزبوتاميا ساحة للغصب والاستيلاء والحروب والمحاسبات الكبيرة. فتحت السبل امام نهب واستعمار وتشويه وتمييع القيم الاجتماعية مع تطور نظام الحضارة الدولتية وانتشار النظام الدولتي السلطوي في العالم وخاصة تعمقه في الشرق الاوسط، وتطورت الدولتية والسلطوية مع تراجع وضعف المجتمعية. سعت حقيقة المجتمع الديمقراطي الى الحفاظ على وجودها بالمقاومة ضد النظام الاستعماري القمعي الذي فتح السبيل امام تفسخ قيم الحضارة الديمقراطية بالنهب والسلب الخارجي. للمقاومة المستمرة ضد القمع والاستعمار والغزو في خضم هذا الصراع دور كبير في حفاظ المجتمع الديمقراطي الذي يشكل منبع حياة المجتمع الاخلاقي السياسي على وجوده. وبالعكس، اي إذا لم تكن المقاومة موجودة، فكانت قيم المجتمع الكومينالية ستتعرض للتفسخ والتمييع. وبالاصل فان الصراع الموجود منذ ما يقارب خسمة الاف عام بين قيم الحضارة الديمقراطية ونظام الحضارة الدولتية المركزية هو الذي يحدد حقيقة الشرق الاوسط. وبامكان قيم المجتمع الديمقراطية ان تتحول الى نظام بقوة مقاومتها حتى تضمن وجودها. كذلك كانت هذه المنطقة ساحة حرب وعراك ونهب للغزوات الخارجية على امتداد خمسة الاف عام. لذا فان نظام الحضارة الدولتية المركزية يتطور اكثر في هذه المنطقة ويتمنهج ويحي مقاييسه وقيمه الاولية فيها، ثم ينتشر منها الى جميع اصقاع العالم.

3-يجب تناول تاثير الثورة الاسلامية التي تعبر عن اخر حملة للحضارة الدولتية على المنطقة بشكل خاص. فلدى استناد الثورة الاسلامية على مكونات وقيم المجتمعية التي خلقتها الثورة النيولوتية الزراعة-القرية، فانها من جانب اخر تعبر عن بناء نظام دولتي سلطوي جديد عبر التوحيد مع نظام الحضارة الدولتية الذي نهب وسلب وتطفل على هذه القيم وباعلى المستويات. حتى وان كان للاسلام طابع تحرري ديمقراطي منذ التكوين الايديولوجي وفي حملاتها السياسية، لكنه تحول الى حضارة دولتية مركزية جديدة بالتوحد مع النظام الدولتي السلطوي. نرى هنا مساعي الثورة الاسلامية الى توحيد الطابعين الاساسيين اللذان تشكلا في المراحل التاريخية السابقة للمنطقة. اي سعت هذه الثورة الى توحيد قيم الحضارة الديمقراطية التي تعبر عن المجتمع الاخلاقي والسياسي مع قيم نظام الحضارة الدولتية المركزية.

لقد تطور نظام القبائل والعشائر تحت ظل الاسلام بقدر ظهور وتقوية القومية العربية في الشرق الاوسط. تحول نظام القبيلة والعشيرة الى نظام قومي اعتمادا على القيم الاجتماعية القوية المنحدرة من عمق التاريخ. حتى وان برزت القومية العربية كساحة لميلاد الايديولوجية الاسلامية، لكنها لم ترفض او تنكر القوميات الاخرى ولم تصنفها الى المرتبة الثانية. انطلاقا من ذلك، تطورت الهيمنة الاسلامية في المنطقة بتاثير ايديولوجي وسياسي من القومية العربية الى حد ما، ولكن الى جانب لا ترفض ولا تنكر ولا تسعى الى القضاء على القوميات الاخرى. وكهيمنة دولتية فانها سعت الى بناء وحدة وتكامل بمفهوم المساواة بين الاقوام. حيث وجدت هذه الحقيقة سواء في عهد الامبراطوريات التي اقامتها الخلافة الاموية والعباسية او في عهد الامبراطورية العثمانية التي تطورت فيما بعد في المنطقة. اي لدى تطور القومية العربية والقوميات الاخرى على مبدا المساواة واستمرار الحياة الاجتماعية بالقليل على هذا الاساس من جانب، فرض النظام الدولتي السلطوي سيادته على المنطقة على هذا الاساس من جانب اخر. حيث سعى النظام الدولتي الاسلامي الى الانتشار في اسيا وافريقيا واوروبا بتوحيد الشرق الاوسط ارتباطا بنزعة النظام الدولتي الذي بدا من السومر في التوسع والاستيلاء على المنطقة والعالم. والان نرى بعض الخصائص الاساسية له مرة اخرى. فمع تطور القومية العربية في مرحلة الثورة الاسلامية، تطورت القوميات الاخرى ايضا. اي وجدت وتطورت القيم الديمقراطية في المجتمع. حيث تم الحفاظ على خاصية الحياة المشتركة. من جانب اخر، ابدى نظام الحضارة المركزية قوته في توحيد قسم كبير من المنطقة تحت سيادة سياسة الدولة مثلما شاهدناه في حقيقة الامبراطورية العثمانية. في هذه المرحلة حتى وان كانت المنطقة بالكامل لم تكن ضمن وحدة سياسية، إلا انها كانت تحت سيادة قوتين او ثلاث قوى سياسية. اي لم يكن هناك تجزئة كبيرة. ففي الاخير وجدت الامبراطوريتين العثمانية والايرانية كهيمنة سياسية في اطراف شرق وغرب سلسلة زاغروس. وهذا في الحقيقة يعني وحدة اقليمية. حتى وان لم تكن المنطقة تحت سيادة نظام دولة واحدة، إلا ان توحيد منطقة واسعة مثل الشرق الاوسط تحت سيادة امبراطوريتين يدل على ان نظام الدولة استطاع ان يسير ويطبق مفهومه الوحدوي في المنطقة.

يمكننا تناول التطورات المتمخضة من هيمنة نظام الحداثة الراسمالية المتطور في اوروبا في القرنين الاخيرين على المنطقة وتوسعها وانتشارها ونتائجها كمزية رابعة الى جانب المزايا الثلاثة المذكورة اعلاه. وهذا ايضا تمثل خاصية هامة. حتى وان هذا النظام لم يتطور من صلب المنطقة وغير تابع لها وجاء كغزو اوروبي، إلا انه في النهاية استولى على المنطقة ووضعها تحت تاثيره، وترسخ ليتحول الى حقيقة للشرق الاوسط. كيف انتشر وما هو تاثيراته؟ وبتعبير اخر يجب مناقشة ممارسات نظام الحداثة الراسمالية ومزايا انتشاره في الشرق الاوسط كظاهرة يومية وتشخيصه بالتفصيل وبشمولية. ان الحداثة الراسمالية بقيمها ومقاييسها وبمبادئها الايديولوجية وبمفهوها السياسي ونهج حياتها يدل على انها اتية من الخارج وغير اقليمية، وبالتالي غريبة من المنطقة، وانها تعبر عن فرض الهيمنة والاستيلاء الخارجي. بايجاز،. حتى وان سعت الحداثة الراسمالية الى ترسيخ نظامها في المنطقة وفرضت نفوذها على مجتمعاتها وبدى كأنها نجحت في كسب بنية كقيمة اقليمية عبر فرض حكمها السياسي، إلا انها غزو غريب وفرض خارجي، وبالتالي فان القيم الاجتماعية المنحدرة من الثورة النيولوتية لم تقبل هذا الغزو كما هو ولم تتبناه وترسخه يوما، وبقي على خلاف وتناقض معه على الدوام. كما وضع الشرق الاوسط الاسباب الرئيسية في خلافه وتناقضاته مع النظام الراسمالي العالمي اليوم. الى جانب ذلك ظهرت بعض النتائج الهامة في الشرق الاوسط من الهجمات التي استمرت اكثر من قرنين، واحد هذه النتائج هو تاثيراته على النظام الفكري. حتى يمكننا تسميته بحشر القومية الحديثة او القوموية. حيث سعت الراسمالية الغربية الى بناء نظام الدولة القومية بدل نظام القبيلة والعشيرة والقوم الذي تطور بديناميكيته الذاتية على مر المراحل التاريخية، وتكريس ذهنيته القوموية الضيقة وايديولوجيته التي تقدس السلطة وترى نفسها فوق كل اعتبار. ان فرض قوموية الدولة القومية من قبل الحداثة الراسمالية ضد ظاهرة العيش المشترك والوحدة والاخوة التي بنته العشائر والقبائل والاقوام على مر المراحل التاريخية وسعيها الى القضاء على الاخرين، ادى الى نزاع وخلاف وابادة جماعية. حيث تسربت هذه النزعة الى الشرق الاوسط عبر بعض المراكز وفي مقدمتها الامبراطوريتين العثمانية والايرانية تحت اسماء عديدة على مر قرن التاسع عشر. ثم تحولت هذه التسربات الى نظام سياسي اعتمادا على الهجمات العسكرية للحرب العالمية الاولى. وجدت مساعي لتشكيل انظمة دولتية قوموية بتجزئة الامبراطوريات وقمع انظمتها، وتم رسم الخارطة السياسية للمنطقة من جديد. ونعلم جميعا بان تشكيل هذا النظام كان وفق مصالح انكلترا وفرنسا اللتان خرجتا منتصريتين من الحرب اكثر وليس وفق خصائص الشرق الاوسط. كما نعلم بان الحدود السياسية رسمت بالمسطرة على الخارطة، ومازال هناك العديد من الاطراف تدافع عن هذه الخارطة. حيث نرى هذه الحقيقة بوضوح عندما ننظر الى هذه الخارطة اليوم. وكما هو معلوم بان النظام السياسي في المنطقة اليوم تشكل اثناء الحرب العالمية الاولى وبعدها. وبذلك نكون شاهدين على تاثير التغييرات الاوروبية المركز على الشرق الاوسط ومدى توسعها ونتائجها واضرارها. حيث نرى وبوضوح بان النزعة القوموية الشوفينية واعتمادا على ايديولوجية الدولة القومية بقدر ما تعبر عن تسميم ذهنية المجتمعية المتكونة تاريخيا، فتحت السبيل امام ظهور نزاعات عدوانية وخلافات بين الانظمة المرسومة بنظام الدولة القومية ايضا، وبدى كأن الجار عدو لجاره والكل اعداء لبعضهم البعض. لقد فتح هذا الوضع بدوره السبيل امام ولادة انظمة سياسية فاشية وديكتاتوريات خطيرة.

 

نظام الدولة القومية يكمن وراء ما يعانيه الشرق الاوسط من نزاع، تجزئة وتفرقة

 

 

، وكذلك من وجود ديكتاتوريات تعتمد على ذهنية وانظمة فاشية خطيرة. واكثر من ارتباط ذلك بحقيقة الشرق الاوسط فانه مرتبط بحقيقة الحداثة الراسمالية الاوروبية ونظام الدولة القومية. لكن، قد يقال هل نزل نظام الدولة القومية لاوروبا وقومويتها وحداثتها الراسمالية من السماء؟ كلا، لم يكن كذلك. إذن، فلدى تطور مجتمعية جذرية على اسس ثورة القرية-الزراعة في الشرق الاوسط كبعد، هل يمتد نظام الدولة الذي بدأ منذ العهد السومري من حقيقته كبعد اخر؟ نعم، يمتد الى حقيقة الشرق الاوسط. ان نظام الحداثة الراسمالية الاوربية ليس منفصلا او مستقلا عن تطور المجتمعية ونظام الحضارة الدولتية السلطوية في الشرق الاوسط وتطورت مع هذه القيم. حيث انحدرت الحضارة المركزية الى اوروبا كوضع جديد، ولكن لنظام الحداثة الراسمالية في اوروبا خصائصها. حتى وان تصاعدت على اثر قيم النظام الدولتي السلطوي في الشرق الاوسط، إلا انه لم يقبل بحضارة الشرق الاوسط واعاقت تطورها من خلال فتح السبيل امام نزعات خطيرة حتى تتطور راسمالية اوروبا. وبالتالي لا ينبع خلاف قيم الشرق الاوسط مع نظام الحداثة الراسمالية من كونها اوروبية او خارجية فحسب، بل ينبع من تصدي مجتمعيته للحداثة الراسمالية، كون مجتمعيته بنظامه الاخلاقي السياسي وجدت خطورة مفاهيم الراسمالية ولا انسانيتها وتعده نهبا ولا تقبله ابدا. اي ان مقاومة قيم الشرق الاوسط ضد ايديولوجية القوموية والنظام الدولتي القومي المتطور في اوروبا من اهم خصائصه.

5- يجب التحري في خصوصية النظام السياسي الذي خلقته هيمنة الراسمالية العالمية المتمخصة من الحرب العالمية الاولى في الشرق الاوسط. اصلا، ان نظام الحداثة الراسمالية هو الحاكم في الشرق الاوسط، ولم يكن الحكم لاية اطراف اخرى. لقد خرجت كل من انكلترا وفرنسا منتصرتين من بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، وبالتالي رُسمت الخارطة السياسية في الشرق الاوسط وفق مصالح هاتين الدولتين الامبرياليتين، ولكن لم يتحقق ذلك في الشرق الاوسط لوحده بل ظهر كنظام عالمي، اي ان هذا النظام لم يكن نظاما خاصا بالمنطقة او مرتبط بدول معينة. ان الخاصية الاولى للانظمة المتشكلة وفق امبريالية انكلترا وفرنسا هي تجزئة كردستان وانكار وطن المجتمع الكردي ووجوده والقضاء عليه. اي لم يكن هناك اعتراف بوجود الشعب الكردي ووطنه كردستان في هذا النظام الراسمالي العالمي، وشتت ما كان موجودا ووضعه تحت هيمنة الدول المتشكلة في المنطقة، اي تم تقديم الوجود الكردي الوطني والثقافي كمادة خامة لقوميات اخرى من بعد انكاره وابادته. بايجاز، لم يكن للكرد وكردستان وجودا في هذا النظام. وما ذكر اسم كردستان والكرد احيانا وخاصة اسم كردستان الجنوبية وكأن هناك اعتراف به، لم يكن سوى خداع وازدواجية لاغير، وبالاحرى لعبة في سبيل انكار وطن وشعب باكمله. كما انه اسُتخدم لخداع الغير ولتشويه الحقيقة عندما فرضت التجزئة على هذا الوطن الذي لا يمكن انكاره بسهولة وتصدى لنظام الانكار والابادة دفاعا عن نفسه. ان وجود نزعة القومية البدائية والالتفاف حولها بُعد من اخطر ابعاد الابادة ضد الشعب الكردي. انطلاقا من ذلك، علينا القول: لم يكن هناك مكانا للكرد وكردستان في انظمة الشرق الاوسط المتكونة بعد الحرب العالمية الاولى وفق مصالح الامبريالية الانكليزية والفرنسية، اي كان هناك انكار وابادة بحق قومية ووطن برمته، وكانت هذه هي الخاصية الاولى للانظمة الاقليمية التي فتحت السبيل امام كل هذه النزاعات والالام ونزف الدماء.

اما الخاصية الثانية هو النظام المفروض على العالم العربي. حتى وإن كان هناك اختلافات نسبية بين ما فرض على كردستان والوطن العربي، لكن فُرض على الوطن العربي ومجتمعه كل انواع الدناءة والاستعمار، حيث تم تجزئته الى اجزاء عديدة حتى يبقى خائر القوة حتى وإن لم يكن مثل تجزئة وانكار كردستان، ثم تم وضعه تحت رحمة حكم اشخاص وخلافات عميلة وتابعة للقوى الخارجية، ولكنه لم يُنكر مثلما انكر الشعب الكردي ولم يكن هناك مساعي للقضاء عليه مثل الشعب الكردي، لكن الامبريالية الراسمالية العالمية استعمرت جميع قيم المجتمع والوطن العربي الى النخاع عبر تجزئته واخضاعه لهيمنة الدولة القومية والقوموية المتواطئة. اي تم الحط من شأنه والاستخفاف والاستهزاء به بعدما كان من اوائل الاقوام مع قيام الثورة الاسلامية.

اما ما تبقى من القوى الحاكمة التي نظمت نفسها عسكريا وسياسيا اعتمادا على قوة هيمنتها التاريخية، نظمت نفسها على شكل مركزيين حاكميين في المنطقة. المركز الاول هو الجمهورية التركية التي اسست نفسها على بقايا الامبراطورية العثمانية، والمركز الثاني هو الدولة القومية الايرانية كاستمرارية الامبراطورية الايرانية من خلال المرور بمراحل مختلفة من البناء لتسمي نفسها بالجمهورية الاسلامية الايرانية. وبذلك تَكون النظام الذي فرضته هيمنة الراسمالية العالمية على الشرق الاوسط من ثلاث اصناف. الاول، اعتبار كل من الجمهورية التركية وايران القوى الاولى والاقوام الرئيسية في المنطقة، حيث برزت كل من القوميتين التركية والفارسية كاقوام رئيسية وفرض سيادتها بالدرجة الاولى على المنطقة. اما الوطن العربي المتجزء الى دويلات وقوميات عربية ضيقة ومن ثم الى انظمة دولتية فيما بعد، تراجع الى المرتبة الثانية. حيث تمخض في النتيجة وطنا وشعبا عربيا محاصرا بالقوموية التركية والفارسية وبضغوطات الدولة التركية والايرانية، وتحت الضغط ايديولوجيا وسياسيا، ومحتكرا اقتصاديا الى النخاع من قبل الاحتكارات العالمية. تراجع الوطن العربي الى المرتبة الثانية، ليتحول الى وطن متجزء ومستعمر ومنهوب القيم ومقموع الارادة، عكس ما كان عليه تاريخيا.

هذه هي الخصائص الاولية للنظام السياسي الذي تحول الى آداة لظهور الحرب العالمية الثالثة ويحتوي على اكبر انواع النزاعات والخلافات. إذن، من هم الذين يرفضون هذا النظام رفضا قطعيا، ومن هم المتضررين الحقيقيين منه، وبالتالي من هم الذين يسعون الى تخطيه؟ من كانوا اسياد هذا النظام ومن كانوا مضطهديه؟ من المدافعين عنه ومن الذين يرفضونه؟ وهنا بالضبط يبدو محور النزاع الموجود في راهننا. يمكننا ادراك حقيقة القوى الموجودة في هذه الحرب من خلال النظر الى هذا المحور. ان السيد الاول للنظام هو هيمنة الراسمالية العالمية لو تناولناه من هذه النقطة تحديدا، لان هذه القوة هي التي اسست هذا النظام. ان النظام الموجود في الشرق الاوسط متكون تماما وفق مصالح الراسمالية العالمية، وفي خدمة قمعه واستعماريته. لذا لا يمكننا الحديث عن نزاع او خلاف جدي بين الهيمنة الراسمالية العالمية والقوى التي تقودها مع هذا النظام. حيث بنوا هذا النظام وفق حاجة مصالحهم، واستمروا بحكمهم على العالم عبر الاستفادة من هذا النظام على مر قرن باكلمه. والان يريديون الاستمرار بهذا الوضع، ولكن لا يبدو استحالة ذلك اليوم، لان هناك مقاومة الفئات التي انكرتها ورفضتها واضعفتها، وبالتالي هناك كفاح ثوري ديمقراطي على وشك تغيير هذا النظام واسقاطه. وحتى تعيق قوى الهمينة هذا الكفاح وتحد من تاثيره، كان عليها القيام ببعض الترميمات او الصياغات في هذا النظام المرفوض من قبل مجتمعات المنطقة، وهذا هو البعد الاساسي لتغييرات الولايات المتحدة الامريكية، ويكمن في جوهر ما يقال بان هناك ثورية وتغيير كبير وسعي امريكي الى تحقيق مشروعها في بناء شرق اوسط كبير. لا يوجد تغيير جذري ولا ثورية حقيقية هنا. هناك سببين رئيسين لطلب امريكا في تغيير الانظمة الاقليمية: الاول، لا يمكنها ان تستمر مع هذه الانظمة، حيث هناك قوى تناضل ضد هذا النظام المتجه صوب الانهيار وترفضه، لذا فانها ترى حاجة ماسة الى ترميمه. الثاني، عدم قدرة هذا النظام المتشكل على نهجها الاستعماري على خدمة استعماريتها وحركة راسمالها العالمي الحر. ان وجود حدود الدولة القومية الضيقة لا تسمح بحركة الراسمال القومي الفوقي بسهولة ويعيقها. ان الراسمالي القومي الفوقي يتناقض نسبيا مع مصالح الراسمال العالمي، لذا فتحاول امريكا التي تقود هيمنة الراسمالية العالمية حل هذا الخلاف. وهذا هو بالضبط حقيقة الثورية والتغيير التي تطالب به امريكا. ان قيادة امريكا لا تتناسب مع الانظمة الدولتية التي تشكلت في المنطقة وفق مصالح امبريالية انكلترا وفرنسا، ولا يوجد اي خلاف اخر سوى ذلك. كما ان هذا التغيير سطحي ومحدود للغاية، ويبدو وجود مفهوم ترميم وصياغة الانظمة القديمة وراء هذا التغيير، ويعتبر ذلك بعد اخر من الابعاد المذكورة.

ثانيا، ان الجمهورية التركية والدولة الايرانية من اكثر القوى المستفيدة من نظام الشرق الاوسط المتشكل مع الحرب العالمية الاولى، لذا فعندما يقال نظام الشرق الاوسط يبادر الى اذهاننا بنية الدولة القومية في هاتين الدولتين قبل كل شيء. من دون رؤية هذه الحقيقة لا يمكننا تحليل تاريخ المنطقة ولا تدخل الحداثة الاوروبية في الشرق الاوسط تحليلا صحيحا، وحتى لا يمكننا رؤية الطابع الاساسي لنظام المنطقة المتكون مع الحرب العالمية الاولى، لان ذلك بدوره سيعيق ظهور مفهوم وكفاح في سبيل تغيير هذا النظام. لذا فان نظام الجمهورية التركية والدولة الايرانية هو الذي يمثل طابع النظام في الشرق الاوسط، ويسعى كلاهما الى الاستمرار في القديم والحفاظ عليه. هاتين القوتين هما اسياد النظام المتكون في قرن العشرين وقواها الرئيسية، لذا ستبذل هذه القوى قصارى جهودها في سبيل حماية انظمتها والاستمرار به.

اما بخصوص الثورة الاسلامية في ايران، فقد بدى وكأن هذه الثورة تعادي وتتصدى هذا النظام وتتخطاه، إلا ان هذه النزعة مغالطة كبيرة، والاصح: طال قليلا تشكيل بنية القوموية التي تكمن في جوهر قوموية الدولة القومية الايرانية، إلا انه من بعد سقوط الشاهنشاهية ومع تاسيس الدولة الاسلامية الايرانية، ركز نظام الدولة القومية والقوموية على التحكم بايران. ان التطورات الايديولوجية والسياسية الاسلامية في ايران تمثل هيمنة دولة قومية متأخرة، وهذا ما يبرهن على تكافؤ واتحاد ايران مع نظام المنطقة.

ومن جانب اخر، مثلما فتحت الثورة الاسلامية في ايران السبيل امام مغالطات كبيرة، فان حزب العدالة والتنمية ادى الى نفس الشيء في تركيا. هو ايضا ادعى التغيير والحداثة، واستمر على انه قوة داعية الى التغيير وغير محافظة. يقال او يعتقد بان حزب العدالة والتنمية يؤيد التغيير في المنطقة ويساند التيارات التي ظهرت اثر الحركات العصيانية المسماة بالربيع العربي ويمثل قوة تغيير في سوريا من خلال تخطي نظام بشار الاسد. ان كل هذه الاقاويل والاعتقادات خاطئة وكاذبة، ولاعلاقة لها بالحقيقة. ان

 

تركيا من القوى الاقليمية الرئيسية التي تحافظ على النظام القديم واكثرها قوموية بقيادة حزب العدالة والتنمية

 

 

. ومثلما تعبر الثورة الاسلامية والنظام في ايران عن مغالطة وزيف، فان حزب العدالة والتنمية يمثل نفس الشيء في تركيا. لذا فان القول بان تركيا وايران تدعوان الى التغيير ولهما دور ثوري ما هو إلا قلب الحقائق راسا على عقب، ولم يستوعب اصحاب هذه الفكرة حقيقة المنطقة ولا يمكنهم تحليلها بصواب، كون الحقيقة عكس ذلك تماما. كما ان الخلاف والتناقض التركي-الايراني لا يغير من حقيقة الامر شيئا، لان الخلاف بينهما هو نزاع السلطة على المنطقة. وبالاصل تم انشاء نظام الهيمنة الراسمالية العالمية في الشرق الاوسط بهذا الشكل. حيث سعى هذا النظام الى فرض هيمنة ونظام اقليمي مستند على النزاع التركي-الايراني، وإلا فان هذا النزاع والخلاف غير منفصل عن النظام ونظام الدولة القومية في المنطقة، بل وجزء منه. لذا فان تركيا لا تدعو الى التغيير بل قوة محافظة مفرطة في الحفاظ على النظام القديم.

وقد يُقال بان تركيا دعمت المعارضة في تونس ومصر وليبيا وسوريا، ولكن قال رجب طيب اردوغان بنفسه عن رؤساء الانظمة المنهارة قبل عام بانهم اخوة ودعمتهم، حيث كان اردوغان ومبارك اخوة، وكان اخ لمعمر القذافي ولصدام حسين، وقال عن بشار الاسد بانهما اخوة وحكومة بدولتين. لايمكننا ان نغض النظر او ننسى هذه المواقف، كونها كانت حقائق ملموسة. إذن، هل تؤيد حكومة حزب العدالة والتنمية المعارضة في هذه البلدان؟ ومتى بدات بدعمها؟ لقد دعمت المعارضة عندما سحبت خيوط الانظمة من قبل سيدها الولايات المتحدة الامريكية، وبدى استحالة استمرارها. وإذا ما لاحظنا، فانها تقول عن حكم بشار الاسد بانه راحل، وهذا يعني إذا لم يرحل فانها ستؤيده وستعقد معه علاقات وطيدة، ولكن بدأت بدعم المعارضة لانه سيرحل ولم تعد ترى في حكمه اية مصالح مستقبلية. وهذا ما يعتبر بعد من ابعاد الموضوع. اما البعد الثاني، فانها تمارس هذه السياسات ضمن اطار العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية تماما –وبالاصل فانها مرتبطة بها ضمن اطار الناتو-. كما ان حكومة العدالة والتنمية والجمهورية التركية تدعم المعارضة حتى لا تطال هذه المرحلة ولا يتجذر التغيير في المنطقة. انها تخاف من اطالة النظام في سوريا ووقوع تغييرات جذرية، ومن احتمال تعيين الشعوب مصيرها في بناء نظام ديمقراطي حر، لذا فتريد عاجلا رحيل بشار الاسد حتى يستلم الحكم ديكتاتورية جديدة بقيادة اخوان المسلمين بدلا عنه.

 

تسعى كل من تركيا وامريكا الى تغيير اشخاص ووزراء في الحكم وليس الى تغيير النظام الديكتاتوري المركز في سوريا

 

 

. ان هذا لا يعتبر تغييرا، بل جهودا في سبيل تغيير الادرايين الذين فقدوا قابليتهم الادارية حفاظا على النظام الموجود واستمراره، وإلا فان ذلك ليس بتغيير النظام، ولا حتى تغيير اداري جدي، بل تغيير الاداريين، ليس في سوريا فحسب بل في مصر وليبيا والعالم العربي برمته. انطلاقا من ذلك، لا تدعم كل من تركيا وايران عملية التغيير والبناء في المنطقة مثل القيادة الامريكية تماما، بل حتى من اكثر القوى التي تحافظ وتدافع عن النظام القديم.

إذن، من هم الذين يمثلون قوى التغيير في المنطقة؟ وما هو مصدر النضال والصراع في المنطقة؟ علينا ان ندرك ذلك بصحة. ان الشعب الكردي يمثل قوة التغيير الاولى، حيث لم يقبل المجتمع الكردي بتجزئة وتشتت كردستان اثناء الحرب العالمية الاولى، ورفضته، ولم يقبل ابدا بالابادة المفروضة عليه عبر عصياناته. ان المجتمع الكردي في جميع الاجزاء الكردستانية والمنفى مجتمع وقوة رئيسية الى الان في التصدي ورفض النظام الدولتي القومي المتشكل اثناء الحرب العالمية الاولى في الشرق الاوسط اعتمادا على هيمنة الراسمالية العالمية، وبالتالي فهو من اكثر المجتمعات المعادية للنظام الدولتي القومي والمتضررة منه، لذا فهو من القوى الثورية الرئيسية المطالبة بالتغيير في الشرق الاوسط. ونرى هذه الحقيقة بوضوح عندما نتصفح الحقائق التاريخية.

حيث نهض المجتمع الكردي في جميع الاجزاء الكردستانية منذ لحظة تاسيس الهيمنة الدولتية القومية والتي اعتمدت على تجزئة كردستان بعد الحرب العالمية الاولى. وما عاشته شمال كردستان في اعوام 1925-40، وكذلك العصيانات التي استمرت في شرق كردستان من عام 1925 والى اعوام 1980 وفي جنوب كردستان من 1920 والى 1975 إلا برهان على هذه الحقيقة. لولاحظنا، سنرى بان المجتمع الكردي لم يقبل ولا يوما من الايام بالتجزئة والانكار ولا بالمساعي الجارية في سبيل ذلك، ولم يبقى متكوف الايدي امام هذه الممارسات، بل ابدى مقاومة عظيمة عبر التضحية بالملايين من الشهداء. ان هؤلاء العظماء كانوا شهداء المقاومة ضد الابادة المفروضة على المجتمع الكردي. ان هذه المقاومات هي مقاومات المطالبين بوجود وحرية الكرد. واخيرا ظهر حزب العمال الكردستاني كحلقة اخيرة من هذا العصيان في اواسط السبعينات في شمال كردستان، ومن ثم توسعت في جميع الاجزاء الكردستانية الاخرى كحركة مقاومة وطنية ديمقراطية شاملة تتخذ من المجتمع الديمقراطي اساسا لها ومثلتها في نفس الوقت. وقد تطورت كحركة منظمة واعية تعتمد على الوحدة الوطنية بقيادة القائد “عبدالله واجلان”. في الحقيقة ان هذه المقاومة هي ديناميكية ثورية اساسية ضد نظام هيمنة الراسمالية العالمية في الشرق الاوسط، هذا النظام القائم على انكار الوجود الكردي وتجزئة كردستان وابادة المجتمع الكردي، وكذلك تعتبر هذه المقاومة من القوى الرئيسية في عملية التغيير واعادة البناء. ان الشعب الكردي وحركة حرية كردستان والمقاومة الوطنية الديمقراطية الكردستانية هي القوى المعادية لنظام الدولة القومية. في الحقيقة هناك حقيقة مقاومة على مر قرن عبر عصيانات وتمردات مختلفة، ويستمر هذا النضال كمقاومة وطنية ديمقراطية بقيادة حزب العمال الكردستاني منذ 35 عاما. حيث تدعو هذه المقاومة التي تجبر النظام الدولتي القومي للهيمنة الراسمالية على التغيير وتجزئها وتسعى الى تخطيها لبناء نظام شرق اوسط جديد اعتمادا على وحدة اخوية وطنية ديمقراطية. وهذه هي المقاومة الاولى والاساسية والديناميك الاول في المنطقة.

علينا ان نتطلع على المجتمع العربي والمفاهيم العربية الديمقراطية كثاني ديناميك في المنطقة. في الحقيقة لم يقبل الشعب العربي يوما بهذه التجزئة ولا بالتراجع الى المرتبة الثانية ولم يتنباه، وقد عبر عن ذلك بالنهوض ضد السلطات في العديد من الدول. ونعلم جيدا عن العصيانات المختلفة التي تصدت للسلطات العميلة المتواطئة الى الحرب العالمية الثانية. فكان هناك تصدي للقوى الخارجية من جانب القومية العربية المتحدة في الناصرية والبعثية وحركة تحرير فلسطين التي كانت اكثر راديكالية. فإذا كان للقومية العربية تاثير ضمن مجتمعات العديد من الدول وتبنتها المجتمعات العربية والتفت حولها، فهو بسبب تصديها لنظام الحداثة الراسمالية المفروضة خارجيا. لقد كان تطور القومية العربية في البداية ضمن هذا النطاق. وقد لاقت الدعم من المجتمع باتخاذ القوة من هذه النقطة. حتى وان ظهرت القومية العربية على شكل انقلابات وكحركة الجنرالات والضباط ولكنها حققت النجاح وتحولت الى انظمة حاكمة.

وقع قناع القومية العربية بفترة وجيزة من بعد اتخاذا قوموية الحداثة الاوروبية اساسا لها حتى وان بدى كأنها معادية للقوى الخارجية. وتبين بانها لا تناهض الامبريالية الراسمالية، وليست بعدوة للنظام الدولتي القوموي، بل من اوائل مطبقي هذا النظام واحدثهم واكثرهم ديكتاتورية. ان التطورات الموجودة في كل من مصر والعراق وسوريا والبلدان العربية الاخرى تعبر عن هذه الحقيقة. ان بلوغ الناصرية الى الفرعنة الاخيرة عبر حسني مبارك، وظهور ديكتاتورية صدام بالبعث، وكذلك تفرد شخص واحد بديكتاتوريته في حكم سوريا تفيد هذه الحقيقة. لو لاحظنا، سنرى بان القوموية العربية لم تكن تعادي الدولتية القومية، بالعكس اصبحت من المتصلبين المفرطين في تحقيقها. وهذا يعني بانها كانت من ناقليها ومرسخيها في المنطقة، لذا تطور مركزها ودورها بسرعة ولكن كون هذه الديكتاتوريات فرضت هيمنتها على المجتمع فانها حكمته طويلا، اي استمر حكمها ثلاثين وحتى اربعين عاما. اشتد غضب المجتمع ضد هذه الديكتاتوريات واحتقن الى مستوى الانفجار عندما تعرف على حقيقة هذه الانظمة وبانه كان مخدوعا بهذه القوموية. وقد عبرت العصيانات التي بدات في شهر كانون الثاني عام 2011 عن هذا الاحتقان. في الحقيقة ان هذا الاحتقان والغضب هو ضد النظام الذي ظهر في الحرب العالمية الاولى الذي جزء الوطن العربي واختزل بمجتمعه الى المرتبة الثانية، وكذلك ضد امبريالية الراسمالية الاوروبية ونظامها الدولتي القومي وممثليها من الديكتاتوريات في الشرق الاسط. لو دققنا، سنلاحظ بان العصيانات العربية هذه تمثل الوحدة والديمقراطية ومتكافئة مع طابعها العربي الاجتماعي والتاريخي.

 

 

ان الحركات الشعبية العربية تمثل ثاني ديناميك التغيير في الشرق الاوسط

 

 

. ان حركة التحرر الوطنية الكردستانية والثورة الكردية الوطنية الديمقراطية كانت القوة الاولى في المقاومة ضد نظام الدولة القومية الذي بنته هيمنة الراسمالية العالمية، وهذه الثورة والمقاومة ترفض نظام الدولة القومية في كردستان وتشتته. وبالتالي تفرض تخطي هذا النظام في المنطقة. ويظهر عصيان الشعب العربي كثاني قوة مقاومة ثورية ديمقراطية اساسية تدعو الى تخطي وتشتيت هذا النظام. يبدو بان هاتين القوتين المقاومتين متداخلة ومتوحدة في العامين الاخيرين، وهل كانت هذه الانضمامية والوحدة موجودة في العامين الاخيرين فقط؟ كلا!  كان كذلك منذ 30-35 عاما. علينا ان لا ننسى بان المقاومة المشتركة للشعب الكردي والفلسطيني بدأت في نهاية اعوام السبعينات ضد الامبريالية والصهيونية والديكتاتوريات الفاشية المتواطئة. حيث انضم الثوريين الكرد والفلسطيين الى منظمات مشتركة وقاوموا كتفا الى كتف في لبنان وسوريا وفلسطين، واعطوا الشهداء في بيروت وقلعة صلاح الدين والجبهة الشرقية! واستشهد ثلاث عشرة شهيدا بطلا. كما تم اسر العشرات من ابناء الشعب الكردي في نضال الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية والامبريالية، ودافع الشعب الكردي مع الشعب الفلسطيني عن الوحدة الاخوية دائما. ان الحركة التحررية الكردية عرفت الحركة التحررية الفلسطينية كحركة صديقة وحليفة ورفيقة وعقدت علاقات اخوية معها منذ 33-34 عاما، وتستمر الى يومنا الراهن. فهل كانت هذه العلاقات مع المقاومة الفلسطينية فحسب، كلا! حيث اتخذت وعلى الدوام اقامة علاقات صداقة واخوة مع الحركات الفكرية الوطنية الديمقراطية في سوريا ولبنان ومصر والعراق والعالم العربي اساسا لها بالمفاهيم الايديولوجية والسياسية. حيث كانت المقاومة العربية والكردية وحركاتهما التحررية الديمقراطية تتخذ جبهة مشتركة وحلفاء على الدوام، ومثلت الصداقة الكردية العربية بتعاونهم وتشاركهم ووحدتهم. وقد ظهر ذلك ملموسا في وحدة مقاومة الشعب الكردستاني والفلسطيني ضد الامبريالية والصهيونية. وهذا ثابت تاريخيا، وتستمر هذه المقاومة والتشارك موضوعيا عبر مقاومة الحركة التحررية الكردستانية والعصيان العربي في العامين الاخيرين ضد الانظمة الاقليمية، وتتطور كمقاومات متزامنة. ان نضال الشعبين يشتت النظام الدولتي القومي المتكون في الشرق الاوسط على يد هيمنة الراسمالية العالمية اثناء الحرب العالمية الاولى ويقضي عليه، لياتي بانشاء الامة الديمقراطية وبناء المجتمع الديمقراطي ويطور الحركات الديمقراطية ويجذر ثوراتها. حيث يهدف الى بناء شرق اوسط ديمقراطي على اسس انشاء الامة الديمقراطية اعتمادا على اخوة ووحدة الشعوب وينسجها خطوة بخطوة. يسير الصراع في المنطقة من خلال قوتين، الاولى، القوى التي تسعى الى حماية النظام الدولتي القومي الذي بنته الهيمنة الراسمالية العالمية اثناء الحرب العالمية الاولى، اما الثانية، فهي القوى التي تناضل وتطالب بتشتيت هذا النظام وبناء وحدة الشرق الاوسط الديمقراطي والتي تعبر عن العيش المشترك والاخوي للامم الديمقراطية. هذا هو حقيقة الصراع في المنطقة. اما القوى التي تشتت النظام في المنطقة هي القوى المطالبة بوحدة واخوة الشعوب ضمن اطار الامة الديمقراطية المؤيدة للوحدة الديمقراطية، اي انها الحركة التحررية الكردستانية والعصيان العربي الديمقراطي. ان هذه حركات تحررية ديمقراطية تضم جميع الشعوب. لذا تسعى القوى المستفيدة من النظام الدولتي القومي والتي خلقت النظام الدولتي القومي الى اعاقة التطورات الموجودة عندما وجدت تزامن مقاومة الشعب الكردي والعصيان العربي وامكانية تشتيت هذا النظام وبناء وحدة الشرق الاوسط الديمقراطية اعتمادا على اخوة الشعوب. علينا تناول الخلاف والنزاع الموجود بين قوى الانظمة في المنطقة وممثل هيمنة الراسمالية العالمية الولايات المتحدة الامريكية وبالتالي ما يسمى بالحرب العالمية بهذا النمط. في الحقيقة ان الحرب العالمية الثالثة هي الحرب بين ديكتاتوريات انظمة الدول القومية في المنطقة وامريكا. اي انها صراع داخلي في النظام الدولتي القومي الذي خلقته هيمنة الراسمالية العالمية في الشرق الاوسط اثناء الحرب العالمية الاولى. انه نزاع السلطة والهيمنة وحرب بذل الجهود لترميم الانظمة وصياغتها عندما وجدت قوى الهيمنة خطر المقاومة الكردية والعربية. وهذا هو طابع الحرب العالمية الثالثة المندلعة بين ديكتاتوريات الدولة القومية الاقليمية وهيمنة الراسمالية العالمية. هناك رغبة في تحريف وتشويه ذلك. اي هناك رغبة في تحريف وتشويه وعي الشعوب وبالتالي هدر قوتها، حتى تحافظ الانظمة الكلاسيكية على استمراريتها واطالة عمرها، ويقود ذلك كل من ايران وتركيا، حيث تحاول الدولتين الحفاظ على النظام القديم، لكن عندما وجدت امريكا استحالة سير النظام الدولتي القومي بحاله القديم، تسعى الى ترميم النظام الموجود كضرورة ماسة وفق مصالحها. اما الديكتاتوريات في المنطقة تدافع عن نفسها لحماية سلطتها ضد رغبة امريكا في هذا التغيير. وهذا بدوره ما يفتح السبيل امام الصراع المذكور. ان القوى التي تقف الى جانب قوى الهيمنة الراسمالية العالمية التي تدعو التغيير بقيادة امريكية تبدو وكأنها قوى ثورية، إلا ان ثوريتها قليلة الى درجة العدم، وان هذا التغيير لا يعني شيئا سوى عملية ترميم وليس إلا، كما انه يعبر عن ازالة العوائق امام حركة الراسمال الحر. ومن جانب اخر تسعى الى اطالة عمر الانظمة الدولتية القومية عبر انهيار الامبراطوريات التي ترفضها الشعوب وتطالب باسقاطها.

إذن، ما هو ديناميك التغيير الاساس في المنطقة؟ ماهي حركة التغيير؟ ومن هم المدافعين عن التغيير ايديولوجيا ومفهوما وسياسة وتنظيما ونضالا؟ ومن جانب اخر، من هم المدافعين عن هذا النظام؟ ومن هم المستفيدين منه الان؟ ومن هم الذين يدافعون عن بقائه كما هو؟ ومن هم الذين يسعون الى اطالة عمر النظام بالترميم والصياغة؟ وكيف ظهرت التناقضات والنزاعات فيما بينهم؟ ماهو حال الصراع بين مطالب الشعوب التحررية الديمقراطية والنظام الدولتي القومي؟ علينا التمييز بين كل ذلك بشكل سليم وصائب. هنا بالذات للدولة الايرانية الاسلامية دور لعبته، وكذلك دور لعبته حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا. لو لاحظنا، سنرى ب

 

ان مقاومة الشعب الكردي والعربي هي القوة الرئيسية في التغيير

 

 

وتسعى الى تشتيت النظام وازالته.

ان المتصدين لهذه المقاومة والمدافعين عن نظام الدولة القومية هم الدولة التركية والايرانية في الدرجة الاولى، اما امريكا وحلفائها يجدون استحالة ذلك وضرورة القيام ببعض التغييرات في هذا النظام، ويجدون الحاجة الى الترميم، لانهم يذكرون إذا لم يحدث هذا فستتحقق ثورة ديمقراطية كبيرة، وسينهار النظام. لذا تريد امريكا القيام ببعض الترميمات في النظام اعتمادا على النزعة المسماة بالاسلام السياسي. في الحقيقة انها جربت في السابق ايضا الاعتماد على الاسلام السياسي ضد اشتراكية السوفييت، وسمي بمشروع الحزام الاخضر. وهذا الحزام يمتد من تركيا الى ايران، افغانستان، باكستان. انها كانت حركة لاعاقة نزول روسيا السوفيتية الى البحور الساخنة. كما حصلت القيادة الامريكية على نتيجة نسبية من ذلك ايضا، وتسببت في انهيار الاشتراكية المشيدة في الجنوب عبر حصارها بحركة الحزام الاخضر، والان تسعى الى انهيار ديكتاتوريات الدولة القومية في المنطقة اعتمادا على الاسلام السياسي، وتجد من حزب العدالة والتنمية كموديل للاسلام السياسي المعتدل، وتقيمه وتكلفه بادوار وفق مصالحها. كما انها تعتقد بان حزب العدالة والتنمية سيستطيع تغيير بنى الانظمة الدولتية القومية الصلبة في المنطقة وبانها ستغير ديكتاتورية القومية الكمالية في تركيا اعتمادا على الاسلام السياسي المعتدل. من جانب اخر، تريد امريكا تقديم هذا الحزب في الشرق الاوسط كنظام نموذجي في العالم العربي وحتى ايران وجميع البلدان، وتسعى الى القيام بتغييرات وفق هذا النموذج على كافة الاصعدة في المنطقة. ان الاتفاق الامريكي والتركي اتفاق معقود على هذا الاساس. ان حزب العدالة والتنمية ظهر كحركة لآداء هذا الدور، وبالتالي فهي حركة ليس لها مبدأ ولا هدف ولا برنامج. ان حزب العدالة والتنمية حركة تتخذ من المشروع الامريكي الاسلامي السياسي المعتدل اساسا وتسعى امريكا الى تقديمها كنظام نموذجي في الشرق الاوسط من بعدما دعمتها لاستلام السلطة في تركيا.

ظهر حزب العدالة والتنمية كمشروع امريكي اسلامي سياسي وبدعم ومساندة امريكية، حيث استلم الحكم في تركيا لوحده حتى من دون عقد مؤتمره الاول. إذن، من هي القوى المساندة له؟ وهل كان له جهود تنظيمية اعتمد عليها ؟ من أين حصل على المال، واين شكل تنظيمه؟ كيف اثر على الشعب؟ بدون الدعم الامريكي لم يكن بمستطاعه تحقيق ذلك ابدا. حيث تحول هذا الحزب الى حزب السلطة بدعم امريكي ليمارس حرب الابادة ضد الشعب الكردي ويتسبب في تراجع كل من القضاء والجيش وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية CHPو MHP.

ان حركة التغيير الذي تدعيه الهيمنة العالمية في الشرق الاوسط ويسميه حزب العدالة والتنمية بالتغيير الديمقراطي ما هي إلا حركة لتصفية الثورة الكردية والعربية واعاقة حدوث تغيير وتحول جذري في نظام المنطقة. ان هذا التغيير ما هو إلا عملية ترميم ولا سواه. وهذا هو الهدف الحقيقي من مشروع الاسلام السياسي المعتدل بقيادة حزب العدالة والتنمية. لكن، كيف سيكون دور الاسلام المعتدل، وكيف يمكن التمييز بين الاسلام المعتدل والاسلام الراديكالي؟ فيبقى ذلك مجرد احتمالات لا غير. ان الاعتدال والراديكالية يعبر عن اختلاف في السوية، اما الاساس في المسالة فهو الاسلام السياسي. تطالب امريكا بتطوير نموذج اسلامي ردايكالي عبر حزب العدالة والتنمية، لكن هذا النموذج يعني دعم النموذج الاسلامي الراديكالي ايضا. لو لاحظنا، سنرى بان هناك الكثير من النزعات التي تطورت بدعم امريكي في الكثير من المناطق التي تعاديها اليوم. وقد حدث ذلك في الدول العربية وكاد ان يحدث ذلك في تركيا من احد الجوانب. حيث يدل هذا على فشل النموذج الذي يسعى كل من امريكا وحزب العدالة والتنمية الى تطبيقه في المنطقة. يبدو بان نموذج الاسلام السياسي لن يستطيع تلبية مهامه في تخطي ديكتاتوريات الدولة القومية التي تمخضت من الحرب العالمية الاولى، وحتى ان استطاع تلبيته نسبيا، لكنه سيخلق نظاما اخطر بالنسبة الى شعوب المنطقة والعالم ايضا. يبدو في الاونة الاخيرة بان امريكا وحلفائها مشكوكين في امر الاسلام السياسي، لانه مهدد من قبل الاسلام الراديكالي، ويكمن ورائه الاسلام السياسي. إذن، لدى سعيهم الى تخطي ديكتاتوريات الدولة القومية، يبقون معرضين لهجمات الاسلام الراديكالي. اي ان النظام المراد تطويره عبر حزب العدالة والتنمية سيصبح بلاءا ومأزقا جديدا لاسياده. فلا الالاعيب الامريكية ولا الاسلام السياسي المعتدل لحزب العدالة والتنمية ستحل نظاما جديدا في الشرق الاوسط باسم الدين، بالعكس تسعى هذه القوى الى وضع قناع للنظام الدولتي القومي الموجود في المنطقة والاستمرار به. ان المثقفين في كل من كردستان والوطن العربي وحتى تركيا وايران يجدون هذه الحقيقة بشمولية، ويشعرون بمخاطره، ويجدون بانها لا تجيد الحل، كون الحل يتطلب تغييرا جذريا راديكاليا وتخطي الدولة القومية بالكامل. وكذلك يجدون الحل في الثورة الكردستانية التحررية والعصيان العربي الديمقراطي. تَعرف المقاومة العربية والكردية بعضها البعض وتتقارب اكثر ضمن اطار ديمقراطي، وهذا بدوره يفتح السبيل امام وحدة كردية عربية ديمقراطية ضمن اطار الامة الديمقراطية ووحدة الشرق الاوسط. وهذه هي القوى الثورية الرئيسية في المنطقة وديناميكية التغيير. وستفشل الجهود الامريكية في ترميم وصياغة النظام الدولتي وما تسعى الى تحقيقه عبر الاسلام السياسي المعتدل اعتمادا على حزب العدالة والتنمية، ولن تنجح جهودها في حماية نظام الدولة التركية والايرانية. ستتحقق ثورة الشرق الاوسط الديمقراطية بمقاومة الشعب الكردي والعربي. وسيتحقق مستقبل الشرق الاسط واعادة بنائه على هذا الاساس. وهذا ما يتناسب مع تاريخه ومجتمعيته، وستخدم مسيرة الانسانية في تحقيق الحرية والديمقراطية.

كاتب

التعليقات مغلقة.